بين الحج والتجمّل والهدايا.. حدود النفقة الواجبة للزوجة ومتى تسقط عن الزوج
النزاع بين الأزواج والزوجات بسبب رفض الزوج الاستجابة لكل رغبات زوجته في الإنفاق موجود داخل معظم الأسر العربية..
وقد يتفاقم الخلاف حول متطلبات الزوجة، ويصل إلى ساحات المحاكم، وهو ما حدث في حالات كثيرة شهدتها المحاكم المصرية مؤخراً، لزوجات اتّهمن أزواجهن بالبخل في الإنفاق عليهن، وقدمت إحداهن فواتير نفقتها في مركز تجميل وتجاوزت الـ 400 ألف جنيه مصري، رفض الزوج دفعها.
والتساؤلات التي تفرض نفسها هنا: هل الشرع ألزم الزوج بالاستجابة لكل مطالب زوجته المالية، وأطلق لها العنان لكي تنفق كيفما تشاء والزوج يدفع؟
وما هي حدود النفقة الواجبة للزوجة؟ وهل صحيح ما يتردد في بعض الفتاوى الشرعية من أن الزوج غير ملزم بنفقات علاج زوجته، أو حجّ زوجته؟ وهل الزوج ملزم بنفقة تجميل زوجته؟
تساؤلات كثيرة حول النفقة الضرورية، وغير الضرورية للمرأة، حاولنا التعرف إلى موقف الشرع منها.. وهنا خلاصة ما قاله علماء الفتوى والشريعة الإسلامية:
حدود الإنفاق على الزوجة
البداية مع د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، حيث يوضح لنا حدود النفقة الواجبة للزوجة على زوجها، ومدى علاقتها بيسار الزوجة، أو عسرها، فيقول «النفقة على الزوجة مسؤولية الزوج بحكم الولاية والقوامة، ولا علاقة للنفقة الزوجية الواجبة بحالة الزوجة المادية، ووجود مال معها من عدمه.
ولذلك وجب على الزوج، في كل الأحوال، أن يوفر لزوجته ما تحتاج إليه من طعام، وشراب، ودواء، ومسكن، حتى ولو كانت الزوجة ثرية، ومعها ما يكفي نفقتها ويفيض، فإن النفقة على الزوجة من جملة حقوقها على زوجها في حدود قدرته واستطاعته، لقول الله عز وجل: «لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلّف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا».
وقد سأل أحد الصحابة، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ فقال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح».
وما الحكم لو بخل الزوج ولم ينفق على زوجته النفقة الواجبة عليه.. فهل يجوز لها أن تأخذ من ماله من دون إذنه لتنفق على نفسها، أو عيالها؟ يجيب مفتي مصر السابق «الشريعة الإسلامية أباحت للزوجة أن تأخذ من مال زوجها من دون إذنه للإنفاق على حاجاتها الضرورية، هي وعيالها، وتلبية ما هم في حاجة إليه من دون إسراف..
وفي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يؤكد جواز ذلك، فعن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن هند بنت عتبة جاءت وسألت: يا رسول الله إن زوجي أبا سفيان رجل شحيح، ولا يعطيني وولدي ما يكفي فهل آخذ من ماله وهو لا يعلم؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».
هل الزوج ملزم بنفقات حجّ الزوجة؟
الجدال، أو النزاع بين الأزواج والزوجات حول مسؤولية كل منهما عن النفقة لم يقف عند النفقات الترفيهية، أو الكمالية، بل يشمل أيضاً نفقات علاج، أو أداء عبادات مفروضة، أو تطوعية.
وقد شهدت فضائية عربية مؤخراً، نقاشاً دينياً واجتماعياً حول شكوى زوجة رفض زوجها تحمّل نفقات حجّها، وطلب منها أن تحجّ من مالها الخاص، حتى يتقبل الله حجّها.. فهل الشرع يقول بذلك؟
يبيّن د. علي جمعة «الزوج مكلَّف شرعاً بالنفقة على زوجته، ولا تُعَد تكاليف الحجّ من النفقة الواجبة، ومن شروط وجوب الحجّ الاستطاعة.
فإذا لم يكن عند الزوجة ما يكفي لنفقات حجّها فليس الحجّ واجباً عليها، وليس الزوج مُلزَماً بإحجاجها من ماله، لكنه إن فعل فهو مثاب على ذلك، وله حينئذٍ مثل أجر حجّها؛ لأنه السبب فيه..
والأمر نفسه بالنسبة إلى الزوجة إن كان للزوجة مال فلا يجوز لزوجها أن يأخذه منها لحجّه، إلا ما كان عن طِيب نَفْسٍ منها؛ لأن لها ذمتها المالية المستقلة شرعاً عن زوجها، فإن أعطته برضاها فبها ونِعمت، ولها مثلُ أجرِ حجّه؛ لأنها تسببت به، أما إن أخذ من مالها رغماً عنها فهو آكل للمال الحرام، واقع في الإثم، والمعصية».
جدل حول نفقة علاج الزوجة
نفقة علاج الزوجة من النفقات التي تحظى بجدل وخلاف بين المعنيين بالفتوى في ظل وجود فتاوى متوارثة عن عدم إلزام الزوج بنفقات علاج زوجته..
لكن العالم الأزهري د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يتحفظ على هذه الفتاوى.
ويؤكد أن الزوج مسؤول عن النفقة الضرورية لزوجته، ومن بينها نفقة العلاج من الأمراض «لو كانت الزوجة مريضة بمرض عضوي، أو نفسي، يؤثر في صحتها العامة وجب على الزوج أن ينفق على زوجته بسخاء، ولا يبخل عليها، فالعلاج هنا من ثمن أدوية، وتكاليف مستشفيات، وأتعاب أطباء، يدخل في نطاق النفقة الواجبة.
وكل من يتخلى عن الوفاء بهذا الواجب فليس له من الشهامة، والمروءة، والوفاء نصيب، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خيرُكم خيرُكم لِأَهْلِهِ، وأنا خيرُكم لِأهْلِي، ما أكرَمَ النساءَ إلَّا كريمٌ، ولَا أهانَهُنَّ إِلَّا لئيمٌ».
ولذلك فإن علاج الزوجة المريضة تكون على نفقة زوجها. لكن لو كانت المرأة تريد أن تجري عملية تجميل من العمليات الشائعة في هذه الأيام، وكانت هذه العملية غير ضرورية.
فالزوج غير ملزم بنفقات هذه العملية التي تجريها لغير ضرورة، وترفيهية. أما إذا كانت عملية التجميل التي تجريها الزوجة لضرورة، كإصلاح عيب ما، فإنها تدخل في هذه الحالة ضمن العلاج الذي تجب نفقته على الزوج».
نفقة تجمّل الزوجة.. هل يدفعها الزوج؟
من جانبه، يؤكد د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية والأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر، ضرورة أن تحرص الزوجة على أن تبدو في صورة طيبة أمام زوجها طوال الوقت، وأن يساعدها هو على تحقيق ذلك من خلال شراء ما تحتاجه للتجمل من دون تكلف..
ويضيف «من وسائل تحقيق الألفة والسكن النفسي بين الزوجين أن يكون كل من الزوجين مرغوباً من الطرف الآخر، وأن تكون المشاعر العاطفية بينهما قوية، ولا يصيبها الفتور، ويتحقق ذلك من خلال اهتمام كل منهما بالآخر، يعامله برفق، ورحمة، ولين، ويتودّد إليه بالهدايا، ويتقرب إليه بالمشاعر العاطفية الجياشة، ويحترم مشاعره، ويحقق له رغباته المشروعة.
ولا يمكن أن يتحقق ذلك بين زوجين يهمل كل منهما، أو أحدهما، الاهتمام بمظهره، ولياقته البدنية والنفسية، ولذلك، فإن إهمال الزوجات لمظهرنّ أمام أزواجهنّ من الأمور التي تكثر شكوى الأزواج منها، والأمر كذلك بالنسبة إلى الرجال، حيث إنهم مطالبون أيضاً بالتجمّل لزوجاتهم حتى يحقق الرجل لزوجته ما تتطلع إليه في شريك حياتها».
ويوضح د. شومان أن الشريعة الإسلامية اهتمت بكل ما يدعم العلاقة النفسية بين الزوجين، فحثت كل منهما على التجمل للآخر، ومشاركته آماله، وأحلامه، كما اهتمت بتنظيم العلاقة المادية بين الطرفين حتى لا يؤثر الخلاف فيها في العلاقة النفسية، فألزمت الزوج بكل ما تحتاجه الزوجة من نفقة ضرورية، بعيداً عن السفه.
فالزوج ملزم بنفقة زوجته من طعام، وشراب، وسكنى، وملبس وعلاج- على رأي بعض الفقهاء- وفقاً لحالته المادية من اليسر والعسر..
كما أن الزوج مسؤول عن الترفيه عن زوجته، وإعانتها على مواجهة التزامات الحياة الزوجية، بما يستطيع من وسائل الترفيه.. ويدخل في ذلك أيضاً مظاهر البهجة، والتجمّل من دون تكلّف، ومن دون إسراف، فالتوسط مطلوب في كل شيء.
وعن حق الزوج في تجمّل زوجته، يقول د. شومان «نعم من حقه أن تظهر زوجته أمامه طوال الوقت بشكل مقبول، فلا تهمل نفسها، وتنشغل بأمور البيت والأولاد عن حقوق زوجها، وهنا على الزوج أن يقدّر مسؤوليات زوجته والتزاماتها، بخاصة لو كانت عاملة، ولديها مسؤوليات خارج البيت، إلى جانب مسؤولياتها داخل البيت».
ويرى أستاذ الشريعة الإسلامية أن أمور التجمّل والرشاقة ترتبط بأسلوب الحياة والتربية، لكل من الرجل والمرأة، ولذلك يختلف نمط العلاقة بين الزوجين من أسرة إلى أخرى، ومن بيئة إلى أخرى، ومن مستوى اجتماعي إلى مستوى اجتماعي آخر..
وكل ما هو مطلوب من الزوجين أن يتحاورا، ويتفاهما، ويتفقا على ما يعينهما على الحياة المستقرة، من دون صراعات، أو أزمات.
كما سألنا د. أحمد كريمة: هل الزوج ملزم شرعاً بالإنفاق على ترفيه وتنزّه زوجته؟
فأجاب «من واجب الزوج أن يرفّه عن زوجته، ويرعاها نفسياً، بما يحقق لهما السعادة والاستقرار، ونادراً ما يذهب الزوج لمكان يرفّه فيه عن نفسه من دون أن يصطحب زوجته، ولو فعل ذلك سوف يتحول الترفيه إلى نكد، وهمّ، وغم هو في غنى عنه. لكن شرعاً الزوج غير ملزم بالإنفاق على ترفيه وتنزه زوجته وفقاً لهواها، ومزاجها الشخصي، وعلى كل زوجة أن تكون معتدلة المزاج في مطالبها من زوجها».
متى تسقط نفقة الزوجة؟
يقول د. شومان «نفقة الزوجة لا تسقط إلا في حالة نشوزها فقط، كما ورد في قوله تعالى: «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً»، والنشوز هو خروج المرأة عن طاعة زوجها في الحقوق والواجبات، وهو حرام، ويستوجب اللعنة من الله تعالى».
ويضيف «من المقرر في الشريعة أن النفقة تستحق للمرأة إذا توافرت شروطها، وهي الاحتباس، أو الاستعداد له، والاستمتاع بها، والانتقال إلى بيت الزوجية، أما إذا رفضت الزوجة دخول بيت الزوجية، وكان يليق بها، أو خرجت منه من دون إذن زوجها، كانت ناشزاً ولا تستحق النفقة».
هل الزوج ملزم بتقديم هدايا للزوجة؟
يوضح د. فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر «التهادي بين الزوجين من الأمور التي تجسد حسن العشرة بينهما، والتي حث عليها الإسلام لتوثيق العلاقة بين الزوجين، فهدايا الزوج لزوجته رسول المودة والمحبة بينهما..
لكن هذه الهدايا ليست لها صفة الإلزام.. بمعنى أنه ليس من حق الزوجة أن تطالب زوجها بتقديم هدايا لها، سواء أكانت هدايا رمزية، أم ذات قيمة مادية كبيرة، كما نسمع ونقرأ عن زوجة تركت لزوجها منزل الزوجية لأنه لم يقدم لها سيارة حديثة هدية».
ويؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن «العلاقة بين الزوجين يجب أن تسمو فوق الاعتبارات المادية التي أصبحت تؤثر بشكل كبير، للأسف، في طبيعة العلاقة بين الزوجين، فتجد بعض الزوجات- بخاصة المسرفات منهن- يعاقبن أزواجهن على عدم الإسراف في الإنفاق عليهن في أمور لم يلزمهم الشرع بها».
اقرأ أيضاً: علماء الدين: الرجل ملزم شرعًا بالإنفاق على زوجته حتى لو كانت ثرية