الحوارات والنقاشات حول حقوق المرأة في عقد الزواج لا تتوقف، ومطالب البعض في هذا المجال أيضاً مستمرة، وآخر هذه المطالب أحقية المرأة في أن تكون زوجة وحيدة لزوجها، واشتراط ذلك في عقد القران..
فهل يقبل الشرع اشتراط المرأة على زوجها أن تكون زوجة وحيدة له وأن يطلقها لو فكر في الاقتران بزوجة ثانية؟
الفقيه الأزهري د.عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر، يؤكد بداية أن الشريعة الإسلامية قد أحاطت عقد النكاح بسياج من نور، وعُنِيَت بأدق تفاصيله التي تضمن استقرار الحياة التي تنطلق على إثره، فقد أراده الشرع رباطًا مقدسًا معقودًا على نية التأبيد؛ فإذا تعذر استمراره لعارض كان إنهاؤه أفضل من استمراره.
ويضيف «المتأمل في التدابير الشرعية للزواج يرى أنها تنطوي على جملة من الشروط التوافقية غير المذكورة نصاً في وثيقته، ففي فترة الخطبة من حق كل طرف أن يتوافق مع شريك حياته المنتظر على ما يريحه من الضوابط والشروط المقبولة شرعاً، ويفصح كل طرف عن رؤيته للحياة المقبلة..
وما يأمل أن يكون عليه الآخر، كموقف الرجل من عمل زوجة المستقبل، وصحبته سفراً وإقامة، والإقامة في بيت عائلته أو عائلتها، وزيارة الأهل، واستقبالهم في بيته.. وكلما بُنِيَتْ الخطبة على المصارحة والوضوح زادت فرص نجاح الزواج واستقراره».
شروط غير مقبولة في عقد الزواج
وهنا يوضح د.شومان أن الشرع حسم موضوع الشروط المقبولة والمرفوضة في عقد الزواج، فالمسألة هنا لا تخضع للأهواء الشخصية بحيث يشترط كل طرف ما يريد حتى ولو كان يتصادم مع مقصود الإسلام من الزواج وهو رباط مقدس بين رجل وامرأة تتبعه حقوق وواجبات متبادلة..
فلا يجوز- مثلاً- النص على تحديد موعد لإنهاء عقد الزواج، أو انعقاده في صورة تجربة تتم أو لا تتم، أو وضع شروط يشترطها أحد الزوجين على الآخر في وثيقة الزواج تحوّله إلى علاقة مادية كأن تشترط الزوجة على زوجها أن يدفع لها زوجها راتباً شهرياً مقابل الزواج منه، بل كفل الإسلام للزوجة حقوقاً مادية كثيرة على الزوج بمجرد عقد الزواج والانتقال إلى بيت الزوجية.
ويواصل «الشرع لا يريد لعقد الزواج أن يكون عقداً مادياً كعقود المعاملات المالية المحملة بقائمة شروط يضعها العاقدان، فمقصود العقد إثبات مشروعية العلاقة بين رجل وامرأة في إطار توافقي يرتضيه الطرفان وتحكمه ضوابط وقواعد شرعية، لذا فلا داعي لإفساد صورته الراقية بهذه الشروط التي توحي بعدم الثقة بين طرفيه».
شروط عقد الزواج 3 أقسام
ومع ذلك يؤكد الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر أن فكرة اقتران عقد الزواج ببعض الشروط ليست مقبولة ولا مرفوضة على إطلاقها..
والفقهاء السابقون قد تناولوها، وقسّموها إلى ثلاثة أقسام، وبيَّنوا حكم كل قسم منها على النحو التالي:
الأول: الشروط التي يقتضيها عقد الزواج، أي إنها من آثاره المترتبة عليه التي لا تحتاج إلى اشتراط أصلًا، كحِلِّ الاستمتاع، وثبوتِ نسب الأبناء، وإنفاق الزوج على زوجته وأولاده.. وهذه الشروط يجب الوفاء بها شُرِطَتْ أم لم تُشْرَط.
الثاني: شروط تتعارض مع نصوص شرعية، كاشتراط المرأة على زوجها عدم الزواج من أخرى لأنها تتصادم مع أمر أباحه الشرع بضوابطه وقواعده، ويتضمن هذا القسم أيضاً شروطاً تنافي مقتضى عقد الزواج، كأن تشترط المرأة على الرجل تفضيلها في النفقة أو المبيت على زوجته الأخرى، وهذا النوع من الشروط باطل لا يجوز الوفاء به؛ لما فيه من ظلم نهانا عنه شرعنا، فشرط التعدد هو القدرة على تحقيق العدل بين الزوجات.
الثالث: شروط تحقق مصلحة لطرف من طرفي العقد، كاشتراط الزوجة الإقامة في بيت أبيها أو بيت يخصها، وهذا النوع من الشروط محل خلاف بين الفقهاء، حيث أجازه بعضهم، وأوجبوا الوفاء به، بينما منعه جمهور الفقهاء ما دام أن العقد لا يقتضيه بذاته.
وإذا كان الفقهاء قد اتفقوا على إبطال الشروط التي تنافي مقتضى العقد، واختلفوا في الشروط التي تحقق مصلحة لطرف، فإنهم اختلفوا أيضاً في حكم العقد الذي اقترن بشرط باطل؛ حيث يرى بعضهم بطلان الشرط وتصحيح العقد..
ويرى آخرون إبطال الشرط والعقد قبل الدخول، وإبطال الشرط وتصحيح العقد بعد الدخول، ويرى فريق ثالث: إبطال الشرط والعقد معًا قبل الدخول وبعده.
والفتوى التي نرجحها هنا هي «إبطال الشروط التي لا تلائم عقد الزواج مع تصحيح العقد قبل الدخول وبعده»، ونصيحتنا للجميع بتجنيب عقد الزواج للشروط، وإبقائه رباط محبة وود دون هذه الشروط التي تظهره كأنه صفقة من صفقات البيع.
زواج باطل
وإذا كانت فكرة اقتران عقد النكاح بالشروط الملائمة لا مانع منها، وكذلك الشروط التي تحقق مصلحة لطرف ما دام الآخر قد قَبِلَهَا، فإن الأزهر يحذر مما يروج له البعض على مواقع التواصل من تسميات لبعض صور عقود الزواج بما يطلقون عليه «زواج التجربة»..
وهو دعوى باطلة وادعاء غير مقبول وغير معروف في شرعنا، بل هو امتهان لهذا العقد الراقي، وانحدار به إلى الصفقات الماديَّة البحتة، فلا المرأة ولا الرجل سيارة أو جهاز إلكتروني يجرِّبه من اشتراه، فإن راق له احتفظ به وإلا ردَّه.
وإذا أريد بذلك الاسم تحديد مدَّة للزواج فهو زواج مؤقت وهو باطل، وإن كان تعليقًا لاستمراره على شرط فهو بمثابة خيار الشرط، وعقد النكاح لا يقبله..
فلو اشترطت الزوجة على زوجها عدم الزواج من أخرى وأن تظل زوجة وحيدة له، ثم جدت في حياتهما ما دفعه إلى الزواج من أخرى، بطل شرط الزوجة الأولى، وإذا اشترطت عليه الزوجة الثانية تطليق الزوجة الأولى واستجاب لها فهو آثم شرعاً.