في أروقة المكان وتعرجاته، واكبت الصور والموسيقى واللون والذاكرة والتاريخ مهرجان «رأس الخيمة للفنون البصرية» الذي تستمر فعالياته حتى 3 إبريل 2021 في دورته التاسعة، في انتصار ثقافي يسجل في مواجهة جائحة «كوفيد 19».
احتفت إمارة رأس الخيمة بالإبداع وبمعالمها التاريخية التي تؤرخ لعراقة تلك الإمارة في المزاوجة بين موروثها الثقافي واستكشاف المستقبل من خلال اللوحات والمنحوتات والأفلام والصور وورش العمل والتاريخ الشفاهي للإمارة، حيث ضمت المعارض التي وزعت في أكثر من موقع نحو 130 عملاً فنياً لـ 111 فناناً من 49 دولة، سواء لفنانين محليين ومواهب خليجية بارزة من المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين وعُمان إلى فنانين من دول أجنبية، وعروض الأفلام الداخلية والخارجية وورش العمل والجولات المبتكرة والمشاريع التعاونية الجديدة مع آرت دبي ومركز الفنون في جامعة نيويورك أبوظبي.
لماذا حمل المهرجان شعار«الأمل»؟
ليس استثنائياً أن يحمل المهرجان شعار «الأمل» حيث الأعمال المعروضة استأثرت على الروح وقدمت فلسفتها الخاصة تجاه مفهوم الأمل انطلاقاً من خصوصيات ورؤية كل فنان، حيث السؤال الذي رافق المهرجان هو عن ماهية الأمل الذي يمكن أن يقودنا إلى ضفاف الحياة والفرح دون خوف وعن إشكاليات الفن والإلهام وكيفية توظيف الفنان الظروف الصعبة لترجمة لغة حية من الألوان، الصور ومن القدرة على استنباط مفاهيم أخرى للحياة.
وكان صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، افتتح المهرجان منوهاً بأن «الفنون والمجالات الإبداعية تعد مفتاح رفاهيتنا الشخصية والمجتمعية»، لافتاً إلى أن «موضوع الأمل (شعار المهرجان) يعد ذا صلة كبيرة بهذه الأوقات غير المسبوقة ليستكشف أبعاد القوة والرحمة التي تجمع مجتمعنا معاً».
جانب من الاحتفالات
فعاليات وورش عمل متميزة وفريدة
ويحاكي المهرجان بأنشطته وورش العمل وفعالياته المتنوعة ملامح الحنين عبر رصد مواقع من الإمارة على تماس بالذاكرة، وكـأنه باختيار تلك المواقع يهدف إلى إحياء ذاكرة المكان والزمان بشكل استثنائي وفي مرحلة استثنائية.
وفي هذا الصدد، يوضح مدير المهرجان سقراط بن بشر أن ثلاثة مواقع تحتضن المهرجان وهي قرية الجزيرة الحمراء، منصة العرض في جبل جيس وهو أعلى قمة في دولة الإمارات، والحديقة المفتوحة في جزيرة المرجان، وهي الراعي الرسمي للمهرجان، إفساحاً في المجال للحفاظ على الإجراءات الوقائية، حيث عرض 15 عملاً فنياً فيها (في جزيرة المرجان) وتم عرض 15 عملاً فنياً أعلى قمة جبل جيس ويعتبر أعلى معرض فني في دولة الإمارات، وتضمن أسماء إماراتية وخليجية لامعة حضرت المهرجان عبر أعمالها الإبداعية التي عبرت عن شعار «الأمل» بأشكال مختلفة اعترفت بقوة هذا الشعور في هزيمة اليأس، وسط كل الظروف والتحديات.
وفي هذا السياق، يعتبر المهرجان إضافة نوعية للنسيج الفني والثقافي للإمارة حيث يواكب التاريخ الشفاهي لقرية الجزيرة الحمراء على لسان خمسة من المواطنين الذين عاشوا في المكان وعايشوا تفاصيله، ويؤطر هذا المشروع في سياق التواصل مع التراث الثقافي للإمارة وبلورتها بشكل سلس للأجيال الحالية، وبالأخص أنه لا يتوافر تاريخ شفاهي لتلك القرية التي تعتبر خزيناً من الذاكرة والتاريخ والمراحل الفاصلة في تاريخ الدولة سواء سياسياً، اقتصادياً أو اجتماعياً.
يتماهى هذا المشروع مع الحنين المدوي في قلوب بعض من يزور تلك القرية ويتجول بين أروقتها، حيث ترصد وجوه عائلات قدمت لتقفي أثر الذاكرة وغيرها من الشباب الذين يحاولون بلورة صورة واضحة وجلية عن ماضي تلك القرية، آخر مواقع صيد اللؤلؤ في الدولة.
هذا الحنين ينعكس على بن بشر الذي بدوره يواظب على زيارة القرية الحمراء والتجوال بين منازلها والتمعن في تاريخها وجدران بعض المنازل التي لم تزل قائمة «كنت أدخل كل منزل وأصور الجدران وأتبين ألوانها ومن عاش فيها حيث لكل بيت خصائصه وطريقته في رسم الجداريات التي وثقتها. حفظت كل تاريخ المكان وتضاريسه كون السير بين المنازل وعلى وقع كل هذا الهدوء يمدك بصفاء لا محدود وباكتشاف يومي لكل معالم المكان».
لم يوثق المهرجان المعرض كمعرض بل وثق تاريخاً لمكان وزمان وتفاصيل وشخوص لأفراد عاشوا في تلك المواقع أو استنشقوا تاريخها «يمكننا القول إننا أحيينا الجزيرة الحمراء، تلك القرية التراثية التي لا يعرف عنها الشباب والأجيال الصغيرة الكثير وتضم نحو 280 بيتاً».
جذب المهرجان بعضاً من تلك الشرائح إلى جبل جيس وجزيرة المرجان حيث كثير من تلك الصور تجدها بين أروقة المكان: عائلات تزور المواقع وتستطلع اللوحات وتعايش الموسيقى وأسئلة لأطفال تتعلق بالتراث ومفردات الموروث الثقافي الذي يحيطهم وأفراد يسيرون بين الممرات والأروقة وكأن الجزيرة عادت لحياتها.
من أعمال روبرت كلارك
اتسم المهرجان بجماليات المكان والزمان والتواصل مع ثقافات أخرى بتنوعها اللافت، يؤكد بن بشر «يحاول المهرجان رصد ملامح الأمل من عدسات التصوير، الرسم والأفلام واستكشاف ملامح ونوع الأمل بالنسبة للآخر حيث إن أكثر أعمال الفنانين ركزت على حياتهم الخاصة ويومياتهم خلال فترة انتشار«كوفيد 19» بأبعاد مختلفة سواء في الحجر أو أصيب بالمرض أو فقد عزيزاً جراء المرض حيث جسدت أعمالهم مفهوم الأمل من زوايا مختلفة وقدمت هذا العام أقوى الأعمال الفنية».
أعمال فنية عند جبل جيس
كما تعددت ورش العمل داخل القرية التراثية وفي جبل جيس وعبر الإنترنت، وتناولت ورش منها الرسم على البلاط والسيراميك المصنوع يدوياً وفن صناعة القهوة وفن الأداء وفن الخربشة إلى فعاليات أخرى منها يوم الفن المجتمعي والسينمائي في جزيرة المرجان واليوم الودي للحيوانات.
* تصوير: السيد رمضان