د. ليلى البلوشي: أؤمن أن لكل فرد مفتاحاً شخصياً أحاول اكتشافه
قادها حس الاستكشاف إلى تشريح الحشرات وأي حيوان يقع بين يديها. منذ طفولتها والدكتورة ليلى حبيب البلوشي تكوّن مسارها الخاص وتبني نفسها بنفسها لتدرس في مجالات مختلفة وتعمل في مجال المصارف وتنتقل إلى عالم التنمية البشرية وتكون أول مدربة إماراتية في مجال تناغم وحوار الثقافات كما أول مدرب معتمد في تدريب الأطفال في منطقة الشرق الأوسط للإطلالة بهم على آليات التعايش مع ثقافات البلدان التي ينتقلون إليها.
سعت للتعلم وحصلت على دكتوراه في علم الاجتماع وحازت تكريمات وجوائز عدة ولكن الأهم كانت وقفتها في مؤتمر عالمي في فرنسا لتدحض صورة الإرهاب عن الإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر.
عاشت د. البلوشي الكثير من محطات الإنجاز على صعيد برامج تمكين المرأة، التعامل مع الطفل ورئاستها لجمعية سيتار - الفرع العربي وكمدير تنفيذي لمركز الغربية للاستشارات والتدريب في أبو ظبي وغيرها من أدوار تطّل عليها في حوارنا:
تصوير: السيد رمضان
عشت طفولة متمردة نوعاً ما ، ماذا تحدثيننا عن تلك المرحلة؟
ليست طفولة متمردة، بقدر ما هي كانت طفولة مختلفة عن أقراني. كنت أحب مجال التشريح وأعمد إلى تشريح أي حشرة تقع بين يديّ واستكشاف ما بداخلها. مجال علم الأحياء كان شغفي منذ الطفولة حيث أنشأت مختبراً داخل المنزل أشرّح فيه حشرات وحيوانات ومنها القطط التي كنت أفرّغ أحشاءها وأحنطها ووصل بي الشغف إلى استهلاك مصروفي الخاص في شراء كتب تختّص بتقنيات التحنيط والتشريح وكنت أستخدم أدوات بدائية في التحنيط.
وما كان الدافع وراء هذا الشغف؟
الفضول وحب اكتشاف المجهول كانا دافعي لهذا الشغف ومنذ الطفولة، كنت قارئة نهمة من الصف الثالث ابتدائي والفضل لمعلمة الصف التي كانت تولي الاهتمام الكبير بهذا الجانب، ما ساعدني على القراءة في سن مبكرة. ولكن حدث أن المختبر فاحت رائحته بعد أن تعفنت بعض الحيوانات وعدت آخر اليوم من المدرسة لأجد أهلي قد أزالوه. بدأت من جديد و تعلمت في المدرسة بعض الأسرار عن التحنيط وبت أشارك في معارض بالحيوانات المحنطة وأضعها في مختبر العلوم.
تحملت مسؤولية نفسي بعد الثانوية ومذ كان عمري 16 عاماً، اعتمدت على نفسي اعتماداً كلياً وإلى اليوم.
خرجت عن المألوف في محيطك المجتمعي وقررت استكمال دراستك الجامعية ، أخبرينا عن هذا الموقف؟
أنا من أسرة جداً محافظة حيث الزواج للفتاة يكون بمجرد إنهائها المرحلة الثانوية ولكني «وقفت في وجه المدفع» ورفضت هذا الشيء وبدأت أدرس وعملت في مصرف إلى أن قرأت في إحدى الصحف إعلاناً عن مساقات مسائية في جامعة عجمان. فكنت أدرس وأعمل في آن وأصرف على دراستي كون أهلي رفضوا موضوع الدراسة. تحملت مسؤولية نفسي بعد الثانوية ومذ كان عمري 16 عاماً، اعتمدت على نفسي اعتماداً كلياً وإلى اليوم. حاولت أن يتذوق أهلي طعم النجاح وبدأوا بالاقتناع أن البنت قادرة على النجاح والإنجاز وقد شجعت أخواتي الأكبر مني سناً على استكمال تعليمهن العالي وبدأن يولين الاهتمام بهذا البعد.
خلال إحدى مشاركاتها
كنت امرأة في سدة القرار وترأست فريق المدربين للخدمات المصرفية على مستوى الشرق الأوسط في بنك HSBC؟
عملت كمديرة تدريب للشرق الأوسط بعد خمس سنوات من العمل الدؤوب وجاء الأمر بعد تحد وعقبات كثيرة. أي فرد سواء كان رجلاً أو امرأة مجرد ما إن يرى من أمامه يعي ما يقول وينفد ما يقول، فإن الاحترام يفرض نفسه والمعرفة تفرض نفسها لكون قرارات صاحب القرار لا تكون مهزوزة، ما ينعكس على احترام الآخرين له. كنت، في أي مكان عمل، أصنع جواً من الألفة والاحترام وجواً عائلياً تسوده المساندة وخدمة بعضنا البعض لنصل إلى تحقيق أهداف المؤسسة. كما كنت أؤمن أن لكل فرد مفتاحاً شخصياً أحاول اكتشافه، ما يساعدني على بناء علاقة ممتازة مع فريق عملي.
وهذا ما حصل، حيث إن محاولة اكتشاف الآخر قادتك إلى مجال التدريب والتنمية البشرية؟
دخلت مجال التدريب في لحظة «صدفة». أحد المرشدين الأكاديميين الذي كان يوجهني ويرصد مسار التطور في حياتي طلب مني تقديم برنامج تدريبي لرائدات الأعمال في غرفة تجارة وصناعة أبوظبي والعين في برنامج «جواز العمل للباحثين عن وظيفة» وأكد لي أنك مدربة رغم أني لست كذلك ، ولكن منذ صغري كنت أدرس أخواتي وأساعد بنات الفريج وأعلم كل من يحتاج للمساعدة. رفضت في البداية وبعد إلحاح، بدأت المهمة وكانت المجموعة أكبر مني سناً وكنت وقتها في بداية حياتي العملية. وكنت أول مدربة في عمر لا يتعدى الـ19 عاماً في التسعينات.
ما الذي بلور شغفك بالتدريب ، وكيف توصلت لتكوني أول مدربة في مجال تناغم الثقافات؟
استهواني التدريب من باب الشغف بالمعرفة كوني قارئة نهمة وفي كل المجالات. بدأت بالتخصص في مجالات علم الاجتماع وعلم السلوك البشري ودرست الكثير من المجالات كما كان الدافع وجود مدرب يقترب من الناس ويوصل العلم والمعرفة بأسلوب شيق، مرن ومنمّق.
وكان أول مؤتمر أحضره في نيس الفرنسية و طلب مني تقديم ورقة عمل عن أحداث 11 سبتمبر أمام أجانب و ذوي خبرة وكان المؤتمر يتناول تناغم وحوار الثقافات في وقت كان العالم يوصم العرب والمسلمين بالإرهاب. وقفت أمامهم وتحدثت باللغة العربية في البداية ثم تناولت قصة «ألف ليلة وليلة» حيث كان شهريار يعدم كل يوم امرأة ولكنه مجرد ما أعطى فرصة لشهرزاد أن تتبادل معه الحديث لتتحول الليلة إلى ألف ليلة ويتحول الحقد والكره إلى حب. فمتى نعرف الآخر ونسمعه دون أحكام مسبقة، نبني معه جسور التناغم ونعطيه الفرصة لتوضيح وجهة نظره. وكانت هذه أول ورقة عمل ومنها دخلت لأكون أول مدربة في تناغم وحوار الثقافات وتمّ تعييني بعد المؤتمر الممثل الرسمي لجمعية سيتار العربية، وهي تعنى بتناغم وبناء جسور التواصل بين الثقافات المختلفة.
أنت أول مدرب معتمد في تدريب الأطفال بهدف تعايش هذه الشريحة مع ثقافات البلدان التي ينتقلون لها؟
على صعيد الطفل، أتعامل مع الأطفال الذين ينتقلون من بيئتهم إلى بيئة عربية وأدربهم على التأقلم على المجتمع الذي يعيشون فيه وكيفية الاستفادة من التجربة كتعلم الثقافة العربية وتدريبهم على الأمور الحياتية والمنظومة السلوكية السائدة في المجتمع.
وعلى صعيد أولياء الأمور، أوجههم للتعامل مع الطفل بأنماط مختلفة سواء الطفل العصبي، للمتمرد، المصاب بالتوحد أو من يعاني أمراضاً مزمنة حول كيفية احتوائه واحتضانه. وثمة نوعان من أولياء الأمور: من يتركون أطفالهم للخادمات والمدرسة وآخرون مهتمون وذوو ثقافة ووعي كامل بأهمية تربية أطفالهم بطريقة صحيحة تعتمد على منهجية التربية الحديثة.
فهناك أسرة ومجتمع ومدرسة وبيئة ولكل دوره ولكن هناك دوراً نغفل عنه وهو تنشئة الطفل وتعليمه على الاعتماد على نفسه وتحمل المسؤولية وزرع داخله وازعاً للتمييز بين الصواب والخطأ.
ممتنة لله أن وضعني مجال يستطيع الفرد من خلاله تغيير العالم.
البصمة في مجال المرأة وما التغيير الذي تلمسته لدى بعض الأفراد؟
ملف تمكين المرأة كبير ومتشعب ويجب أن يكون المدرب واعياً لمسار مجتمعه وقيمه ليكيّف الملف تبعاً لمبادئ المجتمع وتغيرات العصر. وكمدربة حياة، أخوض مع الشخص خطوة خطوة نحو مرحلة التغيير الذي يبتغيه. وأنا ممتنة لله سبحانه وتعالى أن استطعت تغيير مسارات العديد من الأشخاص. فالتنمية البشرية شيء مقدس يمكنك من مد يد العون للآخر وممتنة لله أن وضعني مجال يستطيع الفرد من خلاله تغيير العالم.
ما التكريم الأقرب إلى قلبك؟
نلت جوائز وتكريمات عدة، بيد أن التكريم قد يأتيني من شخص كان بحاجة لاستشارة وجاء ليشكرني ويقول «لقد تغيرت ووصلت إلى هدفي»، وهذا ما لفتت إليه إحدى المشاركات في برنامجي، وهذا أكبر تكريم وأكبر جائزة من الله سبحانه وتعالى أن أكون سبباً في تغيير فرد وتحويل مسار حياة الفرد إلى الأفضل.
غايتي في الوجود هو خدمة «اقرأ» وهي أول آية نزلت في القرآن الكريم، وهي رسالة العلم والتعلم وأنا نذرت نفسي للتعليم والتنمية وبشتى الطرق لإيصال العلم والمعرفة للآخر في شتى بقاع الأرض.