19 أغسطس 2021

الأزهر: الاحتفال بالطلاق سلوك مرفوض دينياً واجتماعياً

محرر متعاون

الأزهر: الاحتفال بالطلاق سلوك مرفوض دينياً واجتماعياً

رفض علماء الإسلام احتفال بعض النساء والرجال بالطلاق، وأكدوا كراهية هذا السلوك الذي شاع خاصة في أوساط النساء في عدد من البلدان العربية، وأوضحوا أن الطلاق أبغض الحلال عند الله، ولا يجوز الاحتفال به حتى ولو كانت الزوجة تعاني عنت وظلم وقسوة زوجها. وشدد العلماء على ضرورة الالتزام بالقيم والأخلاق الإسلامية في العلاقة بين الزوجين خلال استمرار العلاقة الزوجية، وتجنب كل مظاهر الكيد والتشهير بالآخر بعد انتهاء هذه العلاقة، وطالبوا النساء تحديداً بالوقوف عند القيم والأخلاق الإسلامية بعد الطلاق، وعدم البوح بأسبابه، حماية لسمعة وصورة الطرفين في عيون الآخرين، فالرجل قد يجد حياته بعد الطلاق مع زوجة أخرى، والزوجة كذلك قد تكون بعد شهور في عصمة رجل آخر، وحماية ما كان بينهما من مشاعر ود أو نفور من المتطفلين، يساعدهما على استئناف حياتهما في هدوء واستقرار.

عرضت «كل الأسرة» ظاهرة الاحتفال بالطلاق على عدد من كبار العلماء.. فكيف نظروا إليها؟ وماذا قدموا من نصائح وتوجيهات للرجال والنساء بعد انتهاء العلاقات الزوجية بالطلاق؟

السلوك العدواني من الأزواج هو الذي يدفع نساءهم إلى الاحتفال بطلاقهن، فكل فعل له رد فعل

يقول د. محمد نبيل السمالوطي، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة الأزهر «للأسف، الاحتفال بالطلاق سلوك غريب على مجتمعاتنا، وهو سلوك وافد عليها لا يتفق مع عاداتها وتقاليدها، ولا مع تعاليم وتوجيهات ديننا، فالطلاق، حتى ولو كانت الزوجة تعاني في حياتها الزوجية، أمر لا يستدعي الاحتفال، ولو كان فيه الخير للمرأة والحرية لها من حياة صعبة تعيشها مع زوج مسيء، أو لا يقدر مشاعرها، ولا يفي بحقوقها، فعليها أن تحمد الله وتشكره على هذا الخلاص من دون أن تظهر بهجتها بهذا الطلاق، لأن ذلك هو كيد للزوج وأسرته، ولو فعلت الزوجة المطلقة ذلك، وحاولت الكيد لزوجها، فقد تدفعه إلى الحديث عن خصالها غير المرغوبة، وعن سوء عشرتها، وبذلك يتواصل الكيد بين الرجل والمرأة بعد الطلاق، وهو تشهير مرفوض شرعاً وعرفاً وأخلاقاً، وكان الدافع إليه هو احتفال الزوجة بطلاقها».

لذلك، يطالب أستاذ العلوم الاجتماعية بالأزهر، الأسر بضرورة كبح سلوك أولادها، وخاصة النساء والوقوف في طريق حفلات الطلاق، وإدانتها لصرف النساء المطلقات عنها، تجنباً لسلوك انتقامي من الزوج وأسرته، ويشدد على أهمية أن يستمر الود بين الأسرتين، وخاصة لو كان بين الرجل ومطلقته أطفال، لأن هذا العناء يؤثر في مستقبل الأطفال، وتربيتهم وحياتهم بعد ذلك.

وهنا يقدم د. السمالوطي نصيحة للأزواج وهي عدم القسوة في التعامل مع الزوجة التي تطلب الطلاق، والتعامل معها بود ورحمة، ومحاولة علاج أسباب نفور الزوجة منه، «السلوك العدواني من الأزواج هو الذي يدفع نساءهم إلى الاحتفال بطلاقهن، فكل فعل له رد فعل، ولا يجوز لا شرعاً ولا عرفاً إصرار زوج على الاحتفاظ بزوجة لا تريد الحياة معه، فالعلاقة الزوجية من المستحيل أن تستمر وتؤتي ثمارها بالإكراه، وما تشهده بعض مجتمعاتنا العربية من جرائم عنف بين الأزواج والزوجات ناتج عن الإصرار من جانب الرجال على الكيد لنسائهم وعدم الاستجابة لمطالبهن بالانفصال».

الأزهر: الاحتفال بالطلاق سلوك مرفوض دينياً واجتماعياً

الطلاق له تداعيات كثيرة، وتدفع ضريبته المرأة وأولادها أكثر من الرجل، ولذلك لا ينبغي أن تفكر فيه المرأة إلا عند وجود ما يستدعيه

العالم الأزهري د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، يؤكد كراهية الاحتفال بالطلاق شرعاً، ويصف هذا السلوك بـ«الشاذ والغريب» على البيئة العربية والإسلامية، ويجب أن يواجه دينياً واجتماعياً، موضحاً «الدافع الأول لهذا السلوك الشائع في أوساط بعض النساء هو الكيد للزوج وأسرته، وهذا الأمر مرفوض ومدان شرعاً، فقد كان بين الزوجين في فترة ما «مودة ورحمة» خلال علاقتهما الزوجية، ولا ينبغي أن تتحول هذه المودة إلى كراهية ورغبة جامحة في الانتقام، وتشويه الصورة والسمعة، في البيئة التي يعيش فيها الزوجان».

ويوضح د. واصل أن الإسلام جعل الطلاق حلاً لعلاقة زوجية عصية على الاستمرار، فالطلاق مباح إن توافرت الدواعي إليه، فقد يكون الاختيار خطأ من البداية، وتستحيل الحياة بين الزوجين، ويكون البقاء شراً لهما، وهنا يكون الطلاق هو الحل وقتها، وهو من الطلاق الذي شرعه الله تعالى وفق منهجه، حيث يقول الحق سبحانه «وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا».

لذلك يشدد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر على ضرورة أن تستمر نظرة كل من الرجل والمرأة للطلاق على أنه «أبغض الحلال» ولا ينبغي اللجوء إليه إلا عند الضرورة، وهذه الضرورة حددها الشرع وبيّنها العلماء، فالطلاق له تداعيات كثيرة، وتدفع ضريبته المرأة وأولادها أكثر من الرجل، ولذلك لا ينبغي أن تفكر فيه المرأة إلا عند وجود ما يستدعيه، وأن تُحكم كل امرأة تفكر في الطلاق عقلها وليس مشاعرها فقط، فالمرأة سريعة الغضب، وقد يدفعها سلوك يغضبها من زوجها إلى طلب الطلاق، لكن عندما تهدأ وتفكر بموضوعية، ويعود لها رشدها الغائب عنها وقت الغضب أو الانفعال تجدها حريصة على بيتها وزوجها، ولا تطلب الطلاق.

ويرى د. واصل أن بعض حالات الاحتفال بالطلاق تكشف عن معاناة حقيقية من جانب المرأة، فبعد الطلاق من زوجها الذي أساء إليها تخرج مشاعرها المكبوتة، ويدفعها الاضطهاد الذي عانته إلى هذا السلوك، وهنا نقدم نصيحة لكل من الرجل والمرأة.. فنصيحتنا للرجل أن يكون عادلاً ومنصفاً ورحيماً في التعامل مع زوجته، وخاصة وقت الخلاف، فلا يظلمها، وقد يؤدي عدله ورحمته إلى أن تعيد الزوجة حساباتها، وتراجع نفسها، وتكف عن طلب الطلاق، لأنها وجدت منه الرحمة والعفو والمودة والشهامة التي تتطلع لها كل امرأة في زوجها.

أما المرأة فنصيحتنا لها أن تتحلى بالحكمة، وعدم التهور عندما ترى في سلوك زوجها ما يغضبها، وأن تتحاور مع زوجها من دون عناد أو إساءة أو استهانة بمشاعره، أو تقليل من قدره، حتى لا يقابل عنادها بعناد وقسوة وعنف.

الاحتفال بالطلاق فكرة دخيلة على مجتمعاتنا العربية، فالعلاقة بين الزوجين تبدأ وتستمر في إطار من توجيه الخالق سبحانه

الأستاذة والداعية الأزهرية د. آمنة نصير، أستاذة الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، تؤكد ضرورة الوقوف عند آداب الإسلام في التعامل بين الزوجين بعد انتهاء علاقتهما الزوجية، وتطالب الزوجة بالعفو والتسامح وطي صفحة الماضي حتى لو كان الزوج قد حول حياتها إلى سجن وجحيم لا يطاق، وتقول «الاحتفال بالطلاق لا يخلو من التشهير بالزوج، وتعاليم ديننا الحنيف ترفض التشهير المتبادل بين الأزواج والزوجات، إذا وصلوا إلى الطلاق سواء أكان بقرار من الزوج، أو لجوء الزوجة إلى الخلع، لأن هذا يتنافى مع ما أمرنا به الإسلام، وحث عليه القرآن الكريم، حيث يقول الحق سبحانه «...وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»، وعلى كل من الزوجين أن يتأملا قول الحق سبحانه «وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ»، فينبغي على الزوجين سواء تم الطلاق قبل الدخول أو بعده، عدم نسيان الفضل بينهما، والتحلي بالخلاف النبيل».

وتضيف «الاحتفال بالطلاق من جانب أحد الزوجين يحمل إساءة وتشهيراً بالطرف الآخر، ولذلك لا ينبغي أن يفكر أحد الزوجين في هذه الاحتفالات، فإن وجد بداخله راحة وسعادة بعد الانفصال حمد الله وشكره على فضله، وإن كانت مشاعره مختلطة بين الفرح والألم، وهذا هو الشعور الأغلب صبر وفوض أمره لله، وكف نفسه عن التعبير عن الفرح والسعادة بالطلاق، فكم من أزواج وزوجات تم الطلاق بينهما وبعد أسابيع أو شهور عادت بينهما المودة وتم استئناف علاقتهما الزوجية، والزوجة التي تبدي سعادة في الانفصال عن زوجها تقطع على نفسها طريق العودة من جديد، بل قد تشعل نار العداء والخصومة بينها وبين زوجها فيفكر في الانتقام منها بالإساءة إليها وهو ما يؤدي إلى تشويه سمعتها وتردد الرجال في الارتباط بها».

وتشدد أستاذ الثقافة الإسلامية بالأزهر على أن الاحتفال بالطلاق فكرة دخيلة على مجتمعاتنا العربية، فالعلاقة بين الزوجين تبدأ وتستمر في إطار من توجيه الخالق سبحانه «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». وتنتهي في إطار من المودة والرحمة «وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ».

لكن، ترى د. آمنة نصير أن تحول الطلاق إلى مناسبة سعيدة أو حزينة في حياة الرجل أو المرأة فهذا شعور إنساني لا يجوز كبته، بشرط ألا يكون وسيلة للتشهير بالآخر أو التطاول والافتئات عليه ظلماً وعدواناً.