الروائية لولوة المنصوري: ليس كل ما يقدم عالمياً يستحق الترجمة إلى العربية
كان لنشأتها تأثير كبير في بلورة اسمها كروائية، استقت من تلك البيئة كثيراً من القضايا الفكرية المجتمعية لتمد الحراك الثقافي والأدبي في الإمارات بنتاجها وإسهاماتها الغزيرة، صاحبة أسلوب مختلف في الكتابة وباحثة دوماً عن الوجود الإنساني من خلال الماء منبع الحياة، منذ طفولتها وهي تمسك بالقلم لتخط به وهي في سن صغيرة ما يثبت اختلافها عمن يشاركها نفس العمر، بدا واضحاً تأثير والدها في رسم ملامح إبداعاتها.
هي الروائية الإماراتية لولوة أحمد المنصوري، من مواليد إمارة رأس الخيمة، وحاصلة على بكالوريوس الأدب العربي، إضافة إلى دبلوم في الإعلام الأسري، كما أنها عضوة في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ولجنة تحكيم الدورة الثانية في جائزة الإمارات للرواية.
تصوير: السيد رمضان
نشأت في «سهل جلفار» برأس الخيمة، حدثينا عن التأثير الذي أحدثته تلك الطبيعة بداخلك، وهل كان لها انعكاس على كتاباتك؟
جلفار أكبر من كونه مجرد سهل جغرافي واسع ينبت ما بين بحر وجبل، فهو امتداد للحضارات القديمة والعميقة في تأثيرها في موانئ الخليج والجزيرة العربية، هو موطن الروح والعبور إلى مداخل الحكايات، ومركز اللقاء التجاري والعائلي وصلة الأرحام، ومنبع الأماكن الأثرية والحكايات السحرية اللازمة لمد الأديب والفنان بأهم مرتكزات الإلهام والتعبير والفيض الحسي والرؤى العامرة بالأسئلة، فبلاشك أثرت البيئة كثيراً فيّ وتركت أثرها الذي ما زلت أستقي وأستلهم منه كثيراً من الأفكار، التي تعينني على أن أطوع قلمي لسردها.
يظهر واضحاً في معظم كتاباتك شغفك بالتراث الإماراتي، فهل ذلك من باب المسؤولية أم شيء متأصل في أعماقك؟
هو اتصال عميق بالإرث الإنساني وشغف بالوجود الأكبر وبتاريخ الأبنية الأولى في هذا العالم، شغفي يمتد إلى ما وراء التراث العالمي ولا يقتصر عليه، إذ تتسع مداركي بالوجود كلما توسعت قراءتي عن البشر في عصور قديمة، وأعتقد أن ارتباطي بالتراث الإماراتي الأصيل إنما أساسه المكان الأثري الذي نشأت فيه وترعرعت، فكل زاوية فيه ترشد عن حكاية وسيرة أسر سبقتنا إلى سهل جلفار قبل قرون مضت، أثرت فيه وتأثرت وتركت خلفها إرثاً عظيماً فرض علينا الاهتمام به ونقله للأجيال الجديدة.
تصوير: السيد رمضان
ما طبيعة الكتب التي تضمها مكتبتك الخاصة، وهل اختلفت عن تلك التي حملتها معك من بيت أبيك؟
كانت لي مكتبة في بيت الوالد رحمة الله عليه من صنع يده، ففي بداية شبابه امتهن النجارة واحترف فيها ثم صارت هواية يستمتع بها بعد التقاعد من العمل، وحوت تلك المكتبة كل جهدي الدراسي والبحثي والقرائي ومفضلاتي من الروايات والقصص والمجاميع الشعرية، ثم انتقلت هذه المكتبة معي إلى بيت الزوجية، وكان لابد من تجهيز أخرى أوسع تتسع لما يضاف من كتب عبر الزمن، لتحوي تلك المكتبة كتباً شبه متنوعة ما بين الشعر والدراسات اللغوية والروايات والملاحم الأسطورية، والفلسفة والأفكار الصوفية، وعلوم الفلك، والتراث الإنساني العالمي، إضافة إلى معاجم وقواميس لغوية، وقواميس فلكية وعلمية خاصة بوالدي، رحمه الله، وهي تعد الإرث العزيز والأغلى على نفسي من بين مجاميع الكتب، كما تحوي أرفف هذه المكتبة شهادات التقدير والمشاركات والدروع التذكارية والتقديرية.
للبدايات طعم خاص و«آخر نساء لنجة» هو العمل الروائي الأول لك، حدثينا عن مضمونه والعامل المشترك بين فصوله الأربعة؟
هو سرد لذاكرة مقفلة وباتت في مجملها مفقودة ومهمشة، سيرة لنجة أكبر من أن تُسرد في الروايات الكبرى، إنها حاضرة في كامل بهائها رغم غيابها بين موجات التاريخ المتقلب، نسوة يعشن الفقد والحنين إلى ساحل معتق برائحة أخشاب السفن وبراجيل الهواء وشجيرات الريحان في البيوت العامرة بالضيوف والمسافرين والتجار، ذاكرة بلدة عانت ويلات مسح الهوية وطمس المعالم العربية، فاختار رجالها الهجرة بعوائلهم إلى الساحل الغربي حماية وذوداً عن أصالة النسب العربي وخوفاً من العقاب على ذنوب لم يرتكبوها أبداً سوى أنهم من أصل عربي.
معظم دور النشر تخضع لمعايير تجارية ولا تبحث سوى عن مصلحتها
ماذا عن آخر أعمالك، وما تقييمك لما يواجهه الكتّاب حالياً من تحديات؟
آخر رواية هي «قوس الرمل» وهي تتحدث عن الأنهار القديمة في شبه الجزيرة العربية، وهي مقسمة إلى فصول زمنية مختلفة منها ما يعود إلى ما قبل التاريخ، وفصل زمني حالي، وآخر مستقبلي تخيلت من خلاله ما سيحدث بعد 3 آلاف سنة، وكلها تنصب في بؤرة زمنية تخضع لفكرة واحدة، كما أعمل على بحث يتعلق بالماء في شبه الجزيرة العربية، أما عن التحديات التي يواجهها الكتاب أهمها ما يتعلق بقرار عملية النشر واختيارهم لشيء يرى النور قد يندم عليه بعد ذلك في المستقبل، أما التحدي الثاني فهو ما يواجهه الكاتب مع دور النشر ذاتها، والتي تخضع معظمها لمعايير تجارية لا تبحث سوى عن مصلحتها وبنودها دائماً ما تكون مجحفة تنصب معظمها في مصلحة الناشر.
لكل كاتب شيء يلهمه، فما أكثر ما يساعدك على الإبداع؟
الموسيقى والتجول في الجبال، وملهمات لا حصر لها، لكنها تبقى في حيز الطارئ والصدفة.
لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بكوكبة من اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات
ذكرت أن المزاج الكتابي هو من يساعدك في التنقل بين أجناس أدبية متنوعة من شعر وقصة قصيرة ورواية، فهل هذا هو دليلك للحس الإبداعي؟
مزاج الفكرة نفسها هي الولادة للأجناس الأدبية وطرائق تدبير المسار الأدبي وتنفيذ جهاته وأبعاده، وهي ما تلهمنا نحو بلورتها في عمل أدبي يخضع لمنظومة وسياق كتابي قابل للاحتواء والتمدد أو التكثيف، فالأمر يخضع حسب مزاج الفكرة.
يزعجك التأثر بالأدباء العالميين وترجمة ما يقدمونه دون فرز، فما الذي يقلقك تحديداً؟
ليس الأمر مزعجاً بل هو مقلق فحسب، فالانبهار بترجمة الكم الهائل من الأدب العالمي دون النظر إلى محتواه وعمقه يعد شيئاً سلبياً، فبعض الأعمال العالمية ترجمت عدة مرات واستُهلكت وتم تسليعها بشكل مؤذ، كما أن ليس كل ما كتب بصورة جيدة في رواية ما وفازت بجائزة أن تكون بقية أعمال هذا الكاتب محكومة بنفس الجودة، فليس كل ما يقدم يستحق الترجمة إلى العربية، بل علينا انتقاء الأجود والأثمن والأكثر تأثيراً في الذاكرة.
أعشق سرحاني الطويل الذي يتخلل مهام حياتي اليومية
في أي عمر بدأت الكتابة، وهل تتذكرين أول شيء خطه قلمك، وما التعليق الذي ما زال عالقاً بذهنك؟
كنت أكتب يومياتي الطفولية منذ سن التاسعة من عمري، وفي السنة الثانية في الجامعة خطت يدي أول قصة قصيرة، وكانت في سنة 1999 وحملت اسم «رسالة رثاء طيفية»، ونالت جائزة أفضل قصة قصيرة على مستوى طلبة وطالبات الجامعة، وكانت بمثابة مفاجأة للجميع ونالت إشادة نقدية من أساتذتي، أضافت لي الكثير وأسهمت في خطواتي بعد ذلك.
حدثينا عن أهم الجوائز التي حصلت عليها.
رشحت رواية «آخر نساء لنجة» ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2013، وفازت المجموعة القصصية «القرية التي تنام في جيبي» بجائزة دبي الثقافية لعام 2013، وفازت رواية «خرجنا من ضلع جبل» بجائزة الإمارات للرواية 2014، كما فزت بالمركز الأول عن المجموعة القصصية «قبر تحت رأسي» بجائزة الشارقة للإبداع العربي لعام 2014.
بعض أعمالها التي نالت جوائز- تصوير: السيد رمضان
هل الكتابة هي كل ما يشغل وقتك، أم لديك اهتمامات أخرى تستقطع جزءاً من يومك؟
أنا كائن يسكن في الشرود والذهول العميق منذ طفولتي، هذه الحالة سببت لي متاعب دراسية وأثارت شكاوى المعلمات، وتعمقت في داخلي وصرت أعشق سرحاني الطويل الذي يتخلل مهام حياتي اليومية أثناء الكتابة أو الزراعة أو القراءة أو قيادة السيارة. أسكن بين الشرود والكتابة والقراءة، فهذه هي مهامي الأصيلة وما سواها مجرد مهام تنتمي إلى الأرض والمادة والاستهلاك ولا أرى لذكرها أي أهمية.
يتجلى واضحاً تأثير الوالد «رحمه الله» في تكوين شخصيتك، فهل كان هو نافذتك إلى عالم القراءة؟
علاقتي بوالدي ما زالت تتسع حتى بعد وفاته، كان وما زال معلمي وملهمي الأول حتى في لحظات صمته، إذ كان رجلاً عميقاً وحكيماً وقارئاً شغوفاً ومتأملاً وحاسماً، وأظن أن الكتابة الحقيقية عنه لم تأت بعد ولم تتبلور في شكلها الأدبي، ولو تحدثت عن هذا الرجل العظيم لن تساعدني الكلمات في التعبير عما يجيش بخاطري تجاهه.