كشفت دراسة نفسية اجتماعية حديثة عن أن الإهمال أو «البرود» العاطفي هو سبب معظم المشكلات والأزمات بين الزوجين، حيث أشارت الدراسة إلى وقوع الطلاق بين 63% من الأزواج والزوجات غير المستقرين عاطفياً، والذين يعانون حالة عدم الوفاق بعد إتمام الزواج بفترات زمنية تتراوح بين عام وخمسة أعوام.
وأوضحت الدراسة، التي أجراها عدد من الباحثين بكلية الآداب بجامعة عين شمس المصرية، أن 26% من بين حالات الطلاق التي شملتها الدراسة (200 حالة طلاق) كانت تخفي الأسباب الحقيقية للطلاق وتتظاهر بأسباب أخرى من باب الستر، واحترام خصوصية الزوجين.
وهو ما يوضح أن الأسباب المعلنة للطلاق ليست هي الأسباب الحقيقية في نسبة كبيرة من حالات الطلاق التي تقع في العديد من مجتمعاتنا العربية.
طرحنا نتائج الدراسة وما تثيره من تساؤلات عديدة على عدد من علماء الإسلام لبيان موقف الإسلام من تجاهل المشاعر العاطفية بين الزوجين.. وفيما يلي خلاصة ما قاله علماء الإسلام وأساتذة الطب النفسي:
التوافق الجنسي يعتبر من أهم أركان الزواج السعيد
في البداية، يؤكد د. محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن التوافق النفسي مهم للغاية لكل شخصين يتعايشان معاً، وهو بالتأكيد أهم وألزم لطرفي العلاقة الزوجية، وبدون هذا التوافق تستحيل العشرة بينهما، ولو بدأت دون توافق حقيقي يصعب استمرارها. ولذلك من المهم أن يجلس الطرفان معاً، ويتحاوران ويتناقشان ويختلفان ويتفقان قبل القرار النهائي بارتباطهما".
ويضيف «التوافق يعني أن يجد كل من الطرفين لنفسه مساحة في نفس ووجدان الطرف الآخر، وأن تشبعه تلك المساحة عاطفياً، ولذلك كان التوافق النفسي والعاطفي في العلاقة الزوجية شيئاً مهماً جداً، لأن هناك حاجات نفسية ووجدانية لا يمكن أن تلبى إلا من خلال هذه العلاقة، ومنها الإشباع العاطفي والجنسي، وتستطيع أن تلمح علامات التوافق على زوجين محبين بسهولة، فترى علامات الراحة والشبع بادية عليهما في صورة نضرة في الوجه، وراحة تبدو في الملامح، وإحساس بالأمان والبهجة، ونجاح في البيت والعمل والحياة».
ويشدد د. محمد المهدي على أن التوافق الجنسي يعتبر من أهم أركان الزواج السعيد، فالنجاح في العلاقة الجنسية يعتبر «ترمومتر» للعلاقة الزوجية الناجحة، لأنه يعكس النجاح في علاقات أخرى مثل العلاقة العاطفية، والعلاقة الاجتماعية، والتوافق العقلي والثقافي، والرضا المادي.والتوافق الجنسي قد يحدث مع بداية الزواج، وقد يتأخر بعض الوقت لعدة شهور وأحياناً سنوات، وهو يعني الانسجام بين احتياجات الطرفين، وقدرة كل منها على تلبية احتياجات الآخر وإشباعها في صورة طيبة، فهما متوافقان في معدل الممارسة، ومتوافقان في زمن الممارسة، ومتوافقان في طقوسها، وراضيان بكل ذلك، أما إذا كان هناك اختلاف شديد في ذلك كأن يكون لدى أحد الطرفين شراهة ولدى الطرف الآخر عزوفاً أو بروداً فإن ذلك يتسبب في مشكلات كثيرة حيث تؤثر هذه التناقضات في الاحتياجات على العلاقة الزوجية برمتها.
وقد يأتي عدم التوافق نتيجة لاختلاف الطباع الشخصية، كأن تكون المرأة قوية ومسترجلة، والرجل ضعيفاً وسلبياً، وفي هذا الوضع المقلوب يستحيل التوافق الجنسي أو العاطفي، ومع هذا يمكن أن يستمرا في علاقتهما الزوجية نظراً لاعتبارات أخرى، وهذا الوضع نسميه (سوء التوافق المحسوب )، فعلى الرغم من تلك المشاكل بينهما إلا أن هناك أشياء تجمعهما، قد تكون احتياجات مادية أو اجتماعية أو غيرها.
وقد يكون عدم التوافق نتيجة إصابة الزوج بالضعف الجنسي (العنة) أو إصابة الزوجة بالبرود الجنسي، وهذه اضطرابات تحتاج للمساعدة العلاجية، ولكن المشكلة في مجتمعاتنا العربية أن كثيراً من الناس يخجلون من عرض هذه المشكلات على متخصصين، وتظل المشكلة تستفحل وتفرز مشكلات أخرى حتى يصل الطرفان إلى الطلاق".
تتعمق مشاعر الجفاء بين الزوجين عندما لا يلتزمان بتعاليم وآداب الإسلام في التعامل عموماً وفي العلاقات الحميمة على وجه الخصوص
العالم الأزهري د. حسن الصغير، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر والأمين العام لهيئة كبار العلماء، يؤكد أن كل توجيهات الإسلام فيما يتعلق بالعلاقة بين الزوجين، تقودهما إلى التوافق والترابط والسكن النفسي والعاطفي والأسري والاجتماعي، فلا استقرار لعلاقة زوجية دون وجود توافق وتكافؤ بين الطرفين.
ويضيف «تحدث المشكلات والأزمات بين الزوجين عندما نتجاهل تعاليم الإسلام وآدابه في الزواج منذ البداية، ولا يتم هذا الزواج وفق معايير شرعية وفي ظل الآداب الإسلامية، ويحدث الطلاق- وهو أبغض الحلال عند الله- عندما يترك الزوجان الخلافات ومظاهر التنافر بينهما تتعاظم دون وجود تدخل جاد وشرعي لحلها، وتتعمق مشاعر الجفاء بين الزوجين عندما لا يلتزمان بتعاليم وآداب الإسلام في التعامل عموماً وفي العلاقات الحميمة على وجه الخصوص، وهكذا تفشل العلاقة الزوجية في ظل إهمال وتعالي أحد الزوجين على الآخر وإهمال مشاعره.
ويؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر أن الإسلام حث على التعارف بين الزوجين من خلال لقاءات منضبطة بضوابط الشرع، تتيح للطرفين أن يتعرفا تعرفاً حقيقياً على بعضهما البعض، ومن خلال هذه اللقاءات في فترة الخطبة يقيس كل منهما درجة مشاعره وأحاسيسه تجاه الآخر. أيضا لغة الخطاب الراقي بين الطرفين والتوافق النفسي تظهر مؤشراتهما منذ البداية، حتى ولو تجمل كل منهما، فالطبع يغلب التطبع، والشخص الذي يتجمل لن يستطيع أن يخفي مشاعره الحقيقية، فالكلمات الطيبة والعبارات الرقيقة العفيفة، هي شعار الطرفين في هذه المرحلة، والحفاظ عليها بعد الارتباط هو الذي يجلب السعادة بين الزوجين، فالزوجة مثلاً لن تجد نفسها مع شخص يهينها ويهدر حقوقها ولا يحترم مشاعرها، والزوج أيضاً لن يشعر بالراحة النفسية مع زوجة متمردة لا تطيعه ولا تحترم قوامته على الأسرة.
ويوضح د. الصغير أن الإشباع العاطفي حق لكل من الزوجين، وعلى كل طرف منهما أن يسعى جاهداً لإشباع شريك حياته، فلكل منهما الحق في الإعفاف والاستمتاع بالآخر، في أي وقت يشاء إلا إذا كانت هناك أعذار شرعية تمنع ذلك كالحيض أو النفاس أو الإحرام بالحج أو المرض الشديد، أو غير ذلك من الأسباب المعتبرة شرعاً. لكن إذا تجاهل الزوج أو الزوجة هذا الحق المشترك بينهما، وتعسف أحدهما في الهجر دون مبررات شرعية، فهذا هو بداية مرحلة تخريب العلاقة الزوجية، ولذلك حرم الإسلام هذا التعسف ونهى عنه، وجعل هجر الزوج لفراش زوجته في حالة واحدة فقط، وهي نشوز الزوجة وعدم استجابتها لنصائح الزوج وتوجيهاته.
ويواصل القول «التوافق بين الزوجين في فراش الزوجية أمر حث عليه الإسلام، ولذلك يقول الحق سبحانه: «نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم»، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «هلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك»، وهذا الحق لا يقتصر على الزوج، بل الزوجة أيضاً من حقها الإعفاف، وإن كان حياؤها يمنعها عن المطالبة به بطريق مباشر في أغلب الأحيان، فهي كالرجل مخلوق بشري لديها الغريزة الطبيعية، وتحتاج إلى زوج يؤنسها ويشبعها، لذلك جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الأعمال التي يثيب الله عليها فقال «وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»».
حقوق الفراش لا تنتزع بالقوة ويجب أن تكون الزوجة مهيأة نفسيا وصحيا
د. صبري عبد الرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يؤكد موضوعية نتائج هذه الدراسة، فالزواج هو الوسيلة المشروعة للإعفاف بين الطرفين، وإذا لم تعف الزوجة زوجها أو يعف الزوج زوجته، أصبحت حياتهما مضطربة وغير مستقرة وتلكأ كل منهما للآخر على بعض تصرفاته وطلب الانفصال، والواقع أن طلب الطلاق هنا ليس بسبب هذا التصرف، ولكن بسبب إهمال هذا الطرف لواجباته في فراش الزوجية.
ومن واقع خبراته الطويلة في حل المشكلات والخلافات الزوجية، يؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر أن استقرار الجانب النفسي والعاطفي بين الزوجين يؤدى حتماً إلى استقرار حياتهما بوجه عام، ويبين «الزوج المحب لزوجته يتسامح معها في أي خطأ أو تجاوز طالما تلبي رغباته المشروعة في الفراش، وكذلك الزوجة كثيراً ما تتسامح مع زوجها إذا ما كان محباً لها يفي بحقوقها ويعيش حياة مستقرة معها».
ويشدد د.عبد الرؤوف على أن حقوق الفراش لا تنتزع بالقوة وخاصة من جانب الزوج، ويؤكد أن الرجال الذين يفعلون ذلك مخطئون ومخالفون لتعاليم وآداب الإسلام، فالعلاقة الحميمة بين الزوجين لا تحقق هدفها إلا إذا قامت على رغبة متبادلة بين الطرفين، وكل زوج مطالب بتقدير الحالة النفسية والصحية للزوجة حال طلبه لها، فيجب أن تكون الزوجة مهيأة نفسيا وصحيا، وينبغي على الزوج أن يهيئ زوجته نفسيا بالكلمات الحانية والمشاعر الرقيقة، أما المباشرة بالغصب والإكراه فهذا أمر غير مقبول من الناحية الشرعية، لأنه يتنافى مع حياة المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف التي حثت عليها شريعة الإسلام.
ويثمن أستاذ الشريعة الإسلامية ما أشارت إليه الدراسة من إخفاء الأسباب الحقيقية للطلاق إذا ما كان الدافع إليه هو عدم القدرة على الوفاء بحقوق الفراش، ويقول «الستر بين الزوجين واجب سواء حال قيام الزوجية أو عند الفراق، وهذه خاصية المجتمعات العربية المحافظة وهذا ما يوجهنا إليه ديننا الحنيف».