يعتقد كثير من الناس أنه يصلي ويصوم ويزكي ويحج؛ لكي يفوز برضا الخالق سبحانه وتعالى في الآخرة فقط.. فهل ما يؤديه الإنسان من عبادات يعود عليه بنفع أو فوائد في الدنيا؟
العالم الأزهري د.أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، يؤكد أن هذا الاعتقاد خاطئ، فعبادات الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج تعود على من يؤديها بإخلاص بمنافع ومكاسب كثيرة في الدنيا.
ويقول: «كل إنسان يحتاج إلى قيم روحية، وقيم مادية، لكي يستطيع أن يعيش حياة متوازنة، فالإنسان مهما جمع من أموال وامتلك من متاع الدنيا يظل عقله وقلبه ووجدانه متعلقاً بكل ما يحقق له الرضا الإيماني، وهذا الجانب -كما يؤكد دائماً علماء وأساتذة الطب النفسي- دافع قوي ليعمل الإنسان في الدنيا من أجل سعادته في الدنيا والآخرة.
ولذلك يظل عقل المسلم الحق وقلبه ووجدانه متعلقاً بما يحقق له الطمأنينة والقناعة بأنه يسير في الطريق الصحيح وأن الجزاء الأوفى الذي وعد الله به عباده الصالحين سيكون من نصيبه في الآخرة إلى جانب هدايته في الدنيا.
لذلك شرع الله للإنسان ما يصلح له نفسه ويحقق طموحاته في الدنيا والآخرة، وفرض عليه فروضاً وعبادات تحقق له الهدفين معاً (سعادة الدنيا.. وسعادة الآخرة) ومن يلتزم بتعاليم ومطالب دينه تتحقق له هذه الغاية».
فوائد الصلاة في الدنيا
عن فوائد وأهميتها لحياة الإنسان في الدنيا، يؤكد د. هاشم أن الصلاة هي أول فريضة دينية يجب على الإنسان أن يحرص عليها ويلتزم بآدابها حتى يعود نفعها عليه في دنياه وأخراه.. ويضيف عن فوائد الصلاة في الدنيا:
- الصلاة تضفي على نفوس من يلتزمون بها سكينة وطمأنينة.
- والوضوء الذي يسبقها يخلّصنا من الجراثيم والميكروبات، ويحمينا من كثير من الأمراض.
- وحركات الصلاة من قيام وركوع وسجود تفيدنا بدنياً، وقد قال أطباء اللياقة البدينة إنها أفضل علاج طبيعي للإنسان على مدار ساعات اليوم.
- فضلاً عن أن الصلاة عبادة لها أهداف دينية واجتماعية وأخلاقية ونفسية، ويكفي في ذلك قول الله تعالى:« إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»، الحكمة من تكرارها خمس مرات يومياً أن تكون «حماماً» روحياً للمسلم، يتطهر بها من كل سلوك شاذ وغريب يفعله طوال يومه.
وهذا ما أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف عن الصلاة: «أرأيتم لو أن نهراً على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات فهل يبقى على بدنه من درنه شيء» قالوا له: لا، قال: «كذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا».
من هنا ينبغي أن ندرك أن فوائد ومنافع الصلاة لا تقف عند التقرّب إلى الخالق وغفران الذنوب والخطايا، بل لها منافع وفوائد حياتية كثيرة، فهي وسيلة للنظافة والتطهر خاصة في هذا العصر الذي تعددت فيه وسائل التلوث وتدنت فيه سلوكيات كثير من الناس».
مكاسب الزكاة في الدنيا
وماذا يستفيد الإنسان من الزكاة في الدنيا وهو يقدّم المال الذي تعب في جمعه لآخرين دون قيامهم بعمل أو جهد؟
يجيب العالم الأزهري د.حسن الصغير، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والمشرف العام على لجان الفتوى بالأزهر، «الزكاة فريضة دينية على الأغنياء لصالح الفقراء وأصحاب الحاجات في المجتمع..
فريضة أرادها الله سبحانه لتؤدي رسالة إنسانية اجتماعية اقتصادية في المجتمع، وهي لا تفيد الفقير وحده، لكنها تفيد المزكي أيضاً، وربما كانت مكاسبه من الزكاة والصدقات التطوعية أكثر من الآخذ لها».
ويضيف «الزكاة عبادة مالية اجتماعية تحقق أهدافاً كثيرة على المستوي الاجتماعي والإنساني والأخلاقي، لو تم تفعيلها والالتزام بها، فضلاً عن أنها فريضة لا يجوز إهمالها أو التكاسل عنها حتى لا يتعرض المسلم للإثم والعقاب الإلهي».
أما عالم الطب النفسي الشهير د.أحمد عكاشة فيؤكد أن انعكاسات الزكاة ومردودها الإيجابي على الفرد والمجتمع لا تقف عند كفالة غني لفقير ومساعدته على مواجهة معاناته المعيشية، بل يمتد التأثير الإيجابي للزكاة إلى الحالة النفسية لكل من الغني والفقير.
فكثير من الفقراء يتطلعون إلى ما في أيادي الأغنياء ويحقدون عليهم، ويتضاعف هذا الحقد الاجتماعي على هؤلاء البخلاء، الذين لا يقدمون للفقراء حقوقهم المشروعة في أموالهم، وهذا الحقد قد يتطور من شعور نفسي إلى سلوك عدواني.
فنجد الفقير الذي يتحالف مع فقراء آخرين ويذهبون لقتل رجل غني من أجل سرقته، ولو كان هذا الغني القتيل كريماً سخياً في التعامل مع هؤلاء لربما نجا بحياته من حقدهم الذي قادهم إلى ارتكاب جريمة.
ويوضح د. عكاشة أن الزكاة لها تأثير نفسي جيد على الفقير، فحصول هذا الإنسان على احتياجاته الضرورية من الأغنياء يريحه نفسياً ويقلل من حقده عليهم ويحمي الغني من أخطار كثيرة قد تلحق به لو بخل بحقوق الفقراء ولم يخرج ما عليه من زكاة.