كشفت دراسة نفسية أعدها باحثون في جامعة الإسكندرية عن معاناة بعض الشباب المتدين من الجنسين من العزلة، وإهمال مباهج الحياة، وعدم متابعة الأحداث التي يمر بها المجتمع، وقلة التفاعل مع الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم اهتمامهم بملابسهم مقارنة بأقرانهم.
فكيف ينظر علماء الإسلام لسلوك هؤلاء؟ وهل التدين يعني، كما يفهم هؤلاء، العزلة عن الحياة ومقاطعة مظاهر البهجة والسعادة؟
وهل يتعارض «حسن المظهر» مع التدين كما يفهم بعض الشباب؟
فيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به:
الدين في حقيقته وسطية واعتدال، وكل تعاليمه وأحكامه تستهدف مصلحة الإنسان، فلا يأمر الدين بشيء إلا إذا كانت فيه مصلحة، ولا ينهى أو يحذر من شيء إلا إذا كان فيه ضرر
العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، يؤكد أن أطفالنا وشبابنا في أمس الحاجة إلى الثقافة الدينية الرشيدة، والتدين الرشيد لا يشكل خطراً على مجتمعاتنا كما يتوهم البعض، بل هو سلاحنا في مواجهة التطرف، ومواجهة كل صور الانحراف والفساد الأخلاقي التي نعاني منها حالياً في بعض شبابنا، حيث يوفر الدين قدراً كبيراً من الحماية والإنقاذ من كل ما نعاني منه من مفاسد ومساوئ وانحرافات وأمراض نفسية وعضوية، فضلاً عن السلوكيات المنحرفة التي نشكو منها.
ويضيف «شبابنا في أمس الحاجة إلى التدين الصحيح، والتسلح بالمفاهيم الدينية المستنيرة، وليس تلك المفاهيم المتشددة التي تقود إلى العزلة، وأحياناً إلى العنف والتعامل مع الآخرين بقسوة وهذا ما يضاعف من معاناته النفسية، وعلى الجميع أن يدرك أن تعاليم ومبادئ وأخلاقيات الدين الصحيحة تقف في وجه هؤلاء الذين يحاولون دفع شبابنا إلى العنف، فالدين في حقيقته وسطية واعتدال، وكل تعاليمه وأحكامه تستهدف مصلحة الإنسان، فلا يأمر الدين بشيء إلا إذا كانت فيه مصلحة، ولا ينهى أو يحذر من شيء إلا إذا كان فيه ضرر، ولذلك لا خوف على الإنسان من تعاليم الإسلام الصحيحة».
المسلم الحق إنسان مبتهج مقبل على الحياة، لا يعرف العبوس الذي يظهر على بعض المتدينين، ويعتبرونه من علامات التقوى
ويضيف د. أحمد عمر هاشم لقائلاً «علينا أن نقدم لأطفالنا وشبابنا صورة صحيحة عن الدين، فديننا الإسلامي دين بهجة وسعادة، والمسلم الحق إنسان مبتهج مقبل على الحياة، متفائل لا يعرف العبوس والتجهم الذي يظهر على بعض المتدينين، ويعتبرونه من علامات التقوى والورع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوجهنا دائماً إلى طلاقة الوجه فيقول «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»، يعني أن البشاشة في وجوه الناس من علامات المعروف، ومن مظاهر التقرب إلى الله عز وجل.. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام «أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم»، ودعا صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى لبس أحسن الثياب عند الجُمع والأعياد والمناسبات العامة، ولذلك فإن واجب المسلم أن يتجمل بجمال الإسلام في سمته ومظهره، وفي البيئة التي يعيش فيها، وألا يشوه معالم الجمال والبهجة بسلوكيات أو مظاهر سلوك ينفر منها الطبع السليم والذوق الراقي».
ما موقف الإسلام من سلوك بعض الشباب المتدين الذي يهمل مظهره؟
التدين لا يعني إهمال المظهر والتخلي عن قيم النظافة والجمال كما يتوهم بعض المتدينين الذين يهملون ثيابهم ويظهرون في صورة منفرة، فالإسلام دين بهجة وسعادة
سألنا د. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، عن موقف الإسلام من سلوك بعض الشباب المتدين الذي يهمل مظهره، ويزهد في العديد من مظاهر البهجة والجمال.. فأجاب «الإسلام دين حياة، لا يفرض حياة كئيبة على أتباعه، ولا يحرم المسلم من الاستمتاع بالطيبات والمباحات وهي كثيرة ومتنوعة».
ويواصل «التدين لا يعني إهمال المظهر والتخلي عن قيم النظافة والجمال كما يتوهم بعض المتدينين الذين يهملون ثيابهم ويظهرون في صورة منفرة لا تجسد تعاليم الإسلام وقيمه وآدابه، فالإسلام دين بهجة وسعادة، وهو يقود الإنسان إلى حياة كلها بهجة وتفاؤل، ويدفعه إلى مزيد من العمل والإنتاج للارتقاء بحياته، وهذا الدين العظيم بريء من هؤلاء الكسالى الذين يعيشون عالة على الآخرين، ولا يهتمون بمظهرهم، ويفهمون الزهد في الدنيا فهماً خاطئاً، ويجسدون صورة منفرة لديننا».
لذلك يصف د. مختار جمعة تدين هؤلاء الشباب المنعزلين عن الحياة بأنه «تدين مشوش» ويقول «هؤلاء ليسوا متدينين، بل هم أدعياء تدين، لأن الإسلام الذي نفخر بالانتماء إليه دين جمال وأناقة، ولا يقر شكلا أو سلوكا يحتوي على القبح، بل هو يحث المسلم دائما على أن يكون نظيف الشكل، رقيق المشاعر، لطيف التعامل، قادراً على كسب ود الآخرين والتواصل معهم».
الإسلام يأمر المسلم بالحرص على الجمال والاستمتاع به، ومن هنا لا يجوز لمسلم أن يهمل شكله، ويظهر في صورة منفرة للآخرين
ويضيف «الإسلام لا يطلب من المسلم أن يهتم بجمال شكله وحسن هندامه فحسب، بل يدعوه إلى تذوق كل صور الجمال في الكون المحيط به، ولنا أن نتأمل قول الحق سبحانه: «والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون»، وهو سبحانه وتعالى القائل: «وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة...»، ويقول سبحانه: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. والى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت»، ويقول سبحانه في شأن السماء: «وزينا السماء الدنيا بمصابيح»، ويقول أيضا: «وزيناها للناظرين.
كل هذه النصوص القرآنية تؤكد أن الإسلام يأمر المسلم بالحرص على الجمال والاستمتاع به، ومن هنا لا يجوز لمسلم أن يهمل شكله، ويظهر في صورة منفرة للآخرين، والقرآن أمرنا أن نتجمل أحسن تجمل، وأن نأخذ زينتنا عند كل مسجد، فقال سبحانه:«يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين. قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون». ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا أيضاً على التجمل والاستمتاع بالجمال، ولذلك قال «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، وعندما سأله رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، رد عليه صلى الله عليه وسلم قائلاً «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس».