11 أغسطس 2024

علماء الأزهر يحذّرون من فتاوى مواقع التواصل

محرر متعاون

علماء الأزهر يحذّرون من فتاوى مواقع التواصل

حذّر علماء أزهريون من فتاوى التشدّد الديني التي تعجّ بها مواقع التواصل الاجتماعي، وأكّدوا أنها تمثّل خطراً كبيراً على الأسر العربيّة، وطالبوا المؤسسات الدينيّة في الدول العربية بكشف الأدعياء غير المؤهلين، وبعض وسائل الإعلام التي تسرّب إليها المتطرفون..

وطالبوا بحماية كل أفراد الأسرة وخاصة النساء من أكاذيب المتطرفين الذين يسوّقون بضاعة فاسدة لا علاقة لها بالإسلام وسماحته ورحمته.

كانت مراصد الفتوى بالأزهر والإفتاء المصرية، قد رصدت خلال الشهور الماضية عودة جماعات التطرف؛ لتبثّ سمومها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تمّ التضيّيق عليها في المساجد والمؤسسات الدينيّة والنشاطات الجماهيريّة في البلاد العربيّة.

رجعنا إلى عدد من العلماء الأزهريين الناشطين في مواجهة جماعات التطرّف؛ لنتعرّف منهم على مدى خطورة الفتاوى المتشدّدة التي تُتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على الأسرة العربيّة..

وفيما يلي أبرز ما حذّروا منه، وطالبوا به من وسائل وأدوات حماية للأسر العربيّة:

علماء الأزهر يحذّرون من فتاوى مواقع التواصل

خطورة الفتاوى المتشددة

البداية مع العالم الأزهري د.علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، حيث يؤكّد على ضرورة محاصرة الأفكار الدينيّة المتشدّدة، وكشف الأباطيل التي يروّج لها دعاة التشدّد من خلال وسائل إعلاميّة أو مواقع التواصل الاجتماعي..

مؤكداً أن كثيراً من المشكلات الأسريّة والاجتماعيّة تسببها فتاوى مغلوطة؛ لا يقرّها الشرع؛ ولا تقدّم الدين في صورته الصحيحة لكل أفراد الأسرة.

ويضيف «لاشك أن جماعات التشدّد الديني تستغلّ مواقع التواصل الاجتماعي، وتنشر فتاوى كثيرة من صنع المتشدّدين، هؤلاء الذين يجهلون تعاليم الإسلام الصحيحة، ولا يفرقون بين الواجب والمباح، ويشغلون الأسرة -بكل أفرادها- عن قضاياها الحقيقيّة».

وعن استهداف جماعات التطرّف الديني للأسرة العربيّة، يقول «بالتأكيد الأسرة مستهدفة في مجتمعاتنا العربيّة من جانب جماعات التشدّد والتطرّف الديني..

وقد حذّرنا مراراً من تسرّب العناصر المتشدّدة إلى وسائل الإعلام، والقيام بأخطر مهمّة فكريّة وهي مهمّة الإفتاء، فالإفتاء والحديث في أمور الدين عموماً مهمّة خطيرة للغاية، تحتاج إلى علم ووعي وفهم صحيح لتعاليم الإسلام وأحكامه..

ولذلك لا ينبغي أن نترك ساحة الفتوى لكل من يريد تخريب عقول الناس وخاصة البسطاء الذين لا يميّزون بين الصحيح وغير الصحيح من تعاليم ديننا الوسطي الذي أراده الله هداية للإنسان ووسيلة إصلاح لحياته كلّها».

لا ينبغي أن تستمر حالة الاضطراب والفوضى في مجال الفتوى والاجتهادات الشرعيّة في عالمنا العربي

ويواصل «نبّهنا وحذّرنا كثيراً من ترك المتشدّدين يخاطبون عقول الناس، ويستغلّون عاطفتهم الدينيّة، ويقدّمون صورة مزوّرة للإسلام، ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي، فما زالت بعض وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات تستعين بأناس لا علاقة لهم بالإسلام الصحيح، لكي يقدّموا فكرهم المشوه للناس، ويصرفوهم عن هداية الدين الصحيحة..

والكارثة أن هؤلاء المنحرفين فكريّاً والذين يجنحون نحو التشدّد الديني يحسبون أنهم على الحقّ والصواب وأن ما عداهم على الضلال، وأنهم مصلحون وغيرهم فاسد ومنحرف، وأنهم يحسنون صنعاً وغيرهم يفسد ويخرّب..

وهذا شأن أهل الضلال في كل وقت، وهؤلاء ينطبق عليهم قول الحقّ سبحانه: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً».

لذلك نقول ونكرّر: لا ينبغي أن تستمر حالة الاضطراب والفوضى في مجال الفتوى والاجتهادات الشرعيّة في عالمنا العربي..

ولا ينبغي ترك بعض المتشددين يتّخذوا من الإفتاء وسيلة لتضليل الجماهير المسلمة ودفعها إلى الخروج على قيم الإسلام وأخلاقياته، والإضرار بالمجتمعات الإسلامية التي يعيشون فيها، وخلق حالة من الاضطراب والبلبلة بين الناس نتيجة تضارب الفتاوى وخروج بعضها على الثوابت الإسلامية».

علماء الأزهر يحذّرون من فتاوى مواقع التواصل

ضوابط الإفتاء.. ومسؤوليّة الجماهير

سألنا الفقيه الأزهري د.فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة الفتوى المركزية بالأزهر، عن ضوابط الإفتاء الصحيح، من شخص يفتي عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي..

فأجاب «الضوابط والقواعد المنظّمة لأمور الفتوى يعرفها العلماء المتخصصون في العلوم الشرعيّة، والمتمرّسون على الفتوى؛ لذلك ننصح الجماهير المسلمة في كل مكان باللجوء إليهم لمعرفة الأحكام الشرعيّة بعيداً عن فتاوى التشدّد والإثارة..

وبعيداً عن الأدعياء الذين يقومون بتشويه تعاليم الإسلام، فساحة الإفتاء يجب أن تترك للمتخصّصين فيه والمؤهّلين له، حرصاً على عدم تضليل الناس بفتاوى متشدّدة، لا تجسّد وسطيّة الإسلام واعتداله، ولا تعبّر عن سماحته ورحمته بالناس جميعاً».

اللجوء للمتطرفين والمتشدّدين من أدعياء الفتوى مصيبة كبرى لا ينبغي أن يتورّط فيها مسلم

ولكنّ، هل المواطن البسيط يتحّمل مسؤوليّة في انتشار الفتاوى الشاذّة والغريبة والتي أصبحت تهدّد أمننا الاجتماعي؟ يقول د. فتحي «طبعاً الجماهير مسؤولة، فالله سبحانه وتعالى يقول: «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»، وهذا أمر إلهيّ لكلّ مسلم أن يذهب إلى «أهل الذّكر» وهم «أهل العلم»؛ لمعرفة أحكام الإسلام الصحيحة..

ولذلك فإن من يلجأ إلى متشدّد أو غير متخصّص ليستفتيه في الدين (آثم شرعاً)، فاللجوء للمتطرفين والمتشدّدين من أدعياء الفتوى مصيبة كبرى لا ينبغي أن يتورّط فيها مسلم، فالمتشدّدون يمارسون تشويهاً للحقائق الإسلامية، وتضليلاً للناس..

ولذلك ننصح كلّ مسلم يتطلّع لمعرفة الأحكام الشرعيّة ومعرفة الحلال من الحرام بالعودة إلى العلماء المؤهّلين، فالله سبحانه وتعالى يأمر بالعودة إلى أهل العلم والتقوى، ومخالفة هذا الأمر الإلهي من شأنه أن يجلب للإنسان الإثم، فضلاً عمّا يسبّبه ذلك له من انحراف عن طريق الحقّ والعدل، وقد تقود فتوى متشدّدة أو خاطئة إلى التهلكة».

ويضيف «نحن هنا ننبّه الجميع إلى أن الفتوى تحتاج إلى متخصصين مؤهلين لهذه المسؤوليّة الخطيرة؛ ولذلك فإن من يفتي الناس بغير علم، عليه أن يتبوّأ مقعده من النار، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذلك لا ينبغي أن يتصدّى أحد للفتوى اعتماداً على ثقافته ومعلوماته الإسلامية العامّة..

وعلى الجميع أن يدرك أن كبار علماء الأمة كانوا يتهيّبون الفتوى، وكانوا يدركون خطورتها، ويحيل بعضهم على بعض خوفاً من الوقوع في الخطأ والتسبّب في تضليل الناس».

علماء الأزهر يحذّرون من فتاوى مواقع التواصل

استهداف المتشدّدين للمرأة

كما سألنا الأستاذة الأزهرية د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر فرع البنات، عن أسباب استهداف جماعات التشدّد للمرأة بكمّ هائل من الفتاوى، وكيفيّة حماية نسائنا من فتاوى المتشدّدين..

فأوضحت «نعم نلاحظ استهداف جماعات التشدّد الديني للنساء في كثير من فتاويهم وآرائهم المتشدّدة، وذلك استغلالاً للعاطفة الدينيّة للمرأة، فقد أثبتت الدراسات النفسية أن المرأة أكثر تقبلاً للتديّن، وأكثر حرصاً على تعاليم الدين..

لكنّها في الوقت نفسه أكثر أميّة دينيّة، واستهداف جماعات وعناصر التطرّف الديني للمرأة لأنهم يدركون أنها «ركن الأسرة الركين»، وهي من تقوم بالعبء الأكبر في التربيّة والتعليم وتهذيب سلوك الصغار، ولذلك فترك المرأة فريسة لفتاوى المتشددين يشكِّل خطراً كبيراً على واقع ومستقبل الأسرة العربيّة».

وتؤكّد الأستاذة الأزهريّة على أهميّة تفنيد فتاوى المتشدّدين من جانب مؤسّسات ومراكز ولجان الفتوى وإطلاق المزيد من منصّات الإفتاء، التي تلتزم بضوابط الشرع الصحيح في الفتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإتاحتها لكل من يريد أن يسأل لمعرفة رأي الشرع، والأزهر والإفتاء المصريّة يفعّلان ذلك..

لكن نحن بحاجة لمزيد من المنصات الإفتائية المنضبطة بضوابط الشرع.

لا يجوز لأي إنسان غير مؤهّل أو لمجرّد أنه متديّن أن يفتي غيره من الناس

وتشدّد د. فتحية الحنفي على أن مواجهة فتاوى التشدّد «واجب وطني واجتماعي»، لأن فتاوى التشدّد تستهدف المجتمع كلّه بمؤسساته التعليميّة والثقافيّة والإعلاميّة والأمنيّة..

ومن هنا تأتي حتميّة مواجهة الفكر الدينيّ المتشدّد ومنعه من التسرب إلى عقول كلّ أفراد الأسرة العربيّة، تبيّن «الجماهير التي تستفتي هؤلاء المنحرفين فكريّاً وتأخذ الدين من جهلاء هي أيضاً مسؤولة، ونحن كعلماء لا نعفي أنفسنا من المسؤوليّة، بل نحمل قدراً كبيراً من المسؤوليّة».

وعن موقف الشرع من سلوك بعض النساء الهواة اللاتي يتعرضن للفتوى دون استعداد علمي وعقلي وثقافي لها، تقول الأستاذة الأزهرية «الفتوى مسألة صعبة للغاية، ولا يحسنها إلا أناس أُعدّوا لها إعداداّ جيداّ، وتعلّموا علوماً دقيقة ومتخصّصة، ومن هنا لا يجوز لأي إنسان غير مؤهّل أو لمجرّد أنه متديّن أن يفتي غيره من الناس..

ويوضّح لهم الأحكام الشرعيّة، فالفتوى تحتاج إلى علم واستعداد، فعليهم أن يحترموا التخصّص، وأن يتركوا الفتوى لأصحابها القادرين عليها».