حين ذهب زوجها للقاء ربه بعد عمر طويل من الحياة المشتركة، كان على ملكة بريطانيا أن تطلع على وصيته في أجواء من السريّة. إن التقاليد العريقة هي عنوان عائلة وندسور المالكة، ومن تلك التقاليد تعيين فترة من السنوات لكتمان فحوى الوصايا. وفي حالة الأمير فيليب، زوج الملكة، فقد تقرر ألا تكشف وصيته لعموم الناس إلا بعد 99 عاماً.
لماذا؟ السبب المعلن هو احترام خصوصية الأسرة والزوجة والأبناء ومراعاة مشاعر إليزابيث الثانية. والحقيقة هي النأي بالوصية عن المهرجان الإعلامي الذي سيحوّل الحدث الحزين إلى مادة لأغلفة الصحف الشعبية وتعليقاتها ومزايداتها. ولكن ماذا عن وصية الملكة نفسها؟
نحن إزاء سيدة تجاوزت التسعين، صاحبة الفترة الأطول في الجلوس على العرش. خاضت بلادها حروباً داخلية وخارجية وتعرضت أسرتها لهزّات تقصم الظهر. لكنها خرجت منها مرفوعة الرأس وإن احدودب ظهرها بعض الشيء تحت ثقل الشيخوخة.
وقد تناقلت الأخبار الخطة التي وضعتها الدولة البريطانية للتعامل مع موت الملكة. لا خالد بين البشر. لقد حددوا طريقة إعلان الخبر ورسموا مسيرة الجنازة ووضعوا قائمة بأسماء زعماء العالم الذين سيجتمعون في لندن من الشرق والغرب، لا واختاروا لون الأزهار التي ستوضع على الضريح. وبما أن صاحبة الشأن عليمة بكل ما يدور حولها، فإن من الطبيعي أن تكون مستعدة لما يأتي به القدر. وأول علائم الاستعداد تحرير الوصية.
هل تحجب وصية إليزابيث الثانية عن الملأ لمدة 99 عاماً؟ من المنطقي أن ترغب جموع البريطانيين في التعرف إلى وصية المرأة التي يشاهدون صورها في الصحف والشاشات والدوائر والمدارس وعلى أكواب الشاي.
إن الأسرار تسقط حين يتعلق الأمر بأشهر امرأة في العالم. إنها ليست ملكة قرن زمني واحد ولا جيل واحد بل ملكة الأجيال. لذلك فإن الكلمات التي ستتركها لشعبها لا تخص أسرتها وحدها، بل مستقبل العرش البريطاني.
من الطبيعي أن توصي ربّة الأسرة أبناءها وأحفادها بالتكاتف والمحبة واحترام الألقاب النبيلة التي يحملونها. ولا شك في أن لديها ما تقوله لرعايا مملكتها المتحدة من عدة أقاليم. وهي قد لا تغيب مطمئنة إلى استمرار العرش، لكنها مرتاحة البال والضمير إلى أنها لم توفّر جهداً في الحفاظ عليه. ماذا يكتب البشر في وصاياهم غير ذلك، سواء أكانوا ملوكاً أم رعاة غنم؟ إن توزيع الأملاك ليس أهم ما يمكن أن تتضمنه وصية إليزابيث الثانية.