13 مايو 2024

بعد الضجّة التي أحدثتها ممثلة.. علماء المسلمين يؤكدون القواعد الشرعية للزواج بعد الطلاق

محرر متعاون

بعد الضجّة التي أحدثتها ممثلة.. علماء المسلمين يؤكدون القواعد الشرعية للزواج بعد الطلاق

حفِلت برامج رمضان الحوارية مع الممثلين والممثلات بإشكاليات شرعية عدّة، لاسيما بعد اعتراف ممثلة بتكرار الزواج من الشخص نفسه بعد الطلاق منه 11 مرة، من دون أن تتزوج من غيره لتحل له شرعاً! في مخالفات صريحة للأحكام الشرعية، ما أثار جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وصل صداه إلى لجان ومراكز الفتوى بالأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية، حيث قامت بعض المؤسسات الإفتائية ببيان حكم الشرع في قضايا الطلاق، بخاصة ما ورد على لسان هذه الممثلة، وغيرها.

والسؤال المهم هنا هو: كيف نظّم الشرع مسألة الزواج بعد الطلاق من الشخص نفسه؟ وكيف ينظر الشرع لـ«زواج التحليل» المنتشر في الأعمال الفنية والشائع بين بعض الناس؟

احذروا خروج العلاقة عن إطارها الشرعي

البداية مع العالم الأزهري د.عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر، حيث يؤكد أن الشريعة الإسلامية ضبطت علاقة الرجل بالمرأة بعد الطلاق منه، بأحكام شرعية لا يجوز الحياد عنها، أو التحايل عليها، حتى لا تخرج العلاقة بين الطرفين عن إطارها الشرعي الصحيح.

ويضيف «لقد أحاطت شريعتنا الغرّاء العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة بسياج متين يأبى على العابثين اختراقه؛ فالزواج آية من آيات الله وصفه سبحانه في القرآن الكريم بقوله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، والزواج الذي يحقق هذه المعاني الإنسانية الراقية لابد أن يقوم على أسس صحيحة، ووفق رغبة حقيقية بين الطرفين، حتى لا تظل المرأة تتنقل بين أحضان الرجال تحت ستار الزواج، أو يظل الرجل يفعل هذا الأمر تحت ستار شرعي، والشرع بريء من ذلك. لذلك وجّه الشرع الخاطب إلى اختيار المرأة الملتزمة بتعاليم دينها، وقال رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ»، وهو توجيه يتبع فيه النساء الرجال، فعليها بصاحب الدين أيضاً، ومع ذلك فللفتاة، أو المرأة ووليّها خطابهم الخاص: «إِذَا جاءكم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ».

ظروف تكرار الزواج والطلاق

هنا، سألنا د. شومان: ألم يحلل الشرع للرجل أو المرأة تكرار الزواج والطلاق؟ فأجاب «العلاقة بين الزوجين في نظر الإسلام عبادة، ومن دونه تكون العلاقات كبيرة من الكبائر، فالزواج موصوف في شرعنا بـ«الميثاق الغليظ»، وتكرار الزواج والطلاق يكون في ظروف تستدعي ذلك، ولا تحول تلك العلاقة إلى وسيلة للاستمتاع في الفراش فقط، كما يتعامل مع الرجال والنساء مع الزواج، ولذلك لكل من الزواج والطلاق شروطه الحاكمة الضابطة التي لا يجوز التحايل عليها، كما يفعل بعض الرجال والنساء، الآن.

ومن أهم مقومات الزواج، ومقاصده، تحقيق السكن والسكينة والمودّة، ما يعني المعايشة الكاملة بين الزوجين إن كان للزوج زوجة واحدة، وتقسيم الوقت بالعدل بين النساء عند التعدّد، حيث جعله شرعنا شرطاً للتعدّد قبل حصوله، فإن لم يغلب على ظنِّ الرجل القدرة على تحقيق العدل لم يجزْ له أن يتزوج بأخرى، أو أخريات: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة».

بعد الضجّة التي أحدثتها ممثلة.. علماء المسلمين يؤكدون القواعد الشرعية للزواج بعد الطلاق

قواعد وضوابط الزواج بعد الطلاق

من جهته، يبيّن د. فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر «الشريعة الإسلامية وضعت قواعد حاكمة لعلاقة كل من الرجل والمرأة بعد الطلاق، حتى تكون تلك العلاقة في إطارها الصحيح.. فإذا طلّق الرجل زوجته، طلقة أو طلقتين، كان له حق مراجعتها شرعاً، من دون أن تتزوج من رجل آخر.. لكن إذا طلق الزوج زوجته ثلاث تطليقات، فقد بانت منه بينونة كبرى؛ فلا يملك مراجعتها لا في عدتها، ولا بعد انتهائها؛ إلا إذا انقضت عدتها، فتزوجت زوجاً آخر، ودخل بها، ثم طلقها، ثم انتهت عدتها منه، فيحل للزوج الأول نكاحها بعقد ومهر جديدين، وتعود إليه بثلاث طلقات جديدة؛ لقوله سبحانه وتعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» ثم قال سبحانه: «فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود الله، وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون».

هل هناك شروط تحكم عودة المرأة لزوجها الأول؟

يقول د. عثمان «نعم هناك شروط يحصل بها التحليل للزوج الأول، أبرزها:

  1. أن يكون نكاحاً صحيحاً مستوفياً أركان انعقاد عقد الزواج وشروط صحته، فلو كان العقد فاسداً - كالنكاح من دون شهود أو نكاح المتعة- لم يحصل به التحليل، وإن دخل بها؛ لأن النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة، ومطلق النكاح ينصرف إلى ما هو نكاح حقيقة على الراجح من أقوال الفقهاء.
  2. أن يدخل بها الزوج الثاني دخولاً حقيقياً: فلا يكفي مجرد العقد الصحيح من دون الدخول؛ فقد جاءت امرأة رفاعة القرظي للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فأبتّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، إنما معه مثل هدبة الثوب، فقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك».
  3. أن يكون النكاح الثاني بِنيّة استدامة العشرة بينهما، وخالياً من التأقيت والتحليل؛ لأن الأصل في عقد الزواج في الشريعة الإسلامية الديمومة والاستمرار، ويظهر هذا واضحاً من خلال تحريم الإسلام لكل زواج مؤقت، وقد قال الفقهاء إن النكاح المؤقت باطل، سواء قُيّد بمدّة مجهولة، أو معلومة، وهو نكاح المتعة.

بعد الضجّة التي أحدثتها ممثلة.. علماء المسلمين يؤكدون القواعد الشرعية للزواج بعد الطلاق
لقطة من فيلم «زواج تحت الطلب» الذي تناول قضية «المحلل»

حكم زواج التحليل

وما حكم الشرع في زواج التحليل الشائع في الأعمال الفنية والذي يطبقه البعض للخروج من مأزق الطلاق ثلاثاً؟

يوضح د. الفقي «كل زواج يخلو من العلاقة الزوجية الكاملة بين الزوجين وكان بنيّة التحليل هو في واقع الأمر زواج باطل؛ لأنه كان بنية التحليل، ولم يحدث فيه دخول، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بالتيس المستعار»؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له»، كما أنه يشتمل على التأقيت الذي يبطله، فلو تزوج الرجل المرأة على أن يطلقها في وقت بعينه، لم ينعقد النكاح، وبالتالي لا تحل المرأة بهذا الزواج لزوجها الأول؛ لأن ما بُني على باطل فهو باطل».

وهنا يقدم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر نصيحة للمؤلفين المعنيين بالأعمال الفنية، وهي ضرورة الرجوع إلى علماء الفتوى من خلال مؤسساتها الرسمية في النصوص التي تتعلق بأمور شرعية قبل عرضها على الجمهور، واحترام وتقدير ما تفتي به تلك المؤسسات.. ويقول «الأحكام الشرعية ليست مادّة للسّخرية وإضحاك الناس، وكل خروج عن الأحكام الشرعية في الأعمال الفنية ينبغي أن يكون له وقفة جادة».

زواج «المحلّل» باطل

وفي هذا الإطار، تبين د. فاطمة الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، حكم من يطلق زوجته ثلاثاً، ثم يزوجها لرجل آخر «محلل» لكي تحل له بعد طلاقها منه «زواج المرأة بعد طلاقها من زوجها ثلاثاً من رجل آخر بنية التحليل يبطل زواجها، وبالتالي، فإن عودتها لزوجها الأول باطل، لأن ما بُني على باطل فهو باطل».

ولذلك تتعجب الأستاذة الأزهرية من اعتراف ممثلة بالزواج 11 مرة من الرجل نفسه، من دون الزواج من غيره، وتطالبها بالتوبة، والاعتراف بالخطأ «أحكام الشرع في مثل هذه الأمور واضحة ومحسومة، وأمثال هؤلاء الأزواج والزوجات الذين يبحثون عن مبررات شرعية لسلوكاتهم المخالفة للشرع لا يذهبون للِجان الفتوى المعتمدة، ولا لعلماء الأزهر، ولكن يلجأون لأدعياء يبررون لهم سلوكاتهم المخالفة للشرع، وهذا غش وتدليس يجعل العلاقة بين هؤلاء الرجال والنساء علاقات محرّمة، لأنها خارج إطار الزوجية الصحيحة».

وتضيف «يجب على كل من الزوجين احترام أحكام الشرع، وأن تكون علاقتهما في إطار الزوجية الصحيحة، فعقد الزواج يبيح لكل منهما ما كان محرماً قبل العقد الذي له أركان وشروط، فوجب عليهما الالتزام بالحقوق والواجبات، من دون إلحاق الضرر بأحدهما».

كما تطالب الأستاذة الأزهرية كل مسلم بأن يعلم أمور دينه من حلال وحرام، حتى يتقي الله في علاقته مع الله، ومع الناس «على كل زوج أن يتقي الله في زوجته، وأولاده، لأنه القدوة لهم، وألا ينطق بلفظ الطلاق من دون سبب، وعليه الاستغفار والتوبة إلى الله، والنيّة الخالصة بعدم ارتكاب أي شيء يغضب الله، وكل امرأة يتم طلاقها ثلاثاً، وترفض معاشرة الزوج الجديد، وتقول (لا أقبل رجلاً آخر)، أو غير ذلك، فهذا مخالف لشرع الله، لأن الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، فوجب علينا اجتناب كل ما يؤدي إلى الحرام».

وعن فلسفة الشرع في تحريم عودة المرأة لزوجها بعد طلاقها ثلاثاً حتى تتزوج غيره، تشرح د. فتحية الحنفي «هذا عقاب للزوج لأنه استهان برباط الزوجية، ولم يحافظ على زوجته كما ينبغي، وأصعب وضع على رجل مرتبط بزوجته نفسياً، أن تعاشر رجلاً غيره، فكان ذلك أقسى عقاب له، حتى لو عاد إلى زوجته بعد زواج صحيح من آخر، أن يحافظ عليها، ولا يفرّط فيها، ولا يتسرّع في إيقاع الطلاق لأسباب تافهة».

بعد الضجّة التي أحدثتها ممثلة.. علماء المسلمين يؤكدون القواعد الشرعية للزواج بعد الطلاق

واجهوا فوضى الطلاق

وأخيراً، كيف نواجه فوضى الطلاق التي شاعت في عالمنا العربي؟ يعود د. عباس شومان ليجيب «الطلاق في نظر الإسلام يمثل الحل الأخير لمشكلة تفاقمت بين الزوجين، وفشلت كل جهود الإصلاح والتوفيق بين الزوجين، وموقف شريعة الإسلام من الطلاق والحفاظ على كيان الأسرة واضح، فهي تستبعد جذرياً، اللجوء إلى هذا الحل ما أمكن تفاديه، وإنقاذ الأسرة من عواقبِه الأليمة. الإسلام لم يشرع الطلاق للمسلمين كشرع جديد لم يكن للناس عهد به من قبل، وفوضى الطلاق التي نعانيها في البلدان العربية لم تكن أبداً بسبب إباحته للمسلمين، بل العكس هو الصحيح، وهو أن عدم الالتزام بالضوابط الشرعية للطلاق هو الذي خلق هذه الحالة التي نشكو منها الآن».

ويواصل «قبل الإسلام كان الرجال من حقهم تطليق زوجاتهم أي عدد شاؤوا من الطلقات، ومراجعة المرأة في عدّتها، فتعود إلى عصمته متى شاء، وقد ترتب على هذه الحرية الهوجاء في التطليق والإمساك لحوق أضرار بالغة بالمرأة جعلت منها أسيرة كرّ وفر، لعصمة هؤلاء الرجال ونزعاتهم اللاإنسانية.. وقد جاء الإسلام والمرأة على هذا الحال، وأصاب المرأة المسلمة في بداية الإسلام ما أصاب مثيلاتها الجاهليات من هذا العبث المستقر والمبرر في أعراف الجاهلية..

ولذلك فإن من طلقت 11 مرة وعادت لزوجها من دون الزواج من غيره تحت مبررات واهية تم التعامل معها بمنطق الجاهلية، وعليها، وعلى مثيلاتها ممن يقبلن هذا الوضع، أن تتوب من هذه الخطيئة، وتعود إلى تعاليم وأحكام دينها، وتصحّح علاقتها الشرعية بزوجها، وتقف عند حدود الشرع».

ويذكّر د.شومان كل الرجال الذين يتعاملون مع زوجاتهم بقسوة في موضوع الطلاق، بقصة الرجل الذي هدد زوجته في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، بأنه لن يؤويها إليه، ولن يدعها تحل لزوجٍ غيره، ولما استفسرت منه الزوجة عن هذا الأسلوب الوحشي في سحق المرأة، قال لها: أطلقك، فإذا أوشكتْ عِدَّتك على الانتهاء راجعتك، فرفعت الزوجة أمرها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تعالى قوله: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان»، وأوقف هذا العبث إلى الأبد، وجعل للزوج الحق في أن يطلق الزوجة مرة ويردّها في العدة، وثانية ويردّها في العدة أيضاً: «فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»، وهذا يعني أن الإسلام حدد مرات الطلاق بمرتين فقط ،قابلتين لرجعة الزوجة لزوجها، فإذا طلَّقها الثالثة فليس للزوجِ إمساكها، بل عليه تسريحها بإحسان، وهذا يؤكد أن تشريع الطلاق في الإسلام جاء لإخراج المرأة من سجن مظلم، ولتحريرها من شريعة جاهلية، وقسوة رجال ظالمين.

اقرأ أيضاً:
- زواج «الويكند».. باب موارب للخيانة الزوجية أحياناً
- خطر على الأسرة والمجتمع.. «زواج المصلحة» شراكة واهية وأُسس ضعيفة