31 مايو 2021

د. هدى محيو تكتب: طعم الحياة

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: طعم الحياة

تعرف كل أم تعدُّ الطعام لأسرتها أن الطبخة قد نضجت على النار من رائحتها حتى قبل أن تتذوقها، كما تؤدي الروائح دوراً مهماً في تقارب البشر أو تباعدهم وفي تشكيل ذكريات تطفو إلى الوعي من تجربة شخصية بعيدة، وقد تشكل كذلك جرس إنذار يحذر من خطر وشيك.

بيد أن ما فعلته «كورونا» في الكثير من المصابين بهذا الوباء هو القضاء على حاسة الشم والمذاق لديهم باعتباره من أول عوارض المرض وقد يكون العارض الوحيد.

ويمكن تشبيه فقدان هذه الحاسة بمن يفقد حاسة البصر وهو كبير في السن، فهو يعرف شكل الأشياء المحيطة به ولكنه لا يراها، ومن فقد حاسة الشم والمذاق يعرف طعم الأشياء ورائحتها ولكنه لا يحس بها. وفي حالة «كورونا» يصيبه العارض بشكل مفاجئ ودراماتيكي كما لو أن أحدهم قد كبس على زر وأطفأ هذه الحاسة.

تستعيد الغالبية الساحقة من المرضى حاسة الشم والمذاق بعد شفائها بأسابيع قليلة، بيد أن أقلية منهم يظلون فاقدين لها ولا يعرف الأطباء متى سيستعيدونها وإن كانوا سيستعيدونها يومًا. وفي الحقيقة، لا يعرف العلماء الكثير عن حالة فقدان الشم والمذاق، ومع انتشار الوباء وإصابة الملايين من الناس به حول العالم فإنه قد يترك وراءه الملايين كذلك من دون قدرة على التمتع بعطر الحياة وطعمها.

يصف الكثير من المصابين حالتهم بأنها مصدر قلق عميق وحتى مصدر إعاقة في علاقاتهم الاجتماعية لأن الآخرين لا يرونها ولا يحسون بأهميتها. وقد كتب أحدهم على صفحته الخاصة على فيسبوك يقول «أشعر كما لو أنني غريب عن نفسي، أو كما لو أن جزءًا مني قد ضاع... هو شعور بنوع من الوحدة في هذا العالم، فأنا لم أعد قادراً على الإحساس بما يحس به الآخرون ويختبرونه في أبسط مقومات حياتهم اليومية كالطعام مثلاً».

أما علماء النفس، فإنهم قد عبروا عن قلقهم الشديد إزاء النتائج النفسية التي تترتب عن فقدان حاسة الشم والمذاق لأنهم يعتبرونه عاملاً يهدد صاحبه بالإصابة بحالة قلق واكتئاب. وقد سبق للباحثين، قبل انتشار موجة «كورونا»، أن اكتشفوا أن الخلل في حاسة الشم كثيرًا ما يسبق الخلل في السلوك الاجتماعي والذي يتمثل في الانسحاب من العلاقات الاجتماعية حتى في حالة الأشخاص الأصحاء والذين لا يعانون أي مرض آخر. ومن ناحية أخرى، لا ننسى أن من لا يقدر على الإحساس بالطعم أو الرائحة كثيراً ما يفقد شهيته للطعام ما يجعله عرضة لسوء التغذية وخسارة الوزن بشكل غير مطلوب.

ربما يبتسم بعضهم، ممن لم تصبهم هذه الجائحة أو هذا العارض، ويقول إن فقدان حاسة الشم والمذاق بسبب «كورونا» أرحم بكثير من فقدان الحياة، هذا صحيح لكن... أي متعة للحياة هي من دون طعمها؟

 

مقالات ذات صلة