كل ما تقوم به هو زرع الأمل في النفوس وإعادة الأفراد إلى كنف الأسرة وتقديم كافة خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المعنفين والنساء المنكسرات.
لا تهدأ خديجة محمد العاجل الطنيجي، مديرة مركز «أمان» لإيواء النساء والأطفال في رأس الخيمة، وهي تواكب فصول العطاء وترسي لمنظومة دعم «والدية» إذا صح التعبير، حيث تعتبر المركز «طفلها المدلل» بعد أن وضعت مداميك تأسيسه من البداية، بدعم لا محدود من صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة.
بدأت العاجل مسيرتها المهنية بالعمل في وزارة الشؤون الاجتماعية برأس الخيمة (وزارة تنمية المجتمع حالياًَ) بعد تخرجها في الثانوية العامة بالتزامن مع استكمال تعليمها الجامعي، ومن ثم تسلمت إدارة مركز «إيواء» ضحايا الاتجار بالبشر- فرع رأس الخيمة، وعينت مستشارة في جمعية الهلال الأحمر الإماراتي، إلى أن استقر بها الطموح عند إيلائها الثقة من قبل حاكم رأس الخيمة لتأسيس مركز «أمان» الذي باتت تعتبره موازياً لحياتها واسمها وحتى يومياتها.
كان لنا هذا اللقاء معها :
أخبرينا عن نشأتك في إمارة رأس الخيمة؟
نشأتي كانت مختلفة حيث توفي والدي وأنا بعمر 12 عاماً. تحملت أمي آنذاك مسؤولياتها كأم وأب. أنا أعتبرها سر وجودنا حيث أنشأتنا على حب العلم وزودتنا بأسس الدعم لاستكمال تعليمنا العالي حيث وصل كل إخوتي إلى مناصب قيادية.
إثر تخرجي في الثانوية العامة، صممت على الانخراط في العمل ولكن والدتي أصرت على استكمال دراستي. فعملت في وزارة الشؤون الاجتماعية (وزارة تنمية المجتمع) بعد أن وفيت لها بوعدي في استكمال الدراسة وأنهيت البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة الاتحاد. كان الأمر مرهقاً ولكن كانت عبارات الوالدة المحفزة ترافقني «عملك أمانة ولكن دراستك هي الأهم». كانت تحثنا على العلم لرد الجميل لوطننا لكون الوطن له «نصيب من الإنسان»، وفق تعبيرها.
عملت نحو 12 عاماً في مجال تنمية المجتمع، ماذا تذكرين عن تلك المرحلة؟
هي مرحلة الصقل والتحدي. التحقت بوزارة الشؤون الاجتماعية (وفق مسماها آنذاك)، وأنا في الثانوية العامة. انصب همي على إثبات نفسي كموظفة والسعي لتحقيق ما غرسته أمي داخلي. كنت أداوم وأذهب إلى الجامعة وشكلت لي هذه المرحلة منطلقاً لتطوير فكري وقدراتي إلى جانب دور العلم في صقل شخصية الفرد و كسلاح لمواجهة المعوقات، ناهيك عن دور الوزارة في تعزيز مهاراتنا وخبراتنا من خلال الورش والبرامج والدورات المتخصصة، إلى إتاحة الفرصة أمامي للمشاركة في مؤتمرات داخل والدولة وخارجها وفي فرق رئيسية ضمن الوزارة منها فرق التميز وفرق المشاركات الجامعية.
تسلمت إدارة مركز «إيواء» ضحايا الاتجار بالبشر، كيف كانت التجربة؟
كنت مديرة للمركز. لم تكن فترة طويلة ولكني اكتسبت فيها معارف جديدة. دخلت في عالم غامض نوعاً ما، ألا وهو عالم الاكتشاف وتلمس وجود ضحايا اتجار بالبشر.
ثمة قصص كثيرة عايشناها لدرجة أن ثمة أولياء أمور يرسلون بناتهم تحت وطأة الحاجة أو بحكم عمل عصابات، وهذا ما أثر بي كإنسان. بيد أن ما يمكن قوله إن دولة الإمارات عملت جاهدة للحد من المشكلة القائمة تشريعياً واجتماعياً عبر سن قانون الاتجار بالبشر وإنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر وكنت عضواً فيها، ما حقق حماية ودعماً لهذه الفئة وتدريبها.
ما المسؤوليات التي حملتها لنفسك عند تأسيس مركز «أمان»؟
مركز«أمان» هو ابني المدلل الذي أخاف عليه من كل شيء، لما يتسم به هذا المكان من حساسية. استقينا الكثير من ملامح نجاح التجارب السابقة في تأسيسه وكنت الموظفة الوحيدة عندما بدأت تكوين فريق العمل. كنت أؤكد أن يكون حب العمل هو الدافع الأول للانخراط في العمل داخل المركز، وهذا عنصر أساسي للنجاح كونه مرتبطاً بحياة أفراد آخرين ولا ينحصر في المجال الوظيفي.
يجب أن يكون هذا المكان جزءاً من قلب كل موظف، وهذا ما أشعر به. هذا ليس عملاً بل هذه حياة. مع الوقت، وضعنا نظاماً ومعايير وأهدافاً وانضمت للمركز أخصائيات ومشرفات وأمهات بديلات واستحدثنا مركز اتصال يعمل على مدى 24 ساعة يخدم كل الشرائح المجتمعية والذي تحول إلى مركز للخدمات بدل أن يكون مركزاً للشكوى لجهة عرض بعض الأفراد خدمات تطوع وتدريب حرفة أو مهنة أو حتى تقديم تبرعات مالية.
كان التحدي الأبرز أنه في الأشهر الأولى، لم نستقبل حالات حيث طمأنني الحاكم مؤكداً ضرورة كسب ثقة الناس، قائلاً «دورك أن تكوني مع الناس وللناس»، وأكد أنه لن يتوانى عن تقديم المساعدة ولو أن فرداً واحداً استفاد من خدمات المركز. ومن هذا المنطلق، خططنا للمؤتمر الأول «مناهضة العنف ضد المرأة» ومن ثم المؤتمر الإقليمي الثاني من باب الاطلاع على تجارب الدول المشاركة والاستناد إلى أفضل الممارسات القائمة.
مع الشيخ/سلطان بن حمدان بن زايد آل نهيان سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في مملكة البحرين
ما أبرز الحالات التي تقصد المركز؟
بالطبع، هناك حالات عنف أسري. فالمراهق أو المراهقة يريان أنهما معنفان من كل أفراد المجتمع لمجرد منعهما من القيام بشيء مخالف للعادات والتقاليد، وعادة ما يكون العنف موجهاً من الأخ أو الأب أو الأم. وفي مجال الخلافات الزوجية، يكون سبب المشكلات مادياً في الغالب وينتهي عنفاً جسدياً. وهناك حالات عنف بين الأسر المقيمة، حيث الدولة تحتضن النساء المعنفات في هذه الحالة ويشكل المركز ملاذاً لهن ولتقديم خدمات الإيواء والدعم النفسي والاجتماعي والمتابعة القانونية وحتى تغطية الفجوة المالية وتوفير بعض الوظائف لبعض النساء بحيث نحاول إعادة هيكلة الحياة إلى طبيعتها.
وأذكر أني صادفت خلال عملي في وزارة التنمية الاجتماعية أسرة بأكملها من أصحاب الهمم، حيث يعاني أفرادها إعاقات عقلية تعرضت للعنف، وبعد سنوات، عدت لألتقي الأسرة نفسها وقد قدمت إلى المركز وهي معنفة وتم إيواؤها.
في المركز، نبدأ بتعديل سلوك فئة المراهقين وإخضاعهم لجلسات علاجية مع اعتماد مبدأ «الوقاية خير من العلاج»، استناداً إلى دور المركز في تعزيز التوعية عبر تنظيم ورش ودورات ومحاضرات خارج المركز، كما إطلاق مبادرات حول «ظاهرة التنمر» ذات التداعيات السلبية على النشء، وإعداد برامج في المدارس وفي الفرجان من باب التوعية المجتمعية. ومن المبادرات «أنت تهمنا»، وهي موجهة للطفل باعتباره المدماك الأساسي في بناء المستقبل، إلى مبادرات أخرى تصب في السياق نفسه.
كيف تتماهين مع مشكلات المركز، وهل ترافقك في يومياتك؟
في بداية الأمر، كانت حياتي صعبة في ظل معايشة حالة طفلة معنفة أو امرأة مكسورة. اكتشفت أن الفصل ضروري ولكن كان من الصعب السير بهذا الفصل كوننا غير ملتزمين بوقت. فالوظيفة، بالنسبة لي، حياة و يجب التعايش معها. فأنا على تماس مع المركز ومستجداته على مدى 24 ساعة وبالأخص في ظل الأوضاع القائمة مع «كورونا». فهاتفي يعمل على مدى اليوم لمتابعة حالة مريض قد يحتاج إلى دعم وتوجيه وغيره. هذا العمل هو حياة بكل ما يحمله من متعة وحب وشغف.
يوماً بعد يوم، نتلمس فرحنا بالإنجاز الذي يخفف من وطأة التعب وبعد النجاح في إدماج الحالات مجتمعياً وكسر حاجز الخوف وإعادة بناء الثقة عن طريق الدورات، التمكين والتوظيف وإيجاد الحلول الكفيلة بعودة الحياة إلى طبيعتها، حيث إن 90% من الحالات عادت لتدمج داخل أسرها بعد معالجة الأسباب وتقريب وجهات النظر.
مركز «أمان لإيواء النساء والأطفال» هو إنجازي الأهم، لأن هذا طفلي وحياتي
نعرف أنك تواكبين كل منصب بمبادرات نوعية، ما الذي تذكرينه بفخر؟
لكل مرحلة رونقها. فمن مبادرات وزارة التنمية الاجتماعية، تركزت فكرتي على استحداث باص توعوي متنقل، التي لاقت استحساناً كبيراً وشاركت بالكثير من البرامج في وزارة التنمية وأقمنا قرية تراثية داخل مركز التنمية الاجتماعية وشاركت في معايير التميز الخاصة بالوزارة وكنت عضواً رئيساً في جائزة الناموس الخاصة بالتميز الوظيفي وحصلت على جائزة الناموس كما على جائزة فتاة رأس الخيمة المثالية وجائزة الموظف المتميز. ولكن مركز «أمان لإيواء النساء والأطفال» هو إنجازي الأهم، لأن هذا طفلي وحياتي، يرتبط بي لدرجة أنه عندما أقول مركز «أمان» أعني خديجة. أسسته من الصفر، بدءاً بالشعار واختيار المبنى إلى تنظيم فريق العمل والاهتمام بكل التفاصيل البسيطة. هذا حياتي وإنجازي.
تقولين إن المرأة قادرة على القيام بأعمال الرجل؟
طبعاً. وبدعم دولتنا حيث تمكين المرأة، انخرطت في كل المجالات. أمي، على سبيل المثال، كانت أماً وأباً وبفضلها وصلنا إلى ما نحن عليه. فالمرأة قادرة على الإنجاز ولا ننكر الدور المساند للرجل ولكن في حال غياب الرجل، فهي قادرة على المضي قدماً حيث وجود الرجل يكون عائقاً في بعض الأحيان.
وسط كل هذه التغييرات في سجلك المهني، ما الإنجاز الأهم في حياتك؟
«أمان» هو الإنجاز الأهم. «أمان» حياتي لأنه يمكنني القول إنه بفضل دعم صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، أنشأت هذا المركز بكل تفاصيله وأنظمته بدءاً من القوانين والمعايير والسياسات الداخلية للمؤسسة إلى اختيار فريق العمل. فكل ما يحيط بهذا الإنجاز رائع وجميل وطموحي أن أخدم دولتي أينما تواجدت.