10 نوفمبر 2022

شيخ الأزهر: كراهية إنجاب الإناث لا تقل إثماً عن وأدهن

محرر متعاون

شيخ الأزهر: كراهية إنجاب الإناث لا تقل إثماً عن وأدهن

للأسف.. لا تزال مشاعر كراهية إنجاب الإناث تتنامى داخل نفوس بعض الرجال في مجتمعاتنا العربية، رغم ما يقدمه علماء الدين من نصائح وتوجيهات دينية تؤكد حفاوة الإسلام بالمرأة.

وقد تدفع هذه المشاعر البغيضة بعض الآباء للإساءة إلى زوجاتهم أو بناتهم، ومن وقت لآخر تطالعنا وسائل الإعلام وصفحات متابعة الجرائم حوادث من هذا النوع.

الجديد هنا أن سيدة مصرية ضاقت بها الدنيا من تأنيب زوجها لها وتحميلها مسؤولية إنجاب 4 بنات، وهو ما دفعها الى محاولة قتلهن في لحظة انهيار عقب تهديد زوجها لها بالزواج من أخرى رغبة في إنجاب ذكر.. ولم ينقذ البنات من القتل إلا تدخل بعض الجيران.

فماذا يقول علماء الدين وخبراء الأسرة والمجتمع عن الشعور المتأصل في نفوس البعض بكراهية البنات، وتفضيل الذكور على الإناث؟

في البداية، يؤكد الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الشعور بكراهية إنجاب الإناث «من ميراث الجاهلية» الذي يجب أن يختفي من نفوس الجميع، ويقول «إنجاب البنات يجري وفق إرادة الخالق سبحانه، فهو القائل: «لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير»، فإنجاب البنات أو الذكور يجرى بمقادير الله ولا دخل فيه للأم من قريب أو بعيد».

ينبغي على كل أب أن يسعد بالأنثى كما يسعد بالذكر، و القرآن الكريم أدان كراهية إنجاب الإناث

ويضيف «المرأة لا ينبغي أن تكون عبئاً على الأسرة ولا عبئاً على المجتمع، وهي في نظر الإسلام مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، وكم من امرأة ناجحة تجلب لأسرتها الشرف أكثر من حشد من الرجال الف اشلين، لذلك ينبغي أن نتخلى عن هذا الشعور البغيض، ونرحب بالأنثى كما نرحب بالذكر، وقد قدم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حوافز لمن رزقه الله بالإناث ورضى وسعد وأحسن الرعاية والتربية فقال «من عال جاريتين- أي بنتين- حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه صلى الله عليه وسلم». أي من رعى بنتين وأحسن تربيتهما ولم يبخل عليهما بالنفقة الواجبة والنصيحة المخلصة فاز بهذه الجائزة».

وكما يؤكد د. الطيب أن كراهية إنجاب الإناث لا تقل إثماً عن وأدهن، وقد أدان القرآن الكريم هذا السلوك القبيح، ويوضح «ينبغي على كل أب أن يسعد بالأنثى كما يسعد بالذكر، ففي تربية الإناث تربية جيدة وتعليمهن وتزويجهن وحمايتهن وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهن أجر كبير من الخالق سبحانه وتعالى، وجبر خاطر زوجة رزقها الله بالبنات عطاء إنساني لا يماثله عطاء».

شيخ الأزهر: كراهية إنجاب الإناث لا تقل إثماً عن وأدهن

ما أسباب هذا التفضيل؟

د. نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، يؤكد أن تفضيل الذكر على الأنثى شعور لا يزال يسيطر على نفوس بعض الآباء، بل وحتى بعض الأمهات في عالمنا العربي، وهو شعور لم تصلح في مقاومته مواعظ دينية، ولا توجيهات اجتماعية.

ويضيف «هذا الشعور للأسف يتسبب في حالات طلاق كثيرة، ويتسبب في إهانة كثير من الأمهات، بسبب القناعات الخاطئة عند بعض الرجال بأن المرأة هي المسؤولة عن نوعية الجنين، ولذلك تضيق كثير من الأمهات ذرعاً بالبنات لكي تستريح من همْ تحميلها مسؤولية ذلك من الزوج وأسرته».

وهنا يوضح أستاذ علم الاجتماع أن هذا الاعتقاد السائد تكذبه الوقائع الحياتية، فهناك زوجات طلقن من أزواجهن بسبب تكرار إنجاب الإناث، وتزوجن من آخرين وأنجبن الذكور وهو ما يؤكد أن المرأة بريئة من هذه التهمة، فالمسؤول الأول هو الله سبحانه وتعالى، فهو من يعطى وهو من يأخذ، وهو القائل: «يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً».. ثم تقع المسؤولية بعد ذلك على الأب، فالحيوانات المنوية التي ينتجها جسم الأب هي التي تحدد نوع الجنين.

لو ارتكبت أنثى خطأ أخلاقيا يتم إعدامها في بعض البيئات العربية، بينما ينجو الرجل الذي غرر بها من العقاب، وهذا قمة الظلم

ويرى د. السمالوطي أن تفضيل الذكور على الإناث قضية متوارثة في مجتمعاتنا رغم نهى الإسلام عنها، وهو لا يقف عند الترحيب بمولد الذكر وحده، بل ينطبق على موقف بعض الآباء الذين يحرمون بناتهم من حقوقهن في التعليم والميراث واختيار من تتزوجه.. فكل هذه صور لحرمان المرأة من حقوقها ينبغي أن تختفي من حياتنا، فالإسلام سوّى بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والكرامة الإنسانية، فلا توجد أي تفرقة في الإسلام بين البنات والبنين.

ويطالب ببذل مزيد من الجهد التوعوي الديني والاجتماعي والقانوني للتبصير بحقوق المرأة، ومواجهة كل صور العدوان على حقوقها، والتخلي عن النظرة الدونية لها، واعتبارها وحدها رمزا للشرف والكرامة، فلو ارتكبت أنثى خطأ أخلاقيا يتم إعدامها في بعض البيئات العربية، بينما ينجو الرجل الذي غرر بها من العقاب، وهذا قمة الظلم.

ما الحكم لو أنجبت الأسرة أكثر من بنت ورغب الوالدين في ولد ذكر.. هل يجوز اللجوء إلى تقنية (تحديد جنس المولود) لتلبية رغبتهما؟

شيخ الأزهر: كراهية إنجاب الإناث لا تقل إثماً عن وأدهن

يجيب د. علي جمعة عضو، هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، «الإسلام لا يقف ضد رغبة أب وأم في إنجاب ولد ذكر، ولذلك فإن التحكم في جنس الجنين لا يتعارض مع مشيئة الله بل، هو مباح شرعاً لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا تحريم إلا بنص، ولقد كان من دعاء زكريا عليه السلام “فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب”. فطلب من الله الولد الذكر، كما حمد إبراهيم ربه حين رزقه الولد فقال: «الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء» وفيه إشعار بأنه دعا ربه وسأل منه الولد فأجابه، ووهب له سؤاله حين وقع اليأس منه، ليكون من أجل النعم».

التحكم في جنس الجنين بضوابط وقواعد شرعية وأخلاقية لا يتعارض مع مشيئة الله بل، هو مباح شرعاً لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا تحريم إلا بنص

لكن يرى د. جمعة أن مشروعية تحديد جنس الجنين محدودة بضوابط، ويقول «السعي للوصول إلى ذلك مشروع والأمور بمقاصدها، وقد ورد في السنة الإشارة إلى تحديد نوع الجنين، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا وعلا مني الرجل مني المرأة «أذكرا» بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل «أنثا») ومعنى أذكرا كان مولودهما ذكراً، ومعنى (أنثا) كان مولودهما أنثى».

ويرى مفتي مصر السابق أنه لا يجوز الاستناد إلى قول الحق سبحانه «لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور» في تحريم تحديد جنس الجنين، موضحاً «إن الله يهب ما يشاء لمن شاء، والتعرض لهبة الله والسعي إليها غير محظور، فهو في ذلك كالرزق والرحمة وكل عطاءات الملك الوهاب، ثم إن الله يجعل من يشاء عقيماً، ومن ذلك فالتداوي من العقم جائز، فكذا يكون تحديد نوع الجنين جائزاً، فالتحديد ليس فيه تغيير لخلق الله كما يزعم البعض، فالتغيير يكون بعد التحديد، كما أنه ليس في تحديد نوع الجنين اختلاط للأنساب ما دام ذلك يتم وفق الضوابط الشرعية».

ومع ذلك، ينصح مفتي مصر السابق بعدم التوسع في تحديد نوع الجنين حتى لا يؤدي ذلك إلى اختلال التوازن بين الجنسين في الحياة وإنما يقتصر فيه على قدر الحاجة.

وينتهي عضو هيئة كبار العلماء إلى تأكيد أنه لا حرج شرعاً في تحقيق رغبة من حرموا من الذكور في تطبيق هذه التقنية الطبية، ويقول «لكن علينا أن نحذر من استخدام هذه الوسيلة العلمية لتحديد جنس المولود دون ضوابط وقواعد شرعية وأخلاقية، حتى لا يتحول البحث العلمي في أيدي البعض إلى شكل من أشكال العبث ويضر بالإنسان والأسرة والمجتمع بأسره».