8 يونيو 2021

علماء الأزهر: لا يجوز شرعاً إلزام الأسرة بعدد محدد من الأولاد

محرر متعاون

محرر متعاون

علماء الأزهر: لا يجوز شرعاً إلزام الأسرة بعدد محدد من الأولاد

كانت قضية «الإنجاب العشوائي» قد شهدت جدلاً دينياً واجتماعياً في مصر خلال الأسابيع الماضية حيث طالب البعض - ومنهم نواب في البرلمان المصري - بتشريع يلزم الأسرة بعدد محدد من الأولاد، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض من بعض العلماء ورجال الفتوى الذين أكدوا أن أمر الإنجاب وعدد أفراد كل أسرة ينبغي أن يكون بالتوعية والإقناع بعد توضيح مخاطر إنجاب الأسر الفقيرة لعدد كبير من الأطفال ثم تركهم يواجهون قسوة الحياة.

رجعنا للعلماء وحاولنا وضع خطوط فاصلة بين المباح والمحظور في هذه القضية الشائكة التي لا يتوقف الجدل حولها في عدد من البلدان العربية.. وفيما يلي خلاصة ما ينصح به علماء الإسلام:

"فالله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وليس من العقل ولا من الدين تسابق الأسر الفقيرة في إنجاب الأطفال ثم تركهم يواجهون الضياع والتشرد"

 

يؤكد د. عبدالله النجار، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن الأبناء إحدى زينتي الحياة الدنيا، حيث يقول الحق سبحانه في كتابه الحكيم (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً)، لذلك من حق كل زوجين أن يسعيا إلى إنجاب الأولاد لتلبية غريزة الأبوة والأمومة، وليس من حق أحد منعهما من التمتع بهذا الحق.. لكن من واجبنا كعلماء ودعاة ومن واجب كل المعنيين بالشأن الأسري والاجتماعي والصحي والاقتصادي أن يقدموا نصائحهم وتوجيهاتهم للأسر، خاصة الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل بـ«ترشيد الإنجاب»، بمعنى عدم الإكثار من الأطفال طالما كانت الأسرة محدودة الدخل وغير قادرة على توفير الرعاية الأسرية والصحية والاقتصادية لأبنائهم، فالله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وليس من العقل ولا من الدين تسابق الأسر الفقيرة في إنجاب الأطفال ثم تركهم يواجهون الضياع والتشرد، ولو دققنا في ظروف وملابسات تسرب الأطفال من أسرهم وانطلاقهم في الشوارع ضحايا لمافيا التسول والاتجار في المخدرات وغير ذلك من المظاهر المؤلمة التي لا تزال موجودة في بعض مجتمعاتنا العربية، لوجدنا أن هؤلاء الأطفال تسربوا من أسر عجزت عن توفير مقومات الحياة الكريمة لهم، فهم إما أبناء أسر فقيرة، أو أبناء أسر تفككت بسبب انفصال الأب عن الأم وبحث كل منهما عن حياته بعيداً عن أطفاله.

ويؤكد عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أن قضية «تنظيم الأسرة» لا تزال بحاجة إلى وعي ديني واجتماعي أكثر، لأن كثيراً من البسطاء يرون أن كثرة إنجاب الأطفال أمر يدعو إلى الافتخار ويوفر عوامل القوة للأسرة، فالأبناء في نظرهم «عزوة وسند للمستقبل»، وبعض المتدينين يرون أن كثرة إنجاب الأطفال «قربى إلى الله»، والواقع أنه لا هذا ولا ذاك على صواب، فالأولاد يكونون سنداً وقوة للأسرة والمجتمع عندما يكونون عناصر فاعلة لديها القدرة على العمل والإنتاج وإضافة الجديد للأسرة والمجتمع، أما عندما يكون هؤلاء الأبناء عالة على أسرهم وعلى المجتمع بسبب عوز الأسرة وعدم قدرتها على رعايتهم أسرياً وعدم توفير مقومات الحياة الكريمة لهم، هنا يكون هؤلاء الأبناء من عوامل ضعف الأسرة ويشكلون ببطالتهم وعدم تعليمهم ورعايتهم صحياً خطراً بالغاً على المجتمع. ويؤكد د. النجار أن المفاهيم الدينية المتعلقة بتنظيم الأسرة تحتاج إلى توضيح حتى لا تختلط الأوراق، وتضيع الحقائق الدينية في زحمة الجدل والخلاف بين المتحمسين للتنظيم والمحتفظين عليه انطلاقاً من التباس المفاهيم.

علماء الأزهر: لا يجوز شرعاً إلزام الأسرة بعدد محدد من الأولاد

الإسلام أعطى لكل زوجين الحق في أن ينجبا من الأولاد ما يتناسب مع إمكانات الأسرة وظروفها

 

العالم الأزهري د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق ورئيس اللجنة الدينية بالبرلمان المصري، يؤكد أن الشريعة الإسلامية حسمت قضية تنظيم الأسرة والأمر لا يحتاج إلى جدل وخلاف، ولكن ينبغي توضيح الحقائق للجمهور في كافة البلدان العربية، فتنظيم الأسرة بمعنى الاكتفاء بعدد معين من الأولاد ليس مفروضاً ولا مرفوضاً، وهو يخضع لظروف كل أسرة وكل مجتمع، فهناك أسر لديها القدرة الاقتصادية والأسرية على رعاية الأبناء، ولا تعاني مشكلات أو ضغوطاً اقتصادية أو اجتماعية، وهذه لا ينبغي أن يطالبها أحد بالاكتفاء بعدد محدد من الأبناء.. أيضا هناك مجتمعات عربية تحتاج إلى الكثرة العددية لأن عدد مواطنيها محدود ولا يفي بمتطلبات الحماية وتنفيذ خطط وبرامج التنمية وهذه المجتمعات من حقها أن تقدم حوافز لمواطنيها للإنجاب.

وهكذا. ويتحفظ د. جمعة على فكرة إصدار تشريعات تلزم الأسرة بعدد محدد من الأبناء، ويوضح «لا يجوز شرعاً إلزام الأسرة بعدد معين من الأولاد، وكما نعلم فإن الأحوال المادية للأسر متفاوتة، فقد لا تستطيع أسرة أن ترعى أكثر من ولدين رعاية جيدة، وقد تستطيع أسرة أخرى أن ترعى ثلاثة أو أربعة.. والإسلام أعطى لكل زوجين الحق في أن ينجبا من الأولاد ما يتناسب مع إمكانات الأسرة وظروفها، وإمكانات الأسر وظروفها الاجتماعية والاقتصادية مختلفة، فهناك أسر لا يضرها أبداً أن يكون عدد أولادها عشرة أو أكثر، وهناك أسر أخرى لو زاد عدد الأولاد فيها على اثنين أو ثلاثة ما تمكن الأبوان من توفير الطعام والشراب ومستلزمات الحياة الكريمة لهم.. إذاً أمر الإنجاب يخضع لظروف كل أسرة ولاتفاق الزوجين».

ويضيف مفتي مصر السابق «نحن هنا نؤكد أن الإسلام حرم التعقيم وهو قطع الإنجاب نهائياً، حتى ولو كانت الأسرة قد اكتفت من الأولاد، وليس لديها رغبة في المزيد.. كما حرم الإسلام الإجهاض لأن في ذلك إزهاق لروح بريئة، إلا إذا كانت هناك ظروف صحية تفرض على المرأة أن تسقط جنينها لأنه يشكل خطورة بالغة على حياتها».

وعما يعتقده بعض المتدينين الذين يتعاملون مع تنظيم الأسرة على أنه قتل للأولاد وينطبق عليه قول الحق سبحانه (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم)، يقول د. جمعة «هذا فهم غير صحيح لكلام الله عز وجل، فالآية الكريمة تنهى عن قتل الأولاد أثناء الحمل وهو ما يطلق عليه «الإجهاض» وبعد ولادتهم ويتوعد الخالق الذين يفعلون ذلك، ولاسيما مع البنات، بأشد أنواع العذاب، وهو سبحانه وتعالى يقول (قد خسر الذين قتلوا أولادهم بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين).. ولذلك تحرم الشريعة الإسلامية الإجهاض، وهو قتل الجنين في بطن أمه، تحريماً قاطعاً، ولم تبحه إلا في حالة الضرورة القصوى إنقاذاً لحياة الأم».

اقرأ أيضًا: علماء الأزهر يحذرون: الآباء سيحاسبون على انحراف أبنائهم

 

مقالات ذات صلة