27 مارس 2024

طلب المشورة من "السوشيال ميديا".. باب لمصداقية المعلومة أم للتضليل والمجاملة؟

محررة في مجلة كل الأسرة

طلب المشورة من

يعتبر البعض صفحات الـ«سوشيال ميديا» مصدراً موثوقاً به، لكونها تجمع لفيفاً من الناس، منهم أصحاب الخبرة، أو التخصص، أو من لديهم تجارب سابقة ناجحة، وهذا ما يجعل البعض يلجأ إليهم عبر صفحته طلباً للعون في مشورة ما، ولتكن مثلاً في رأي فقهي يرتبط بتعاملات يومية، أو رغبة في ترشيح طبيب معيّن، أو مكان يود زيارته، وغيرها من الأمور الحياتية، التي تفرز معلّقين على هؤلاء، أشبه بالوعاظ تارة، وبالأطباء تارة أخرى، ليرشحوا شخصاً بعينه، أو جهة دون غيرها، إلا أن ما يلفت النظر هو وجود تعليقات فيها مجاملة لشخص دون غيره، وأخرى تحمل ضغينة بغرض الانتقام، من دون أن يدرك صاحب هذا التعليق أنه قد حمل أمانة المشورة، التي لها صفات يجب مراعاتها.

الدكتور سالم بن ارحمه «رجل دين»، يقول «تعد مواقع التواصل الاجتماعي، كغيرها من الوسائط، فيها الصالح والطالح، والسلب والإيجاب، لذا يجب التعامل معها بحذر، فوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بمثابة قنوات إعلامية من نوع خاص، عُرفت بالإعلام الجديد، وتُعامل من حيث المسؤولية معاملة وسائل الإعلام الأخرى، لاشتراكها في صفة العلانية والانتشار، ولكونها مُشاعة للجميع. والقاعدة المهمة في هذا السياق أن المخترعات الحديثة التي تجمع بين الخير والشر، لا يتعلق التحريم والتحليل بأصلها، وإنما يتعلق بحرمة استخدامها، ومجالات الاستفادة منها.

ولكي نكون منصفين فلا شك في أن هذه المواقع فيها عدد من المزايا والفوائد، منها:

  • سهولة التواصل بين الناس.
  • توفير المال والوقت في الاتصال وتبادل المعلومات.
  • الحصول على المعلومات والأخبار بسرعة وسهولة.
  • نشر الوعي في أمور الدين والمجتمع والصحة والسلامة.
  • إنجاز المصالح والمعاملات بيسر وسهولة من دون عناء أو ضياع وقت.
  • تيسير الحوار والنقاش في أيّ موضوع بين أطراف متباعدين كأنهم اجتمعوا في مجلس واحد».

وسائل التواصل الاجتماعي مرتع لمحبّي الشهرة الزائفة

ويتابع د. سالم بن ارحمه «على الرغم من تلك المميزات، إلا أنه يجب على الإنسان قبل أن يكتب أي شي، أو يتقدم بنصيحة طلبها غيره، أن يتثبت منها، فلا تنشر الظن والكذب والتفسير الخاطئ للحقائق. فوسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنها فضاء واسع للإبداع، فهي أيضاً مرتع لمحبّي الشهرة الزائفة، من خلال نشر مقاطع فيديو أو صور معينة، قد تخدش الحياء الاجتماعي في مجتمعنا المحافظ، وهناك قوانين رادعة بخصوص نشر مثل هذه الأمور، عبر حسابات التواصل الاجتماعي، والتي يعد الشخص فيها بمثابة المُخرج والمُعد والمُنتج والمُمثل.

فقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، عما رآه ليلة أسري به، وكان مما رأى رجلاً يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فلما سأل جبريل عليه السلام عنه، قال له: «إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق»، وهو ما يكون في هذه الوسائل التي تبلغ الآفاق في سرعة الضوء،‏ وهذا من الإعجاز النبوي الكريم، ونرى مظاهره اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، فبمجرد لمسة زر واحدة تبلغ كذبة الرجل الآفاق، فمن أبرز المخترعات الحديثة وسائل الاتصال التي جعلت العالم الكبير المترامي الأطراف قرية صغيرة واحدة، لا يخفى فيها خبر، ولا يغيب عنها حدث.

لقد تحكمت وسائل الإعلام الحديثة في حياة البشر، والأهم من ذلك تحكم وسائل الاتصال في أفكارهم، وأنماط حياتهم، ومشاعرهم، وقد علِمنا ورأينا الآن انطباق هذه القضية، بوضوح وجلاء وسهولة، من خلال هذا الإعلام الفضائي، وهذه الشبكة العنكبوتية، وهذه الرسائل في الهواتف المحمولة، فكم حدث بسبب الكذب من مصائب، وثارت من فتن، وفضح من مستور، ولذلك فإن الكذب من الفجور الذي يهدي إلى النار، بالذات في هذا العصر الذي تنتقل فيه الكلمة بالكرة الأرضية خلال لحظة».

طلب المشورة من

ويضيف الدكتور سالم «على الناس أن ينتبهوا لما يقولونه خاصة إذا طُلبت منهم المشورة لكونها أمانة، ويقول النبي صلّى الله عليه وسلّم (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم».

فالعاقل لابد أن يفكر قبل أن ينشر، فليس كل ما في هذه المواقع صحيحاً، وأن يتحرى المشورة التي طلبت منه، وعلى مستقبِلها الانتباه إلى وجود نوايا خفية عند البعض، لا يعلمها إلا الله تعالى، ولابد من التأكد من المعلومة، وأخذها من مصادرها الموثوقة، بالذات في مجال الدين، والطب، وكذا الأخبار من مصادرها الرسمية، فالتوجيه الرباني لعباده جاء فيه كما قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلا قليلاً)».

طلب المشورة من

مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين

ويختتم د. سالم بن ارحمه «لقد تطورت وسائل الاتصال في عصرنا الحاضر تطوراً فريداً من نوعه، جعل الإنسان يقف متعجباً ومنبهراً من ذلك، بعد أن كانت في الزمن السابق منحصرة في وسائل محدودة، وبدائية، وقد قربت هذه الوسائل بين الأشخاص المتباعدين جغرافياً، وجعلت العالم يبدو كقرية صغيرة، من حيث سهولة التواصل، وتبادل المعلومات والخبرات.

ومما لا شك فيه أن هذا التطور أحدث نقلة نوعية في حياة البشرية، في جميع المجالات، ولكنه سلاح ذو حدين، فإما أن يكون نعمة على البشرية، ومصدر سعادة وهناء وراحة بال، إذا استُخدم حسب الأصول، وبما يتفق مع الضوابط الشرعية، وإما أن يكون نقمة عليها، ومصدر شقاء وتعاسة لها، إذا استُخدم عكس ذلك، فكل شيء في الكون يمكن أن يستخدم في البناء، أو الهدم.

والحديث عن هذا الموضوع، ببيان أصوله وتعريفه ومبادئه وضوابطه، وإيجابياته وسلبياته، أصبح من الضرورة بمكان، خاصة في هذا الوقت الذي يساء فيه استعماله، واستخدامه، حتى أضحى مرعباً ومخيفاً لدى الكثير من الناس، فنحن لا ننكر أن وسائل الاتصال الحديثة أصبحت من لوازم الحياة، يقتنيها الكبير والصغير، والغني والفقير.

فكان لزاماً علينا أن نتحدث عن ضوابط وآداب استخدامها، بما يجعلها وسائل نافعة تحقق النفع والفائدة والمصلحة، الخاصة والعامة، وما يدرأ عن مستخدميها الضرر، والفساد، والعبث، والفجور، فإن من الناس من أحسن استخدامها ضمن الضوابط الشرعية، فعادت عليه وعلى المجتمع، بالنفع والفائدة في الدنيا والآخرة، ومنهم من أساء استخدامها، فكانت باباً للفساد الخلقي والتلوث الفكري، وضياع الوقت، ونشر للأكاذيب والإشاعات والأباطيل، وإساءة للبعض والمساس بالأعراض، ولا يكاد يمضي يوم إلا ونسمع عن مثل هذه المفاسد والتجاوزات».