08 سبتمبر 2022

حصرياً.. الأزهر يحسم الجدل حول أزمة "أجر الرضاعة" ويوضح آراء المذاهب

محرر متعاون

حصرياً.. الأزهر يحسم الجدل حول أزمة

جدل انطلق عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول مدى إلزام الأم بإرضاع أطفالها ومدى استحقاقها الأجرة على ذلك. وللأسف لم يتوقف الجدل والنقاش، حيث خاض فيه منْ يعلم ومنْ لا يعلم.. منْ يدرك التفسير الصحيح للنصوص القرآنية ومنْ تختلط عليه المفاهيم الصحيحة، والنتيجة إشاعة مفاهيم خطأ باسم الدين تهدر أهم حق من حقوق الأطفال.

كانت الناشطة الحقوقية المصرية «نهاد أبو القمصان» قد نشرت على صفحتها الشخصية ما يفيد عدم إلزام الأم شرعاً بإرضاع أطفالها واستحقاقها أجرة على ذلك لو قامت بإرضاعهم.
وبدأ الجدل والخلاف القائم حتى الآن وشارك فيه جمهور الـ«سوشيال ميديا» ما بين ساخط ومتردد ومؤيد..

لذلك رجعت كل الأسرة للعلماء لنضع النقاط على الحروف حول مسألة إرضاع الصغار، وواجب الأبوين في حالة استمرار العلاقة بين الزوجين، أو الانفصال بينهما لينال الطفل هذا الحق كاملاً.

وفيما يلي خلاصة ما قاله علماء الإسلام ونصحوا به:

على الأم أن تؤدي واجب الرضاعة ما دامت قادرة، فهو حق للطفل أجراه الله تعالى في صدرها

في البداية يؤكد العالم الأزهري د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، أن قضية إرضاع الأم لطفلها ورعايتها له يجب أن نتعامل معها بنظرة إنسانية قبل أن نبحث عن حكم شرعي لها، فالرضاع أول وأهم حق من حقوق الطفل بعد مولده، وهو حق فطري غرس الله سبحانه الوفاء به في قلب كل كائن حي، فالأم من كل أجناس المخلوقات تقاتل وتضحي من أجل إرضاع أولادها حتى يشتد عودهم، وقد تتركهم وشأنهم عندما يستطيعون الاعتماد على أنفسهم.

ويضيف «اللبن الذي أجراه الله سبحانه وتعالى في صدر الأم لبن جامع لكل أنواع الغذاء المناسبة لتكوين الطفل، وقد ألهم الله الأطفال وهداهم إلى الإقبال على امتصاص لبن الأم من ثدييها بقدرته وحكمته. ونظراً لأهمية اللبن الطبيعي لكل مولود، نظم سبحانه وتعالى مدة الرضاع لمن أراد إتمامه في قوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ»، لذلك كان لزاماً على الأم أن تؤدي واجب الرضاعة ما دامت قادرة، فهو حق للطفل أجراه الله تعالى في صدرها، وحدد القرآن الكريم مدة الرضاع بحولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ولا يمنع الإسلام الفطام قبل الحولين بشرط أن يكون عن تراضٍ وتشاور بين الأب والأم، وبحيث لا تلحق الطفل أي أضرار نتيجة فطامه».

لذلك يرفض ويدين د. جمعة كل محاولة لتشجيع أم على أن تضن بما رزق الله به أطفالها من لبن طبيعي، وكل أم تفعل ذلك دون عذر صحي فهي جاحدة لأهم حق من حقوق طفلها، وهي بالتأكيد تأثم وترتكب منكراً لو فعلت ذلك متعمدة.

وهنا يجب إبعاد الصغار عن الصراع بين الأزواج والزوجات وخلافاتهم، فحق الطفل في الغذاء الطبيعي الذي خلقه الله لا يتوقف على حالة رضاء الأم عن والد الطفل، فالمرأة هنا تتقي الله أولاً وأخيراً في حق صغيرها.

حصرياً.. الأزهر يحسم الجدل حول أزمة

الزوجة لا تستحق أجرة على الإرضاع، وإنما تستحق المطلقة فقط، كما ذُكر في كتاب الله «...فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍۢ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُۥٓ أُخْرَىٰ»

د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، يتفق مع ما قاله د. جمعة ويؤكد أن إرضاع الطفل واجب إنساني على الأم ولا يجوز لها أن تتخلى عنه إلا لعذر صحي.

ويوضح «الأم التي ترضع صغيرها تقوم بواجب إنساني فطري لا يعوضه مال، وهي تؤدي هذا الواجب الإنساني الفطري تستشعر كامل أمومتها.

ويضيف «حرصاً على حق الطفل في الرضاع، أوجب الإسلام على الأم أن ترضع وليدها ما دامت سليمة ولا يوجد لديها عذر صحي يمنعها من ذلك، فالإرضاع ليس تكرماً من الأم على وليدها، بل هو واجب تفرضه الغريزة البشرية، ويفرضه الدين الذي يحمي حقوق الصغار قبل الكبار، ويفرضه الخلق والطبع السليم، ولذلك تأثم الأم إن أهملت أو قصرت في إرضاع وليدها».

ولكن، هل يحق للأم الامتناع عن إرضاع طفلها لخلاف بينها وبين الزوج أو لتقصيره في الإنفاق عليها؟

يجيب د. شومان «لا توجد أم سوية تمتنع عن إرضاع طفلها لخلافها مع والد الطفل، فهو ابنها كما هو ابنه، ولا دخل للطفل في خلاف أمه مع أبيه، ومصلحة الطفل مقدمة على أية مصالح أخرى لذلك قال الفقهاء إن إرضاع الأم لولدها واجب عليها حال الزوجية، وهو عرف يلزم إذ صار كالشرط. لكن يجوز للأم أن تمتنع عن إرضاع طفلها لو كان بها مرض يمكن أن ينتقل للطفل، أو كان بها مرض يتضاعف بالإرضاع، أو أن تكون من بيوت تتنزه عن إرضاع أطفالها فينزل عرفها منزلة الشرط، ويجب عليها أيضاً إذا لم يوجد غيرها أو وجد ولم يقبله الولد، كما يجب عليها إذا كان الزوج معسراً ليس عنده ما يدفعه أجراً لمرضعة، ومحل الوجوب هنا إذا لم يضرها الإرضاع ولم يضر الولد، بأن لم يكن لها لبن أو كان ولكنه يضره».

حصرياً.. الأزهر يحسم الجدل حول أزمة

وعن أحقية الأم على أجرة على إرضاع طفلها، يقول أستاذ الشريعة الإسلامية والمشرف العام على مراكز ولجان الفتوى بالأزهر «الزوجة لا تستحق أجرة على الإرضاع، وإنما تستحق المطلقة فقط، والدليل على ذلك موجود في كتاب الله عز وجل: «...فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍۢ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُۥٓ أُخْرَىٰ»، وهنا قال بعض الفقهاء: ليس إرضاع الطفل محتماً على الأم المطلقة بالذات بل يجب على الوالد أن يدبر أمره بإحضار مرضعة له، أو بإرضاعه صناعياً، أو قيام الأم بذلك في مقابل أجره إن تمسكت بها.. لكن مهما كانت أسانيد هؤلاء الفقهاء ودوافعهم فإن حق الطفل في الرضاع حق ثابت ومقرر، ولا ينبغي إطلاقاً أن يكون خلاف الوالدين على الرضاعة ونفقاتها على حساب مصلحة الطفل، وإذا حدث خلاف انتهى بالانفصال بين الزوجين فحق الطفل في الرضاعة محفوظ، إما من أمه وإما من مرضعة أخرى يقدم لها من العناية والأجر ما يدفعها إلى رعاية الطفل والحفاظ عليه وتقديم التغذية اللازمة له».

ويشدد د. شومان على أن نتأمل تشريعات الإسلام وأحكامه المتعلقة بأداء فرائض وواجبات دينية يمكن أن تعفى منها الأم حرصاً على مصلحة أولادها، فالأم الحامل التي لا تقوى على أعباء الحمل الجسدية يجوز لها شرعاً أن تفطر في نهار رمضان، والأم المرضعة كذلك أباح الإسلام للأم أن تفطر رمضان إذا كان الجوع يؤدي إلى تقليل لبنها أو اختلاف خواصه، كما يحرص الإسلام على توفير الجو النفسي والصحي للأم لتفيد الرضاعة في نمو المولود وهدوئه، ونظراً لأن المرضع في رعايتها للطفل تلقنه نوعاً من التربية التلقائية بالمحاكاة وغيرها فإن ذلك ينطبع في نفسه، ويستمر معه أمداً طويلاً، لذا يجب أن تكون المرضع على أحسن ما يكون من الوجهة النفسية والصحية والخلقية، وعلى دراية طيبة بأساليب التربية خصوصاً في مرحلة الطفولة وفترة الرضاعة، وقد ورد النهي عن أن تسترضع الحمقى.

حصرياً.. الأزهر يحسم الجدل حول أزمة

الوالد يتحمل مؤونة إرضاع ولده، بأن ينفق على زوجته حال قيام الزوجية ما يساعدها على القيام بهذه المهمة خير قيام، ولو كانت الأم مطلقة فعلى الزوج أيضاً أن ينفق عليها النفقة التي تساعدها على الوفاء بحقوق الطفل، أو يستأجر له مرضعة أخرى غير أمه، وإن كان الأولى أن ترضعه أمه بمقابل

عالم الشريعة الإسلامية د. محمد نبيل غنايم، الأستاذ بجامعة القاهرة، يؤكد من جانبه أن حق الطفل في الإرضاع ثابت شرعاً وعرفاً، ولا يجوز للأم أن تتخلى عن هذا الواجب إلا لعذر.
ويشير «جمهور الفقهاء يؤكد وجوب قيام الأم بإرضاع ولدها أثناء قيام الزوجية، ومع ذلك فقد اختلفوا في استحقاق الزوجة الأجر على إرضاع ولدها، فقال البعض بأن لها ذلك، وقال البعض بأن ليس لها أجر لأنه واجب عليها، وقال آخرون بعدم استحقاقها الأجر، ولكن لها الحق في زيادة النفقة الواجبة لها بمقدار ما يتطلبه الإرضاع، وهذا هو الرأي المتوسط والراجح».

ويضيف «في كل الأحوال وسواء أكانت الزوجية قائمة أو انتهت بالطلاق، فالوالد يتحمل مؤونة إرضاع ولده، بأن ينفق على زوجته حال قيام الزوجية ما يساعدها على القيام بهذه المهمة خير قيام، ولو كانت الأم مطلقة فعلى الزوج أيضاً أن ينفق عليها النفقة التي تساعدها على الوفاء بحقوق الطفل، أو يستأجر له مرضعة أخرى غير أمه، وإن كان الأولى أن ترضعه أمه بمقابل».

"أجر الرضاعة" في المذاهب الفقهية الأربعة

حصرياً.. الأزهر يحسم الجدل حول أزمة

أجر الرضاعة في مذهب الحنفية

ويوضح أستاذ الشريعة الإسلامية أن اختلاف الفقهاء في مسألة أجرة الإرضاع أمر لا يضعنا في حيرة وتردد كما يعتقد البعض، بل يظهر لنا قدر سماحة الشريعة الإسلامية في مسألة إنسانية كهذه ففي مذهب الحنفية لا تستحق الأم أجرة على إرضاع ولدها في حال قيام الزوجية، أو إذا كانت معتدة من طلاق رجعي، سواء اتفقت مع الأب (أي مع أبي الولد وهو زوجها) على إرضاعه بالأجرة أو أرضعته بدون اتفاق، ثم طالبته بالأجرة، وعللوا ذلك بأن إرضاعه واجب عليها ديانة، ولا أجرة على القيام بما هو واجب ديانة.

ويكمل أستاذ الشريعة الإسلامية "أما المعتدة من طلاق بائن، فكذلك لا تستحق أجرة على إرضاع ولدها لبقاء الزوجية في بعض الأحكام، وعلى الرواية الأخرى تستحق أجرة على الإرضاع لزوال الزوجية. أما إذا انقضت عدتها من الفرقة البائنة، فإنها تستحق أجرة الإرضاع لزوال النكاح.

أجر الرضاعة في مذهب المالكية

وفي مذهب المالكية على الأم المتزوجة بأبي الرضيع أو الرجعية -أي المطلقة طلاقاً رجعياً- إرضاع ولدها من ذلك الزوج بلا أجر تأخذه من الأب، إلا لعلو قدر بأن كانت من أشراف الناس الذين شأنهم إرضاع نسائهم أولادهن فلا يلزمها رضاع، فإن أرضعت فلها الأجرة في مال الولد إن كان له مال، وإلا فعلى الأب، والمطلقة طلاقاً بائناً لا يلزمها إرضاع فإن أرضعت فلها الأجرة إلا ألا يقبل الولد غيرها فيلزمها رضاعه للضرورة ولها الأجرة، أو إلا أن يعدم الأب بأن يفتقر أو يموت ولا مال للصبي، فيلزمها إرضاعه، وإذا لزمها استأجرت بمالها من يرضعه إن لم ترضعه بنفسها، ولا رجوع لها على الأب أو الولد إذا أيسر. ويفهم من هذا القول أيضاً أن الأم لا تستحق الأجرة على إرضاع ولدها إلا في الحالات المذكورة، وأنها إذا وجب عليها إرضاع الولد، وعدم الأب لفقره أو موته ولا مال للولد، فعلى الأم أن ترضعه مجانا، فإن لم تستطع إرضاعه فعليها أن تستأجر له من يرضعه من مالها، ولا رجوع لها على الأب ولا على الولد بما دفعته من أجرة إرضاعه.

أجر الرضاعة في مذهب الشافعية

وفي مذهب الشافعية تستحق الأم أجرة الرضاع ولزوجها أن يستأجرها لإرضاع ولده منها في حال قيام النكاح وبعده، وقالوا إن على الأم إرضاع ولدها خاصة عقب الولادة، ولها طلب الأجرة من مال الطفل إن كان له مال، وإلا فمن تلزمه نفقته، وإذا وجدت مرضعة غير الأم جاز للزوج أن يستأجر زوجته لإرضاع ولده منها في حال قيام النكاح وبعده.

أجر الرضاعة في مذهب الحنابلة

أما في مذهب الحنابلة يصح استئجار الزوج لزوجته لإرضاع ولده منها حال قيام النكاح وبعد زواله، وعللوا ذلك بأنه عقد إجارة يجوز من غير الزوج إذا أذن فيه. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن إرضاع الطفل واجب على الأم بشرط أن تكون مع الزوج أي في حال قيام الزوجية، ولا تستحق أجرة المثل زيادة على نفقتها وكسوتها؛ لأن الله تعالى قال: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا» فلم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة بالمعروف، وهو الواجب بالزوجية وما عساه أن يكون من زيادة خاصة للمرتضع ـ الرضيع ـ ما قال تعالى في الحامل «وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ»، فدخلت نفقة الولد في نفقة أمه؛ لأنه يتغذى بها وكذلك المرتضع وتكون النفقة هنا واجبة».

والخلاصة أن هذه الاجتهادات كلها مظهر للسعة والمرونة في شريعة الإسلام، فمن اطمأن لرأي فقهي عمل به دون نزاع بين الأبوين يؤدي إلى إهدار حق الصغير في الرضاعة التي تحفظ له حياته وصحته.