أقام الإسلام العلاقة بين الزوجين على أساس من الحب والتفاهم والتعاون والتشاور، وتعددت التوجيهات الدينية التي تحث الزوجين على الاحترام المتبادل، واتباع ما يعمق مشاعر الحب، ويضاعف من المودة والألفة بينهما، وتجنب ما يؤدي إلى البغضاء والكراهية، ويكفي هنا قول الحق سبحانه: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، حيث لا يجوز للزوج أن يهين زوجته حتى لو كانت بها خصال لا يحبها، أو تصدر عنها تصرفات لا يرضاها.. كما لا يجوز للزوجة أن تهين زوجها، وتتسلط عليه، وتصادر حقه الشرعي في أن يكون قواماً على الأسرة.
وقد تعددت مؤخراً جرائم العدوان على الزوجات بسبب تسلطهن، وإيذاء أزواجهن بالسب والإهانة، وآخر تلك الجرائم ما شهدته مدينة الإسكندرية المصرية من قتل زوج لزوجته بسبب إهانتها له أمام أسرته.
رجعنا لعلماء الشرع نسألهم عن صورة العلاقة الزوجية التي رسمها الإسلام وتكفل لكل منهما حقوقه والقيام بدوره داخل الأسرة، وحكم الشرع في المرأة المتسلطة:
الاحترام المتبادل بين الزوجين.. أساس العلاقة
في البداية يؤكد د. حسن الصغير، أستاذ الشريعة الإسلامية والأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر، أن «الاحترام المتبادل» هو أساس العلاقة الزوجية، فلا يتسلط طرف على الآخر، ولا يحاول طرف إهدار حقوق الآخر أو سلبه حقاً كفله له الإسلام.
ويضيف «لا يمكن أن تستقر علاقة زوجية بين طرفين يحاول أحدهما إهدار حقوق الآخر، وأول حقوق الزوج على زوجته «احترامه وتقدير رأيه» حتى ولو كان هذا الرأي لا يروق للزوجة، وهنا عليها أن تراجعه وتناقشه بود واحترام حتى يقتنع برأيها ويعدل عن رأيه، فقد منحه الإسلام القوامة على أسرته، وهو المسؤول شرعاً وعرفاً عن أي قرار يخص الأسرة، والإسلام حثه على التشاور مع أفراد أسرته وأولهم الزوجة، ولا يقلل من شأن الرجل داخل بيته أن يتشاور مع زوجته أو أبنائه الكبار.. لكن تظل الكلمة الأخيرة له».
الزواج لأجل الجمال، أو المال، أو الحسب والنسب فقط دون مراعاة الدين يترتب عليه مساوئ كثيرة
ويحمل الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر بعض الرجال مسؤولية ما يعانونه من تسلط نسائهم عليهم، وانفرادهن بالقرار داخل الأسرة، «الزوجة في كل أسرة على ما تعودت عليه، فمادام الزوج قد فرط في حقوقه من البداية وأعطى زوجته حق السطو على صلاحياته داخل الأسرة فلا ينبغي له أن يشكو بعد ذلك.. كما أن بعض الرجال لم يحسنوا اختيار شريكة الحياة من البداية، وصموا آذانهم عن توجيهات الإسلام، وانساقوا وراء مظاهر شكلية أو أطماع دنيوية، وتكون النتيجة عدم استقرار العلاقة الزوجية كما نرى في كثير من شكاوى الأزواج الآن».
ويواصل «الرسول صلوات الله وسلامه عليه عندما حذر من سيطرة قيم مادية ومظاهر شكلية عند اختيار الزوجة، والانحياز لصاحبة الدين والخلق، لم يفعل ذلك لمصادرة حق الرجل في اختيار الزوجة وفق مقاييسه الشخصية، ولكن لأن الزواج لأجل الجمال، أو المال، أو الحسب والنسب فقط دون مراعاة الدين يترتب عليه مساوئ كثيرة في مقدمتها التسلط على الزوج، والتكبر عليه وعدم احترامه، ولذلك رغب في الزواج من المرأة الصالحة المتدينة الجميلة الأمينة، ورسم الصورة المشرفة للزوجة المثالية في المجتمع الإسلامي، فقال: «خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك».
الدين والخلق نعمة كبيرة
ويشدد عالم الشريعة الإسلامية الأزهري على أن الزواج من صاحبة الدين والخلق (نعمة كبيرة) ينبغي أن يحافظ عليها كل زوج، لأنها ستحترمه وتحترم أسرته طوال الوقت، وتعترف بحقوقه، ولا تتسلط عليه في يوم من الأيام، ولكن «تحقق مطلب الدين في الزوجة لا يعني مصادرة باقي الصفات والخصائص التي يتمناها الرجل في زوجته، فلا مانع أن يجتمع مع الدين والخلق المال أو غيره من الجمال والحسب.. أما مراعاة المال وحده دون الدين فهذا ما نهى عنه الإسلام، وحذرت منه الأحاديث الشريفة، وكذلك الحال بالنسبة للحسب أو الجمال.. فلا ينبغي أن يكون المال هدف الشاب الراغب في الزواج».
دستور العلاقة الزوجية.. حقوق وواجبات
ويتفق د. علي عثمان شحاتة، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، مع د. الصغير على أن الزوج هو المسؤول الأول عن تسلط زوجته عليه، ويبين «العلاقة بين الزوجين تقوم على حسن العشرة المتبادل، فلا يجوز للزوج أن يتسلط على زوجته ويهدر حقوقها وهي كثيرة، منها:
- حق النفقة
- حق حسن العشرة
- حق الإعفاف
- حق الستر
- الصبر على أذاها
- تقويم سلوكها بالمعروف وفق توجيهات الإسلام..
وحقوق الزوج على زوجته كثيرة، في مقدمتها:
- حسن العشرة
- احترام قوامته على أسرته، فلا يجوز لزوجة سلب هذا الحق منه حتى ولو كان في النزع الأخير
- احترامه، إذ لا يجوز للزوجة أن تظهر عدم احترامها لزوجها، خاصة أمام الآخرين، وأفراد أسرتها، بل يجب على كل زوجة أن تحترم زوجها في كل الأحوال حتى ولو كانت غاضبة منه، فاحترام الرجل هو الذي يضمن للزوجة حياة مستقرة».
ويذكر د. شحاتة كل زوجين بدستور العلاقة الزوجية، وهو قول الحق سبحانه: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، ويوضح «الهدف من الزواج في الإسلام تحقيق الاستقرار النفسي لكل من الزوجين، وأساس توفير هذا الاستقرار هو احترام الحقوق المتبادلة، وعندما يغيب ذلك تتحول العلاقة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، وهنا تكون المراجعة واجبة من الزوجين ليصحح كل منهما نمط علاقته بالآخر، ويتعامل مع شريك حياته بالأسلوب الراقي والمحترم الذي قرره الخالق لتحقيق استقرار الأسرة».
الزوجة في بيت زوجها ليست خادمة ولا هي مجرد أداة لتفريغ طاقة الزوج
ويضيف «من الواجب على كل من الزوجين أن يتعامل مع شريك حياته برقي، فالزوج يتعامل مع زوجته برقي ويحترم مشاعرها، والزوجة في بيت زوجها ليست خادمة ولا هي مجرد أداة لتفريغ طاقة الزوج الجنسية، بل هي شريكة الرجل في كل القرارات، وكل ما يخص شؤون الأسرة، وإهمال رأي الزوجة هنا يشعرها بالإهانة والإهمال والتهميش من جانب الزوج، وهذا الشعور كفيل بتعكير صفو العلاقة الزوجية، فالمرأة يفسد مزاجها مثل هذه الأمور البسيطة ويجب على الزوج أن يكون حكيماً مدركاً لما يرضي زوجته أو يغضبها».
وفي المقابل ينبغي أن تحترم الزوجة زوجها وتقر بحقوقه، وتطبقها على أرض الواقع، ومن هنا فالزوجة المتسلطة التي تحاول دائماً السيطرة على الزوج وتكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الأسرة، هي (زوجة ناشز) لا تلتزم بتعاليم دينها وتحتاج إلى تقويم فكري وسلوكي».