11 سبتمبر 2023

لعبة "باربي" ومعايير الجمال

أستاذة وباحثة جامعية

لعبة

سيقان تبدأ ولا تنتهي، شفاه حمراء، قدٌّ رشيق... هي لعبة «باربي» التي تجسد إلى حد عبثي معايير الجمال العالمية التي يبدو أنها نتاج تاريخ تطورنا.

سواء أكان لديكم أطفال أم لا، أنتم تعرفون لعبة «باربي»، وسواء أحببتموها أم كرهتموها، لا بد أن تعترفوا بوجود إجماع على الاعتراف بجمالها الكبير. لماذا نجد هذه اللعبة جميلة إلى هذا الحد؟ في العام 1997، نجح ألبرت ماغرو، وهو باحث في «فيرمونت ستيت كولدج» بالولايات المتحدة، في كشف سر هذا اللغز من خلال إجراء الدراسة التالية... عرض على 495 شخصاً أشكالاً وصوراً لبشر يملكون سمات بدنية مختلفة (أشكال وجوه مختلفة، وأجزاء من الجسم.. إلخ)، وأشار المشاركون إلى الرسم الذي يجدونه جميلاً، وقد لوحظ أن الناس يكرهون عموماً بطة الساق القصيرة، والفخذ الصغير والسيقان المعقوفة والأنياب الطويلة وبالأخص إذا كانت حادة، واللثة الكبيرة والظاهرة، والإبهام القصير وراحات اليدين الطويلة والأصابع المعقوفة والرقبة القصيرة والفك البارز إلى الأمام.

في المقابل، أبدى المشاركون تفضيلهم للقامات الطويلة والسيقان الطويلة والقدّ الرفيع والرقبة الطويلة والشفاه الحمراء البارزة والعيون الكبيرة والأكتاف العريضة والأسنان المستقيمة وغير المتباعدة والأصابع المستقيمة والبشرة الملساء الخالية من الوبر والجبهة العريضة والبطن المسطح وأخمص القدمين المرن.

لعبة

«فينوس» الإنسان الأول

لاحظ الباحث ماغرو أن اللعبة باربي تجمع السمات التي فضلها المشاركون، لماذا؟ يقول إن الأبحاث التي أجريت على بقايا البشر الأوائل تشير إلى أن بعض السمات البدنية قد ضاعت مع الزمن لمصلحة أخرى. وهذه السمات الجديدة قد نمت خلال تطور عملية المشي على الساقين وزيادة الذكاء والمهارة اليدوية ونظام الغذاء الذي يعتمد النبات واللحوم. وهذه بالتحديد التغيرات البدنية التي فضلها المشاركون في دراسته.

مثلاً، أدى المشي على الساقين إلى زيادة طول الساقين والعنق وإلى تعريض الكتفين ودفعهما قليلاً إلى الوراء. وقد عدّل نظام الغذاء الجديد شكل الحنك واصطفاف الأسنان فيه وزاد حجم الدماغ ما زاد حجم الجمجمة، مثلما زاد نمو الذكاء والقدرة على استخدام الأدوات والمهارة اليدوية ما كانت نتيجته تعديل شكل اليدين. أما بالنسبة إلى الشفتين، فنحن الجنس الوحيد الذي يظهر غشاؤها الأحمر إلى الخارج، لهذا السبب تفضل الشفاه الحمراء، فهي إشارة إلى تطور متقدم.

وقد لاحظ ماغرو كذلك، أن السمات التي لم تعجب المشاركين كانت حاضرة لدى أسلافنا الأوائل وهي لا تزال حاضرة عند القرود. وحين ننظر إلى لعبة باربي، نلاحظ أنها شكل مكثّف من السمات التطورية في الجسم والوجه وأنها لا تمتلك أي مظهر بدائي. فهل هذا سبب شعبيتها؟

إن إدراكنا للجمال لا بد أنه تطور كذلك مع تطور سماتنا البدنية، فهذه السمات «الجديدة» موجودة أكثر اليوم لأن البشر اختاروا على الدوام شركاءهم على أساسها. وقد تم الحفاظ عليها بفضل تكاثر «انتقائي»، فالنساء اللواتي امتلكنها امتلكن فرصاً أكبر من سواهن للتكاثر وإنجاب أطفال يمتلكونها بدورهم. أما الباقين فقد زالوا من الوجود. وفي النهاية، يمكن القول أن البشر تكاثروا، ولا يزالون ربما يتكاثرون، مع باربي كنموذج.

في ما وراء الانزعاج الذي تثيره أحياناً هذه الدمية، بسبب الأدوار الأنثوية النموذجية التي تحملها، أو ربما بسبب شكلها كدمية «كليشيه» بالنسبة إلى الفتيات، فهي مثال على الطريقة التي تطور فيها إدراكنا للجمال البشري. وهي تمثل العناصر البدنية التي نطلق عليها صفة «الجمال»... وربما كان هذا هو السبب الذي يجعل كل ملكات الجمال في العالم يتشابهن.
بحسب علماء النفس التطوريين، حتى لو أن معايير جمال الوجه تتغير بشكل بسيط بحسب الحقبات والثقافات، إلا أنه ثمة شكل عالمي للجمال. وبحسب فرضية داروينية، فإن الجمال يهدف إلى التعرُّف إلى الأفراد الذين يمتلكون «الجينات الجيدة»، وهو مؤشر للصحة الجيدة لدى الأشخاص الذين نسعى للتكاثر معهم من أجل أن نشاركهم جيناتنا. فإذا كان الشعر جميلاً والجسم رشيقاً ومشدود العضل والبشرة ناعمة وغير مترهلة والوجه متناسق، فهذا يعني أن الإرث الجيني يوفر ميزات جيدة للبقاء والتناسل، لا سيّما الجهاز المناعي الجيد. فالتناسق يشير مثلاً إلى أن نمو الجسم قد تمّ بطريقة متناغمة.

لعبة

معاير أخرى للجمال

هنا أيضاً، تمتلك باربي مختلف السمات هذه على الرغم من خصرها الرفيع، إلا أن وركيها بارزين. وقد بيّن عالم نفس من جامعة أوستن في تكساس أن الرجال حساسون لنسبة الخصر على الوركين التي يجب أن تكون أقل من 0،7، (أي 60 سم للخصر و90 سم للوركين) إذ إنها علامة على أن المرأة قادرة على الإنجاب.

كما أن الدمية شابة عموماً، والشباب مطلوب ويمثل كذلك معياراً للجمال، لأن السن مؤشر هو أيضاً على الخصوبة. وفي دراسة ماغرو، تم تفضيل العيون الكبيرة لأنها علامة الصبا، مثل عيون الأطفال. وقد فضل الرجال، في كل الأزمان، الشباب وبحثوا عن نساء شابات. وبحسب دراسة أجريت في العام 1996، وحدهم المراهقون يفضلون النساء اللواتي يكبرنهم بخمس سنوات، أي النساء الأشد خصوبة من النساء اللواتي في سنهم. وأخيراً، ماذا عسانا أن نقول عن شعر باربي الأشقر؟ هل يفضل الرجال النساء الشقراوات؟ شيء واحد مؤكد هو أننا نحب الأشخاص الذين يحملون جينات بعيدة عن جيناتنا، لأن امتزاج الجينات يزيد من القدرة على البقاء. وهكذا في العديد من البلدان حيث يسيطر اللون الأسمر، يكون الشقر والشقراوات مطلوبين لأنهم أندر، والزواج منهم يسمح بالحفاظ على التنوع الجيني وبتقوية جهاز مناعة الأطفال، ما يساعد في الحفاظ على الجنس.

لعبة

ماذا يفضّل الرضَّع؟

يفضلون النساء الجميلات. ولا تظنوا أن الكبار وحدهم حساسون إزاء الجمال... ففي جامعة إكزيتر، عرض عالم النفس ألان سلاتر على أكثر من مئة رضيع، من عمر الخمس ساعات إلى عمر اليومين، أزواج صور وضعت الواحدة إلى جانب الأخرى على مسافة 30 سنتمتراً من عيني المولود الجديد. وتضمن كل زوجي صور صورة امرأة جميلة جداً وصورة امرأة عادية. فما كان من نظر المواليد الجدد أن بقي مدة أطول بأربع مرات على الوجوه الجميلة. فهل هذا يعني أننا لا زلنا أطفالاً في مجال الجمال ؟

كل هذا يدل على أن التعرف إلى الوجوه الجميلة ميزة موجودة منذ الولادة وحتى قبلها، ولكن لماذا تفضيل الجمال لدى الرضَّع؟ بحسب سلاتر، تمثل الوجوه الجميلة نموذج الوجه الإنساني، فإذا ما دمجنا بواسطة الكمبيوتر مئات الوجوه، نحصل على متوسط إحصائي لوجوه جذابة بشكل ملفت. وفي ذهن الرضيع، هذه الوجوه الجميلة تمثل نموذج الوجه البشري، وربما كان الرضيع يقارن وجوه المقربين منه بهذا النموذج.

سواء أكنا رجالاً أو نساءً، أفارقة أو إسكيمو، ومهما قلنا، نحن حساسون إزاء الجمال ومبرمجون بيولوجياً منذ الولادة للتعرف إليه وتفضيله. ومن ذا الذي يلخص كل سمات الجمال الأنثوي؟ إنها دمية باربي... ولكن اطمئنوا، فحتى لو كان طفلكم يعشق هذه الدمية إلا أن المرأة الأجمل في العالم ستظل أمّه.