أمور عدة دفعت شباب كثر للبحث عن فرصة للعيش ضمن منظومة حياة مستدامة، متوافقة مع متطلّبات المستقبل، حيث يضمنون توفر الغذاء، الأمان، الماء، وإدارة الطاقة وكل ذلك مع الحفاظ على البيئة ومواردها، في مدن تتبنّى مفهوم "الاكتفاء الذاتي" ضمن مجتمع يعمل بالطاقة المتجدّدة النظيفة فقط، ويقوم على أسلوب حياة مستدام كلياً، وهي الاستدامة الاجتماعية، البيئية والاقتصادية، الأمر الذي تحفز له قيادة دولة الإمارات شبابها، عبر العديد من الفعاليات والمناسبات المجتمعية والابتكارية التي تهدف لتوعية الشباب بفوائد العيش ضمن منازل وأحياء مستدامة، على غرار مدينة الشارقة المستدامة التي تم تدشينها بعد نجاح التجربة ذاتها في المدينة المستدامة في دبي، ،مدينة مصدر في أبوظبي، حيث تعمل المباني في المدينة بالطاقة المتجدّدة التي يتمّ إنتاجها من الألواح الشمسية المثبّتة على الأسطح، ويتم إعادة تدوير المياه والنفايات وزراعة الخضار والنباتات وإنتاج المنتجات العضوية لتحسين الأمن الغذائي.
لماذا يقبل الشباب على السكن في المدن المستدامة؟
1- حياة استثنائية تلبي احتياجات الإنسان في مختلف المجالات
وفي الوقت الذي يخشى فيه الشباب في العالم من استياء الأمور في المستقبل، وقلة الموارد الطبيعية وزيادة تلوث البيئة، تسير دولة الإمارات نحو استشراف المستقبل، لضمان تحقيق أعلى معايير الحياة المستدامة لشبابها، واحتياجات الإنسان في مختلف المجالات، وذلك عبر مبادرات وتوجهات لغد يحافظ على البيئة والإنسان لتصبح المدن المستدامة عنوان إمارات المستقبل، ولتتحول الإمارات في كثير من مناطقها إلى وجهة حياة استثنائية لجيل المستقبل، سيراً على نهجها منذ التأسيس قبل 50 عاماً. وتقدم مدينة الشارقة المستدامة في أم فنين، بضاحية الرحمانية، نموذجاً عن مدن المستقبل، تمّ تصميمها بما يلبّي ركائز الاستدامة الثلاث وهي الاستدامة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، توفر للشباب مسجداً صديقاً للبيئة، ومدرسة، وصالات رياضية، ومراكز صحية، ومرافق متعدّدة الاستخدامات، والأهم تعزيز فكرة الزراعة الحضرية والزراعة المجتمعية، الأمر الذي دفع شباب كثر للإقبال على السكن في تلك المدن، ولكن منهم من يفتقد الوعي والمعرفة عن هذه الحياة المستدامة، ويخشى خوض التجربة باعتبارها جديدة وتحتاج إلى معايير معينة للعيش فيها.
2- مجتمع متعاون ومتفاعل
وخلال حديث "كل الأسرة" الحصري مع يوسف أحمد المطوّع ، المدير التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة، أوضح المزيد من المعلومات حول شكل حياة الشباب في المدينة المستدامة، وهو من القيادات الشابة الإماراتية، كرّس حياته المهنية للمساهمة في تطوير المدينة لتصبح مدينة رائدة على الصعيد الثقافي والسياحي بالإضافة إلى قطاع الاستدامة في المنطقة، "في البداية أود أن أشير إلى أن المدينة ثمرة تعاون بين هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، و شركة "دايموند ديفلوبرز" للتطوير العقاري، وهي مشروع سكني متعدّد الاستخدامات عالميّ المستوى ويلبّي أعلى معايير الاستدامة إذ يفتقد الجيل الحالي أسلوب الحياة الصحي على المستوى البدني والنفسي، ونهدف من خلال المدينة لخلق مجتمع متعاون ومتفاعل مع بعضهم البعض، حيث نوفر حلولاً عالية التقنية مثل الحدائق العمودية بهدف زيادة إنتاج الغذاء ودعم استراتيجية الأمن الغذائي في الدولة، فتساعد الزراعة الحضرية والبيوت الزجاجية التي تعمل بالطاقة الشمسية في إنشاء مجتمع مستدام ذاتياً، وعلى ذكر الزراعة تتوسط المنازل السكنية الحدائق التي يقوم السكان الشباب بزراعتها، وهي فرصة لتجمع وتعارف الشباب لنعزز قيمة الجيرة ونستعيدها في المدينة بعد أن افتقدناها في حياتنا العصرية الحديثة".
3- بيئة مناسبة لتحسين سلوك الشباب
ترى مريم المالك أن الشباب بحاجة إلى بيئة محفزة على تغيير أسلوب حياة الفرد الذي يسكنها بشكل تلقائي، "في المدينة المستدامة سنتبع السلوك الصحيح باستمرار، من حيث آلية التخلص من النفايات وفرزها، وترشيد استهلاك الكهرباء والماء، بهدف الحفاظ على الموارد وضمان استدامتها للأجيال المقبلة، لذلك المدن المستدامة اليوم هي الاختيار الأول لأفراد المجتمع كافة، ولا شك في كونها هي مستقبل الإمارات، حيث إنها تعتبر من أهم الركائز الأساسية لتحقيق التوازن البيئي، وأتمنى أن تتناسب خدماتها المتكاملة مع مختلف الأعمار في ظل بيئة مثالية ومستدامة، خاصة أنها تشمل شبكة واسعة من مسارات المشي وركوب الدراجات لتعزيز نمط الحياة النشط والتنقل النظيف، وبالتالي تقليص الانبعاثات".
4- حياة صحية لأطفال المستقبل
تقول فاطمة آل حسن "تكامل الخدمات وجودتها وتنافسيتها، بالإضافة إلى استدامتها تعتبر من أهم العوامل المحفزة على السكن في المدن المستدامة، فعندما أفكر في المستقبل، أبحث عن الأجواء المثالية من الناحية الاجتماعية، التي تناسب الأطفال الذين سأنجبهم في المستقبل، فأنا أريد لهم حياة صحية في بيئة محفزة لتلك الحياة، حيث تمتاز بانخفاض درجة الحرارة، نتيجة قلة الانبعاثات الكربونية، كما أنها تعتمد بشكل أساسي على مصادر الطاقة المتجددة، فهذه الحياة ستغير فكري وفكر أولادي تجاه أمور كثيرة، وسنشعر بإيجابية الحياة ونتفاعل مع كل شيء حولنا".
5- بيئة تحتضن الابتكارات و توظف الطاقات لصالح المستقبل
أما بالنسبة لتردد الشباب أو جهل البعض لمفهوم المدن المستدامة، فيرى يوسف المطوع، المدير التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة، "الحياة يجب أن تبدأ من الآن لتأمين المستقبل، من خلال معالجة الأمور المتعلقة بالطقس والغذاء، مثل إغلاق معظم الواجهات المواجهة للجنوب من أجل التخفيف من وطأة الحر، والجدران والأسقف والنوافذ المعزولة والعاكسة للأشعّة فوق البنفسجية، و تقليص استهلاك الكهرباء في أنظمة المنازل الذكية، فهناك ستتم معالجة مشكلات بيئية عديدة، وهذا يفتح المجال لابتكارات الشباب التي يتم تنفيذ الكثير منها في مدينة الشارقة المستدامة، فهي حياة متكاملة توظف طاقات الشباب في مختلف مظاهر الحياة، بداية من السلوك اليومي داخل بيوتهم، وحتى أسلوب التعاون وبذل الجهد للتفاعل والتعاون مع باقي سكان المدينة".
6- تسهيلات لتشجيع الشباب على السكن في مدينة الشارقة المستدامة
وضعت مدينة الشارقة المستدامة تسهيلات عديدة للشباب المقرّر تسليمهم المرحلة الأولى، (280 فيلا) في سبتمبر 2021، منها الإعفاء من رسوم الخدمة خلال السنوات الخمس الأولى، تقديم تجهيزات المطابخ الصديقة للبيئة مجاناً، تقديم أنظمة المنازل الذكية مجاناً، توفير ما يصل الى 50% على فواتير الكهرباء والمياه، تركيب وحدات الطاقة الشمسية على أسطح الفلل والمباني لتوفير 50% تقريباً من استخدام الطاقة، وتحقق وحدات الطاقة الشمسية التي تمّ تركيبها فوق مواقف السيارات توفيراً في استهلاك الكهرباء بنسبة 100% في المناطق التجارية، بالإضافة لصالات اللياقة البدنية الداخلية والخارجية، وكذلك، مسارات مخصصة للدراجات الهوائية والركض، ومحطات شحن ذكية لتشجيع السكّان على اقتناء سيارات كهربائية، مع وفرة في المساحات الخضراء الخارجية، وسهولة الوصول إلى المنتجات الزراعية الطازجة، وأيضاً سهولة الوصول إلى المنشآت الرياضية، وكذلك تنسيق الحدائق بشكل يهدف إلى تجميل المدينة وتوفير القيمة والمنفعة، كما تتوفر صناديق لفرز النفايات في الفلل ومحطّات الفرز على السكك، لتجنّب طمرها وبالتالي منع الانبعاثات الناتجة عنها. كما يتوفر مصنع للغاز الحيوي لمعالجة النفايات العضوية يحول مشكلة النفايات إلى مورد طبيعي (للكهرباء أو الطاقة الحرارية)، كما تتوفر أنظمة استخلاص الماء من الهواء AWG التي تستطيع تحويل الرطوبة الموجودة في الهواء إلى ماء نقي صالح للشرب.
7- انخفاض درجات الحرارة
برج الرياح الكبير في مدينة مصدر
أما مدينة مصدر في إمارة أبوظبي، فقد أصبحت الوجهة المفضّلة للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والاستدامة والاقتصاد الرقمي. وتتوافق مجموعة المكاتب ومحطات العمل المستقلّة وورش العمل الصديقة للبيئة والمصنوعة من حاويات الشحن المعاد تدويرها. وهناك تنخفض الحرارة بضع درجات عن سائر أنحاء أبوظبي، بسبب تصميمها الذكي. ويعود ذلك إلى توجيه شوارع مدينة مصدر على محور جنوبي شرقي- شمالي غربي لالتقاط مرور الرياح وتبريد الأجواء، حيث تم تقليل عرض الشوارع إلى أدنى حدّ ممكن وإنشاء المباني على جانبيها لتظليلها.
8- أسعد مجمع سكني
مدينة دبي المستدامة
وفي مدينة دبي المستدامة يضعون في الحسبان البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية في دولة الإمارات، ويقومون بتطبيق مجموعة من السياسات والخدمات التي تعزز أنماط الحياة الإيجابية في المدينة، حيث كانت هذه الجهود محط تقدير وعرفان جهات محلية وخارجية، فحصدت المدينة المزيد من الجوائز المحلية والعالمية، فقد فازت بجائزة «أسعد مجمع سكني» في الحفل الختامي لجوائز العقارات الخليجية في الدورة الافتتاحية 2017 وفي دورتها الثانية 2018، إذ إن الحصول على هذه الجوائز يعني نجاح التوجه العام للمشروع، كما يقدم وصفة مثالية مع مزيج من الحلول الناجعة التي يمكن الاستفادة منها في ضمان السعادة لسكان المدن حول العالم.
اقرأ أيضًا: ما أسباب انجذاب الشباب لأجهزة الواقع الافتراضي (VR)؟