د. علي جمعة: شبابنا وأطفالنا في أمس الحاجة إلى ثقافة دينية تحميهم من التطرف
حذر عدد من كبار علماء الإسلام من تسرب الأفكار المتطرفة إلى داخل الأسر العربية من خلال صفحات التشدد الديني ومواقع التواصل الاجتماعي التي يختلط فيها الحابل بالنابل، ويستخدمها المتطرفون كأداة رئيسة لنشر أفكارهم المتطرفة، والجنوح بأفراد الأسرة وخاصة النساء إلى مفاهيم دينية مغلوطة، وثقافة دينية مغشوشة بعيدة عن تعاليم الدين الصحيحة، وما فيها من عفو ورحمة تحمي الجميع من الانحرافات الفكرية والسلوكية التي نشكو منها الآن في سلوكيات بعض أبنائنا.
فيما يلي خلاصة ما قاله العالم الأزهري د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق ونصح به لحماية أفراد الأسرة من الأفكار والمفاهيم الدينية المغلوطة:
يجب توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لنشر تعاليم الدين الصحيحة بين أفراد الأسرة،
في البداية يؤكد العالم الأزهري د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، أن شبابنا وأطفالنا في أمس الحاجة إلى ثقافة دينية صحيحة تحميهم من التطرف، ومن هنا يجب ألا تتوقف حملات التوعية الدينية من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ويجب توظيف مواقع التواصل الاجتماعي من خلال المؤسسات الدينية، التي تنشر الدين الوسطي، لنشر تعاليم الدين الصحيحة بين أفراد الأسرة، وحمايتهم جميعاً من الفكر المتطرف الذي يطاردهم من خلال أدوات التواصل الحديثة.
ويضيف «فارق كبير بين تعاليم الدين وأحكامه الصحيحة والأفكار المتطرفة التي يروج لها دعاة التطرف والانحراف الفكري عبر كل الوسائل الحديثة، ومن هنا فواجبنا العمل على تسليح كل أفراد الأسرة وخاصة الشباب والأطفال الصغار بالقيم الإسلامية، لمواجهة مظاهر الانحراف الفكري والسلوكي سواء أكان من خلال التطرف في الدين، أو التطرف عن الدين، وعلينا أن ندرك أن بعض الشباب غابت عنه القيم التربوية والأخلاقية الإسلامية التي تحميه من كل مظاهر الانفلات السلوكي، وتحافظ على عقله وصحته، وتوظف طاقاته لصالح وطنه».
يجب أن يتعاون المسؤولون عن التربية والتعليم والثقافة والإعلام على توفير البيئة الملائمة لاستعادة القيم الأخلاقية
ويؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن الأسرة العربية في أمس الحاجة لتعزيز منظومة القيم والأخلاق، بعد أن تلاشت في نفوس بعض الشباب، وحذر من التهوين من شأن ما نراه في سلوك بعض شبابنا الآن من تعصب وتطرف وانحراف فكري وسلوكي واستحلال لما حرمه الله، «يجب أن نعترف بأن السنوات الأخيرة قد شهدت تراجعاً وتآكلاً للقيم الإسلامية بصورة مقلقة، نظراً لما تتعرض له مجتمعاتنا العربية من تغيرات اجتماعية وثقافية أثرت تأثيراً مباشراً في منظومة القيم والأخلاق الفاضلة التي أرساها الإسلام، وانعكس ذلك سلباً على تمسك بعض الشباب بالقيم والأخلاق الحامية له وللمجتمع كله، والحاكمة لكل سلوك راق أرساه الإسلام، حيث انطمست الثقافة الشرعية من عقول قطاع من شبابنا، حتى أصبح لا يعلم عنها شيئاً، وأصبح بعض الآباء والأبناء يعيشون في جزر معزولة، ولا يعرفون كثيراً مما يشغل أذهان أبنائهم، ولا سبيل لعلاج هذه الأزمة المستحكمة إلا بعودة الوعي بالقيم الإسلامية، وفي مقدمتها القيم الإنسانية التي تشعر الإنسان بإنسانيته وتوضح له عظمة دينه».
ويشدد مفتي مصر السابق على أن الجيل الجديد من أبنائنا يحتاج إلى حماية خاصة لا تستخدم فيها أساليب عنف وقهر ومصادرة لرغباتهم، ولكنها حماية فكرية وسلوكية نعتمد فيها على قيم الإسلام وأخلاقياته والتي تمثل أهم أدوات حمايته من كل تطرف أو انحدار أخلاقي.
ويبين «أطفال الأمة وشبابها بخير طالما بذلنا الجهد المطلوب للحفاظ على وعيه الثقافي، ونبهناه إلى المخاطر التي تحيط به، وسعينا إلى استعادته للقيم والأخلاق الإسلامية. وهنا يجب أن يتعاون المسؤولون عن التربية والتعليم والثقافة والإعلام على توفير البيئة الملائمة لاستعادة القيم الأخلاقية التي توفر قدراً كبيراً من الحماية والتوجيه الصحيح».
يجب أن نواجه ما نراه في سلوك أبنائنا من أنانية ونرجسية وحب الذات على حساب الآخرين. فالإسلام علمنا كل ما هو راق ومتحضر من السلوك
ويشدد د. جمعة على أن السلوكيات الخطأ والقيم المادية النفعية التي سيطرت على سلوك ومشاعر بعض الناس وخاصة الشباب، لها تأثير في القيم الدينية، فنحن نرى في سلوك أبنائنا كثيراً من السلوكيات الغريبة البعيدة عن الدين، نرى شباباً لا تشغلهم إلا مصالحهم ومكاسبهم الشخصية واهتماماتهم الفردية، وأصبح شعار البعض «أنا ومن بعدي الطوفان» ضاربين بالقيم الإسلامية في الرحمة والتسامح والتكافل والإيثار والوفاء والإخلاص عرض الحائط.
ويضيف «في ظل سيطرة هذه الخصال السيئة على نفوس بعض شبابنا تلاشت عندهم كثير من القيم والأخلاقيات الإسلامية والعربية التي تميز بها الإنسان العربي المسلم، وشكلت أهم ملامح شخصيته التي كانت محل فخر واعتزاز دائما. ولذلك يجب أن نواجه ما نراه في سلوك أبنائنا من أنانية ونرجسية وحب الذات على حساب الآخرين. فالإسلام علمنا كل ما هو راق ومتحضر من السلوك، وأهم القيم التي تعلمناها من ديننا هي قيمة «الاحترام» الاحترام للنفس، والاحترام للغير، والاحترام للعالم من حولنا.. فضلاً عن قيم الإيثار، والتعاون، والتواضع، والمسؤولية، والاتحاد، والتضامن، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف.. لذلك تميز الإنسان العربي بالرقي السلوكي، وعرف بالشجاعة والتضحية والتفاني في مساعدة الآخرين، والتعامل معهم بكرم، وتقديم حياته فداء لإنقاذ فتاة تتعرض للامتهان في شرفها. لكن المؤسف والمحزن أن كثيراً من هذه القيم النبيلة والأخلاقيات الراقية قد تلاشت من نفوس البعض وحلت مكانها الأنانية، وحب الذات، والبحث عن المصالح الشخصية، والجبن والتراجع عن مساعدة من يحتاج إلى مساعدة».