علاقة الناس بنعم الله تختلف من شخص إلى آخر.. فهناك من يغتر بما أنعم الله به عليه ويتعالى به على خلق الله، وهناك من يتعامل مع النعم بسفه ولا يقدرها قدرها ولا يضعها في موضعها الصحيح، وهناك من يكنز هذه النعم ويخفيها عن المحيطين به ويدعي الفقر والحاجة ولا يعطى الفقراء وأصحاب الحاجات حقوقهم فيما أنعم الله عليه به..
فماذا الذي يرشدنا إليه ديننا في التعامل مع ما رزقنا به من نعم وخيرات؟
وما حكم الشرع فيمن يكنز النعم والخيرات ويحرم أهل بيته والمقربين له منها؟
تساؤلات ذهبنا بها إلى عدد من علماء الشريعة الإسلامية.. وفيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به:
الإسلام يضبط سلوك الإنسان تجاه المال
في البداية يعرفنا عالم الشريعة الإسلامية د. سيف قزامل، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون الأسبق بالأزهر الشريف، أن المال هو عصب الحياة، لذلك بينت الشريعة الإسلامية أقوم طريقة للتعامل معه وهي الاعتدال، فلا يكون الإنسان مسرفاً مبذراً، ولا يكون بخيلاً شحيحاً، لقول الله تعالى: «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً».
ويضيف «الإسلام يضبط سلوك الإنسان تجاه المال أو النعم عموماً في كل الأحوال، يضبطه في حالة اليسر، كما يضبطه في حالة العسر، فكل إنسان مطالب شرعاً أن يجمع المال بالطرق الشرعية، وأن ينفقه باعتدال، وأن يكون إنفاقه في المباحات وليس المحرمات، سواء أكان هذا الإنسان ثرياً يمتلك الكثير من الأموال، أو كان من المكافحين الذين يسعون على تحصيل احتياجاتهم بصعوبة، والاعتدال المطلوب شرعاً يختلف من شخص لآخر وفقاً لظروفه المادية. وترشيد السلوك الاقتصادي وفقاً لتعاليم شريعتنا الإسلامية يعني أن يكون الإنسان في إنفاقه وسطاً بين أمرين هما (الإسراف- والتقتير)، ولذلك ليس معنى الاعتدال أو ترشيد الإنفاق أن يحرم الإنسان نفسه أو من يعول مما أحله الله».
واجب الإنسان أن ينفق وفق قدراته المالية، ينفق على نفسه وأهل بيته وكل من يعول، وأن يمارس الاستهلاك ليشبع حاجاته التي أقرتها الشريعة
وعن حكم الشرع في سلوك من يمتلك المال ولا ينفق على نفسه أو أهل بيته، يقول أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر «هذا تقتير يدينه الشرع حتى ولو كان يكتنز المال لأفراد أسرته، فواجب الإنسان أن ينفق وفق قدراته المالية، ينفق على نفسه وأهل بيته وكل من يعول، وأن يمارس الاستهلاك ليشبع حاجاته التي أقرتها الشريعة، ويعتبر عاصياً لتعاليم الدين فالله سبحانه القائل هو: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» ففي هذه الآية الكريمة أمر واضح للإنسان بأخذ زينته، أي لبس الثياب الحسنة، كما يأمره بالأكل والشرب، وهى تمثل أكثر حاجات الإنسان المباحة، وهناك نهي قرآني صريح عن التقتير في قوله تعالى: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً»، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم «اتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم». وهكذا يتضح من النصوص القرآنية أن هناك حدا أدنى من الإنفاق على المباحات، وهو الذي يقوم بالشخص ويفي بحاجاته وحاجات من يعول.
كيف نربي أولادنا عل تقدير نعم الله؟
د. عبد الفتاح إدريس، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يلتقط خيط الحديث، ويؤكد ضرورة تربية أولادنا على احترام وتقدير نعم الله، وأن نغرس في نفوس هؤلاء الأبناء أن أنعم الله تعالى علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى، ويضيف «هذه النعم جميعاً لا تجتمع لأحد، وإنما جرت سنة الله تعالى في خلقه أن يرزق من يشاء بما شاء من نعمه، بحيث يكون راضياً قانعاً بما رزق به، ولا ينبغي للمرء أن ينظر إلى من هو فوقه في النعم، وإنما ينبغي أن ينظر إلى من هو دونه فيها، فإن هذا أجدر ألا يزدري نعمة الله تعالى عليه، فقد جاء في الحديث الصحيح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم»، فإن من نظر إلى من دونه في النعم لم يعد ما رزق به منها قليلاً، ومن نظر إلى من فوقه فيها عد ما رزق به منها قليلاً».
موقف الإسلام من الذين ينكرون النعم
يوضح أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر موقف الإسلام من الذين ينكرون النعم، ويخفونها، «بعض من رزقهم الله تعالى ببعض النعم يكتمها، وقد يظهر من حاله أنه لم يرزقها، ومن هؤلاء بعض من منّ الله تعالى عليهم بنعمة المال، فهم في سعة منه، إلا أنهم يظهرون من أنفسهم وأحوالهم خلاف ذلك، فلا يظهر أحدهم إلا الشكوى من ضيق ذات اليد، وعدم قدرته على الوفاء بحاجاته وحاجات أسرته الأساسية، وإظهار جانب الحاجة والفقر في ملبسه وهيئته وتصرفاته وسلوكه بصورة عملية تكاد تقنع الرائي بصدق ما يظهره وما يدعيه، وهذا نوع من عدم شكر النعمة، وعدم التحدث بما أنعم الله تعالى به عليه، فإن الحق سبحانه إذا أنعم على عبد فإنه يحب أن يظهر أثر هذه النعمة عليه».
ويضيف «ليس بالضرورة أن تكون النعمة مالاً حتى يظهر أثرها على من رزقها، بل قد تكون علماً نافعاً أو نحو ذلك، ولذا فإنه يجب أن يظهر أثرها على من أنعم عليه بها، فقد نقل لنا (عمران بن حصين) رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أنعم الله عز وجل عليه نعمة، فان الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمه على عبده»، وقد نكرت النعمة في الحديث مما يدل على أن هذا التشريع يتعلق بكل ما أنعم الله تعالى به على عباده، ويدل لهذا كذلك ما روي عن زهير بن أبي عقلمه حيث قال «أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل سيء الهيئة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألك مال؟ قال: نعم من كل أنواع المال، فقال له: فلير عليك، فان الله يحب أن يرى أثره على عبده حسنا، ولا يحب البؤس ولا التبؤس»، وعدم حب الله تعالى ذلك في حق من يفتعل التبؤس مع أن الله تعالى قد رزقه بما يرفع عنه هذه الحالة، أما من ابتلاه الله تعالى بالفقر وضيق ذات اليد، فلا حيلة له في إزالة آثار البؤس عن نفسه، إلا بالأخذ بأسباب هذه الإزالة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً».