تشكو بعض الزوجات من تعسف أزواجهن في إدارة شؤون الأسرة، والانفراد بالقرارات الأسرية وتجاهل رأيها، الأمر الذي يخلق مشكلات وأزمات لا تتوقف داخل الأسرة، وقد تعصف باستقرارها وتعرضها للمشكلات. وينعكس هذا الصراع بين الزوجين داخل الأسرة على علاقة الأبناء بآبائهم، ومحاولة كل من الزوجين استقطاب بعض الأبناء لصفه ومناصرة مطالبه.
فهل الإسلام يقر هذه الصراعات بين الزوج وزوجته داخل الأسرة؟
وهل أناط الشرع بالرجل وحده مسؤولية القرارات المصيرية للأسرة ومستقبل الأولاد؟
وهل التحاور بين الزوجين ينتقص من القوامة الشرعية للرجل على أسرته؟
تساؤلات كثيرة طرحتها مناقشات وحوارات عبر برامج الأسرة في الفضائيات العربية، ولا تزال تلك التساؤلات حائرة ولا تجد إجابة وافية توضح موقف الدين من هذا الصراع أو النزاع بين الزوجين.
طرحناها على عدد من علماء الدين، وفيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به الأزواج والزوجات:
قوامة الرجل لا تعني إطلاقاً أن يستبد برأيه، فكل رجل يعرف حقوقه وواجباته الشرعية يستشير زوجته
في البداية، يؤكد د. محمد الضويني، أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل الأزهر، أن الإسلام نظم العلاقة بين الزوجين على أفضل ما يكون التنظيم، وأناط الرجل بواجبات لا يجوز له التخلي عنها، وإلا كان مقصراً، وأحياناً آثماً لو ترتب على هذا التقصير عدم أداء واجبات دينية أو حياتية.
ويضيف «لكن رغم تحديد الإسلام لواجبات كل من الزوج والزوجة داخل الأسرة، إلا أنه حث كلاً منهما على الحوار والتفاهم والتعاون على تحقيق كل ما يخص الأسرة، وهنا ليس من المصلحة العامة للأسرة استبداد الزوج برأيه وفرضه على الأسرة دون التشاور مع الزوجة، ومع الأولاد لو كانوا راشدين ويعرفون أين تكمن مصالحهم».
ويشدد عالم الشريعة الإسلامية الأزهري على أن قوامة الرجل لا تعني إطلاقاً أن يستبد برأيه، وأن يهمل رأي زوجته وأبنائه فيما يتعلق بشؤون الأسرة، فكل رجل يعرف حقوقه وواجباته الشرعية يستشير زوجته، ويحترم رأي أبنائه ويتحاور معهم، ويصل إلى القرار السليم بمشاركتهم، وهو بذلك يربي أولاده على ثقافة دينية وحياتية جيدة، وهي تعليم الجميع وتدريبهم على كيف يتحاورون ويتناقشون، وكيف يحترم كل واحد منهم رأي الآخر.
ويقول «المشكلة التي نعانيها في حياتنا العامة أننا نفتقد إلى الحوار الهادئ العقلاني الذي ينهي خلافاتنا وصراعاتنا، حيث يحاول كل صاحب رأي أو فكر أن يفرض رأيه على الآخرين، لأننا لم نتربَ على الحوار منذ الصغر، وهذه المشكلة موجودة داخل كثير من الأسر، والزوجان يجب أن يكونا قدوة للأبناء في الحوار واحترام آراء الآخرين».
هل الرجل وحده مسؤول عن القرارات المصيرية للأسرة؟
لن تستقيم حياة أسرة دون مشاركة إيجابية من الطرفين، ودون حوار بناء وتفاهم
د. عبدالله النجار، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، يؤكد من جانبه أن الرجل والمرأة شركاء في الرعاية والقرار داخل الأسرة، فتعاليم الدين تلزم الرجل بالتشاور مع زوجته في كل ما يخص الأسرة وخاصة تربية الأطفال، ويوضح «تفريط كل من الزوجين في واجبات الرعاية والتربية أمر يخالف تعاليم الدين، ولن تستقيم حياة أسرة دون مشاركة إيجابية من الطرفين، ودون حوار بناء وتفاهم، وإلا اختلت موازين الأسرة وانعكس ذلك سلباً على الأبناء».
ويوضح د. النجار أن التوجيه النبوي الكريم يحمّل كلا من الرجل والمرأة هذه المسؤولية المشتركة في قوله صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها».. ويقول «إسناد المسؤولية هنا للمرأة ينفي تماما عدم الاعتداد برأيها، وإخلاء مسؤوليتها سواء تم هذا الإقصاء بقرار من الزوج أو رغبة من الزوجة، وعدم القيام بالواجب وإهمال في تحمل مسؤولية شرعية كهذه يستوجب الإثم لمن قام بذلك، ولو همش الرجل زوجته، وأقصاها عن القيام بواجباتها في الرعاية والتوجيه والتقويم فهو مخالف لتعاليم الدين وآثم شرعاً، ولو فعلت الزوجة ذلك من تلقاء نفسها لحقها الإثم أيضاً».
وينبه د. النجار هنا إلى أمر مهم تشير إليه الآية الكريمة: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً).. ويشرح «قد لا يجد الزوج في زوجته ما يلبي رغباته النفسية، ومع ذلك يصبر عليها، لأن لها فوائد أخرى في إدارة شؤون البيت ورعاية الأولاد، وهذا يعني أن للزوجة رسالة واضحة داخل الأسرة يجب أن تقوم بها، وعلى الزوج أن يعينها على أداء هذه الرسالة».
لا يجوز للرجل أن يمنع زوجته من الاستمتاع بحقوقها المشروعة، ولا مصادرة واجباتها بدعوى أن معه «صك القوامة»
ويوضح أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر أن قوامة الرجل على أهل بيته لا تعني في مقصود الإسلام إلغاء دور الزوجة والانفراد بالقرار، ولكنها تعني زيادة الأعباء والتكاليف على الرجل، فهو المسؤول شرعاً عن الإنفاق على الأسرة وعلى حمايتها من المخاطر المادية والمعنوية، وهو المسؤول عن حل مشكلاتها، ولا شك أن كل رجل، وخاصة في ظل هذا العصر الذي كثرت فيه الأعباء، يحتاج إلى جهود زوجته، ومن يصادرون هذا الدور لا ينبغي أن يتستروا خلف شعارات وعناوين شرعية خادعة، فالإسلام يحث كل رجل على احترام عقل زوجته، وإرادتها، والتشاور معها، واحترام رأيها حتى ولو اختلف معه، ولم يعمل به في النهاية.
ويضيف «بعض أدوار الزوجة داخل الأسرة تدخل في نطاق الواجبات، وبعضها يدخل في نطاق الحقوق.. وفي كلتا الحالتين لا يجوز للرجل أن يمنع زوجته من الاستمتاع بحقوقها المشروعة، ولا مصادرة واجباتها بدعوى أن معه «صك القوامة» لأن نسبة كبيرة من الرجال في مجتمعاتنا العربية لا يعرفون المقصود الشرعي للقوامة، ويتصرفون مع زوجاتهم وأولادهم انطلاقا من عادات وتقاليد متوارثة يرفض معظمها الدين».
حقوق المرأة على زوجها
يشدد العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، على أن الزوجة في بيت زوجها ليست كياناً مهملاً، بل هي كيان له دوره في صنع القرار الصحيح داخل الأسرة، سواء كان يخص الزوجين أو يخص الأولاد.
ويضيف «المرأة شريكة الرجل في الحياة الزوجية، والبيت الزوجي يحتاج إلى رأي الطرفين ومشورتهما، فلا يصح أن يستبد الرجل بالرأي في الأسرة بل عليه أن يستشير المرأة ويأخذ رأيها، فإن الشورى حق للمسلمين بصفة عامة حكاماً ومحكومين أفراداً وجماعات رجالاً ونساء أزواجاً وزوجات، والله سبحانه وتعالى يأمر نبيه الخاتم بقوله: «وشاورهم في الأمر» وحسبنا دلالة على أهمية استشارة المرأة وأخذ رأيها ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم «يوم الحديبية»
عندما لم يستجب الصحابة إلى الأمر بالتحلل من الإحرام وتوقفوا عن النحر والحلق، فلما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم من غير فتح، ثم قالت: يا نبي الله اخرج ثم لا تكلم منهم أحداً كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج وفعل ذلك فقاموا وجعل بعضهم يحلق بعضاً».
الوفاء للزوجة حق من حقوقها التي يجب أداؤها لها في حياتها وذلك باستمرار المودة والإخلاص وعدم التنكر لها أو احتقار رأيها
ومما يدل على أهمية استشارة المرأة وأخذ رأيها قول الله تعالى: (فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما). وهكذا يقر الإسلام، كما يقول د.هاشم، مبدأ استشارة المرأة وأخذ رأيها خاصة في الأمور المنزلية وشؤون الأسرة التي لها فيها دراية، ولرأيها وزنه المهم، فهي شريكة الرجل في الحياة الزوجية وفي المسؤولية الأسرية المشتركة.
ومن حقوق المرأة على زوجها، كما يبين عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، الوفاء لها، بأن يظل الرجل على العهد الذي بدأ حياته به مع امرأته، فلا يكون في أول حياته معها محباً ودوداً ومخلصاً حميماً، ثم إذا كبرت أو تغيرت أو مرضت أو نحو ذلك يتنكر لها أو يعاملها معاملة غير كريمة، أو تدفعه أبسط الأسباب إلى طلاقها، أو إذا تغير عمله أو وظيفته أو منصبه إلى أعلى مما كان عليه يحاول أن يغير زوجته، أو أن يطلق الأولى ليتزوج بثانية، فليس هذا من الوفاء الذي يجب أن يتسم به الزوج المسلم مع زوجته، ذلك أن الوفاء للزوجة حق من حقوقها التي يجب أداؤها لها في حياتها وذلك باستمرار المودة والإخلاص وعدم التنكر لها أو تغيير المعاملة معها أو احتقار رأيها.