كنت أتصور أن موقع النساء في العالم قد تغير نحو الأحسن خلال العقود الأخيرة. دخلت المرأة مختلف المجالات وأثبتت جدارة فيها. ارتفعت أصوات النسويات ضد التمييز ووصلنا مرحلة فضح المتحرشين والذهاب إلى المحاكم لمقاضاتهم. بلغت المرأة مناصب الرئاسة والوزارة والسفارة والقضاء والجيش وارتادت الفضاء. لكن هل تغيرت صورتها في المجال العام؟
لا أتحدث هنا عن وطننا العربي بل عن العالم بكل ممالكه وجمهورياته. فهناك علاقة عكسية بين إنجازات النساء وبين التعامل مع شكلهن الخارجي. إن قراءة لإحصائيات عمليات التجميل في الشرق والغرب تؤكد شكوكي. تزايدت تلك العمليات وظهرت فيها اجتهادات جديدة منفرة. تجد النساء أنفسهن مدفوعات لتقليد نموذج مفروض عليهن من جهة عليا ذات سلطة. وبرأيي فإنها عقلية شيطانية عابرة للقارات تدير الصحف ومحطات التلفزيون ودور الأزياء وتملك التأثير في الرأي العام.
كانت «باربي» بنحولها ورشاقة قامتها هي النموذج في القرن الماضي. أما النموذج الجديد فهو مرعب في تضاريسه. ضامر في موقع الخصر بارز من فوقه وتحته. تضيع ملامح الوجوه من شدة الشد ووشم الحواجب ونفخ الخدود والشفاه. تحولت آلاف النساء على شاشات التلفزيون إلى كائنات فضائية متشابهة. حتى التسريحات تتشابه وقد أضيفت لها طبقات من خصل مستعارة.
جلست مثل الصنم قبل أيام، أمام شاشة التلفزيون الفرنسي، أتابع برنامجاً مخصصاً للحديث عن مؤخرة المرأة. لم أصدق ما كنت أرى. وأين؟ في البلد الذي يرفع شعار حرية المرأة واستقلالها. وطن سيمون دوبوفوار وجنفياف ديجول وجيزيل حليمي وسيمون فاي وقبلهن العشرات من رائدات الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبات برفع الغبن عنها.
ساعتان كاملتان من النقاش واستضافة خبراء التشريح والآثار وعلم النفس وأطباء التجميل والمتخصصين في الأجناس. كانت هناك تقارير مصورة مرعبة عن السياحة التجميلية التي تتهافت عليها الشابات الفرنسيات للتخلص من جسد ممسوح والعودة بقامة ذات مقاسات غير بشرية.
قضت كيم كارداشيان على باربي بالضربة القاضية. فهل تقبلين على نفسك، صديقتي القارئة، بأن تكوني كيم كارداشيان؟ تبدو امرأة القرن الحادي والعشرين مستعدة لتشويه نفسها وتحمل الآلام وتعريض نفسها للمخاطر في سبيل إرضاء الرجل. هل هذا هو الهدف الذي ناضلت النساء من أجله؟ وأرجو ألا تقولوا لي إن الرجل بات يتجمل أيضاً ليرضي المرأة. فالمجتمع ما زال يؤمن بأن الرجل لا يعيبه سوى جيبه. والمال كفيل بتحويل القرد غزالاً. وها أنا أشعر، مرة أخرى، بأنني «دقة قديمة» ومتخلفة عن مسايرة العصر. لكن بوصلتي لا تخونني ولن يصح في النهاية سوى الصحيح.