23 أكتوبر 2023

التهديد المستمر بالطلاق قصداً أو مزحاً.. سلوك محرم شرعاً

محرر متعاون

التهديد المستمر بالطلاق قصداً أو مزحاً.. سلوك محرم شرعاً

التهديد بالطلاق من جانب الزوج أو الزوجة يحدث يومياً داخل آلاف الأسر في عالمنا العربي، وتكثر حوله التساؤلات من جانب الأزواج والزوجات، ورغم تحذير علماء الإسلام من هذا السلوك وعواقبه والحكم بحرمته لما يحمله من ترهيب لشريك الحياة، فهو لا يتوقف وقد تحدث بسببه مشكلات وأزمات وجرائم عنف بين الأزواج والزوجات، كما حدث مؤخراً في مدينة السادس من أكتوبر المصرية التي شهدت جريمة قتل زوجة لزوجها، واعترفت الزوجة أمام جهات التحقيق بأن الدافع لهذه الجريمة النكراء هو تهديد الزوج الدائم لها بالطلاق، والزواج من أخرى، فضاق بها من كثرة تهديده واستهانته فدست له السم في الطعام!!

رجعنا لعلماء الفتوى للوقوف على التوصيف الشرعي للتهديد بالطلاق سواء من جانب الزوج أو الزوجة.. وفيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به:

التهديد المستمر بالطلاق قصداً أو مزحاً.. سلوك محرم شرعاً

الطلاق أبغض الحلال.. لا تستهينوا به

بداية، يؤكد العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن الطلاق أمر خطير للغاية ولا يجوز مجرد التفكير فيه إلا عند وجود ما يستدعيه وتوافر أسبابه.. ويقول «الإسلام يحرم «الطلاق التعسفي» أو حتى مجرد التهديد به، لأنه:

  • «سلوك ظالم» من جانب الزوج، ويؤاخذ عليه شرعاً، سواء أكان برغبته أم بطلب من الزوجة.
  • فيه إضرار بالأسرة وبخاصة الأطفال.
  • لمنافاته أخلاق الإسلام وفلسفة شريعتنا الإسلامية الغراء في الطلاق.
  • إخلاله بما أراده الشرع للزواج من الاستقرار والاستدامة.
  • يهدد الاستقرار النفسي لكل من الزوجين.

ويضيف «يجب على كل من الزوج والزوجة عدم التلفظ بالطلاق، لا على سبيل التهديد، ولا على سبيل المزاح، لأن الطلاق شأنه خطير، وقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ «أبغض الحلال» لما يترتب عليه من خراب بيوت، وتشريد أطفال، ومشكلات نفسية واجتماعية لمعظم المطلقين والمطلقات، وفي ظل عدم الوعي بالتوجيهات الدينية، يحدث الطلاق لأتفه الأسباب».

ليس صحيحاً أن الرجل حر في تطليق زوجته لأي سبب

ويوضح د. هاشم أن الشريعة الإسلامية لم تطلق يد الرجل لكي يتلاعب بالطلاق «كيفما ووقتما يشاء» ويهدد به زوجته في كل وقت «ليس صحيحاً أن الرجل حر في تطليق زوجته لأي سبب، فالطلاق يكون حلاً عندما تستحيل العشرة بين الزوجين، وبعد بذل كافة الجهود لإزالة أسباب الطلاق.

ولخطورة الطلاق الذي يقع بغير ضرورة، ذهب بعض الفقهاء إلى حظره إلا لحاجة، لكي يحمي المجتمع من هذا الكابوس المزعج، حيث يقع الطلاق دون وجود ما يستدعيه، سواء أكان السبب في ذلك الرجل أو المرأة أو أسرتيهما.

والواقع يقول إن الطلاق المتسرع يهدد بالفعل استقرار العديد من مجتمعاتنا العربية بعد أن أشارت تقارير إلى ارتفاع معدلاته في مختلف البلدان، ولذلك أصبح من واجب كل المؤسسات الدينية القيام بواجبها التنويري والتوعوي في التحذير منه وتعريف الناس- رجالاً ونساء- بالضوابط التي جاءت بها شريعتنا الغراء لضبطه بضوابط أخلاقية تمنع ظلم الرجل لزوجته».

التهديد بالطلاق دليل ضعف الثقة بالنفس

من جانبه، يؤكد د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، أن تهديد الرجل زوجته بالطلاق سلوك يتنافى مع حسن الخلق، وليس من شيم الكرام، وهو يدخل في نطاق العنف النفسي ضد الزوجة وهو عنف يدينه الإسلام ويأثم فاعل.

ويضيف «التهديد بالطلاق سلاح الرجال الضعفاء الذين ليس لديهم ثقة في أنفسهم، وهم للأسف يشعرون زوجاتهم بعدم الأمان وكثرة الضغط على الزوجة بالحلف بالطلاق أو التهديد بالطلاق يصبح عندها مناعة ضد الطلاق لأنه سلاح تهابه الزوجة دائماً وتعمل له ألف حساب وكثرة التهديد به يفقده فاعليته».

لا يجوز لها أن تطلب المرأة الطلاق أو تهدد بالمطالبة به دون وجود ما يستدعي ذلك

ويؤكد د. جمعة أن واجب الزوج في كل وقت أن يشعر زوجته بالأمان النفسي، والتهديد الدائم للزوجة بالطلاق قد يدفعها أمام الضغط النفسي الذي تعيشه أن تطلب هي الطلاق ثم يجد الزوج نفسه في مأزق كبير لا يعرف الخروج منه ويحاول ترضية زوجته بكل الوسائل لكي تتخلي عن مطلبها.

ويشدد مفتي مصر السابق على ضرورة دعم جسور الثقة بين الزوج وزوجته لأن العلاقة الزوجية لا يمكن أن تستمر بين زوجين لا يشعر أحدهما بالأمان مع الآخر. ويوضح أن التهديد بالطلاق كما هو مرفوض من الزوج هو مرفوض ومدان أيضاً من جانب الزوجة حيث لا يجوز لها أن تطلب المرأة الطلاق أو تهدد بالمطالبة به دون وجود ما يستدعي ذلك لأن تطليق المرأة بلا أسباب تستدعي ذلك ظلم.

التهديد المستمر بالطلاق قصداً أو مزحاً.. سلوك محرم شرعاً

التهديد بالطلاق.. عنف نفسي

ويشير د. عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إلى أن التهديد بالطلاق حرام، وهو شكل من أشكال العنف النفسي ضد شريك الحياة سواء صدر من الزوج أو الزوجة..

ويوضح «الحفاظ على السلامة النفسية لشريك الحياة أمر مهم للغاية، واستقرار الحالة النفسية لكل من الزوج والزوجة له انعكاساته النفسية على حياة الزوجين، وعلى الأسرة كلها، والتهديد بالطلاق وسيلة للتخويف ليس أكثر وعلى الطرف الذي يستخدم تلك الوسيلة أن يبحث عن وسيلة أخرى لتوثيق علاقته مع شريك حياته».

هناك أزواج لا يتوقفون عن الحلف بالطلاق على زوجاتهم، ويهددوهن دائماً بالطلاق.. لو فعلت كذا فأنت طالق، لو تصرفت هذا التصرف فسوف أطلقك.. وهذا السلوك مرفوض شرعاً، لأنه في النهاية لا يطلق وقد يقع يمينه بالطلاق على زوجته وتفعل الزوجة ما حذرها منه، وفي النهاية يعيش معها في الحرام».

وعن الحكم الشرعي لو هدد رجل زوجته بالطلاق وعلقه على فعل معين، يجيب أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية «تعليق الحلف بالطلاق على شرط كأن يقول الزوج لزوجته: (إذا خرجت من الباب ستكوني طالقاً بالثلاثة) فهو تعليق للطلاق الثلاث بخروجها فيقع الطلاق بخروجها، فتكون الزوجة قد بانت من زوجها بينونة كبرى لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ولا فرق بين أن تكون نيته إيقاع الطلاق أو مجرد التهديد، وهذا هو الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء. وذهب بعض الفقهاء إلى أن الطلاق المعلق إن قصد المتلفظ به الحث أو المنع فهو يمين وعليه الكفارة».

متى تطلب المرأة الطلاق؟

د. محمد رجب، المدير السابق لإدارة الفتوى بوزارة الأوقاف المصرية، يؤكد أن مشكلة التهديد بالطلاق بين الزوجين لا تخص الرجال فقط، بل هناك زوجات لا يدركن قيمة العلاقة الزوجية وما أحاطه الله بها من ضمانات لاستقرارها، فيطلبن الطلاق لأسباب تافهة للغاية، «الحياة الزوجية تحتاج إلى صبر وتحمل والعلاقة الزوجية في بدايتها تتعرض لتحديات حتى تنسجم حياة الزوجين ويتعود كل منهما على طباع الآخر، ولذلك لا يجوز أن يتسرع أحد الزوج بالطلاق كما لا يجوز التهديد به، وأيضاً لا يجوز للزوجة أن تطلب الطلاق لمجرد أن ترى من زوجها ما لا يعجبها.

ينبغي على كل زوجة أن تصبر مادام زوجها لا يظلمها، ولا يقصر في حقوقها الشرعية لعل ما تراه منه من سلوكيات تغضبها قد تزول، وتستمر حياتهما الزوجية، لكن إذا كانت لا تستطيع الاستمرار في حياتها الزوجية فالإسلام أعطى لها حق طلب الطلاق خلعا، وهو طلب مباح شرعاً مادامت هناك حاجة تدعو إليه، لأن الحياة الزوجية لا تؤتي ثمارها الطيبة إلا إذا سادت المودة والرحمة وأدى كل واحد من الزوجين ما عليه من واجبات قبل أن يطالب بحقوقه، فالله عز وجل يقول: «وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته».

وإذا كانت شريعة الإسلام قد أعطت الرجل الحرية في طلاق زوجته إذا كان كارهاً للحياة معها فان شريعة الإسلام قد أعطت المرأة الحرية في أن تطلب مفارقة زوجها متى كانت كارهة للحياة معه في مقابل أن تدفع له ما كانت قد أخذت منه مهراً، أو أن تدفع له ما يتفقان عليه من مال، والخلع يكون بتراضي الزوج والزوجة فإذا لم يتم التراضي بينهما رفعت أمرها إلى القاضي، وعلى القاضي متى اقتنع بوجهة نظر الزوجة أن يلتزم الزوج بالخلع، لان ثابت بين قيس وزوجته رفعا أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهما في مقابل أن ترد الزوجة لزوجها الحديقة التي جعلها مهراً لها، وهذا من عدالة الإسلام في أحكامه التي تعطي الزوج حقه وتعطي الزوجة حقها دون محاباة أو ظلم لأحد.

التفويض بالطلاق ليس سلاحاً

وعن سلوك بعض الزوجات اللاتي أعطاهن أزواجهن تفويضاً بتطليق أنفسهن وتهديدهن الدائم بالطلاق، يبين د. محمد رجب «الزوجة التي تنشد الاستقرار الأسري لا تطلب تفويضاً بالطلاق لأنها قد تتسرع وتطلق نفسها مع أول خلاف، ولا ينبغي أن يكون التفويض بالطلاق سلاحا في يد الزوجة لإرهاب زوجها به طوال الوقت.

فالإسلام أعطى الرجل حق القوامة، لأنه المكلف شرعاً بالإنفاق على زوجته وأولادها منه، وهذه القوامة نص عليها القرآن في قوله تعالى: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله»، وبالتالي فإن هذه القوامة مرتبطة بحق الرجل في الطلاق حتى لو أعطى تفويضاً للمرأة بتطليق نفسها متى شاءت.. وفي كل الأحوال يجب أن تكون الزوجة مطيعة لزوجها، مؤدية لحقوقه».

إقرأ أيضاً: الأزهر يؤكد: الطلاق بلا سبب.. ظلم يرفضه الإسلام