24 يناير 2022

المحتالة التي باعت للناس اختراعاً وهمياً لتحليل الدمّ

كاتبة صحافية

كاتبة صحافية

المحتالة التي باعت للناس اختراعاً وهمياً لتحليل الدمّ

بعد سبعة أيام من المداولات، أصدرت محكمة فدرالية في كاليفورنيا حكماً بإدانة إليزابيث هولمز بتهمة النصب والاحتيال على آلاف المستثمرين في قطاع التكنولوجيا الحديثة وشركاتها التي تتخذ من وادي السليكون في الولايات المتحدة مقراً لها.

من هي هذه المحتالة الشابة التي نجحت في رفع قيمة شركتها الخاصة إلى 9 مليارات دولار؟

المحتالة التي باعت للناس اختراعاً وهمياً لتحليل الدمّ

هي في السابعة والثلاثين، شقراء جميلة بالغة الذكاء وكانت من نجوم المهنة التي تشتغل فيها وتحلم بتغيير العالم. لكن هناك من الذكاء ما أوقع بصاحبه في خطأ يتفاداه الأغبياء. ففي الثالث من الشهر الماضي، بعد عطلة رأس السنة مباشرة، صدر الحكم القضائي بإدانة إليزابيث هولمز، صاحبة شركة «تيرانوس» للتكنولوجيا الحديثة، بتهمة التلاعب بأرقام ومدخولات الشركة والضحك على ذقون المستثمرين الذين اشتروا أسهمها بمبالغ تفوق قيمتها الحقيقية.

إنها اليوم مطلقة السراح بكفالة باهظة لكنها معرضة لأن تمضي سنوات طوالاً من حياتها في السجن. والحقيقة أن قائمة المدعين تضمنت تهماً جانبية أخرى لكن المحققين فشلوا في إثباتها.

شبكة معقدة

المحتالة التي باعت للناس اختراعاً وهمياً لتحليل الدمّ

طوال أشهر كان المحققون يحاولون فك الشبكة المعقدة للنظام المالي التي تعمل وفقه شركات التكنولوجيا الرقمية الحديثة التي تتجمع في وادي السليكون بولاية كاليفورنيا. إن الأموال تتدفق بالمليارات في ذلك الوادي، خصوصاً عند صعود أحد الأسماء باعتباره العبقري صاحب الحصان الرابح، وبالتالي رهان المستثمرين على أسهم شركته التي يديرها بمهارة.

هذه كانت حال إليزابيث هولمز التي ذاع صيت شركتها المتخصصة في تقنيات تحليل الدم بحيث تمكنت بين عامي 2000 و2015 أن تحصل على ما مجموعه 900 مليون دولار، وبلغ طموحها أنها أعلنت بأنها حققت ثورة في الميدان الطبي. وبهذا الطموح ارتفعت قيمة الشركة حتى بلغت 9 مليارات دولار... قبل أن تهوي إلى قاع الخسارة.

المحتالة التي باعت للناس اختراعاً وهمياً لتحليل الدمّ

صدقها الكثيرون وتحمسوا لها

في الصيف الماضي بدأت محاكمة المتهمة التي توصف بأنها كانت «العصفورة الفريدة» في مجال يسيطر عليه الرجال هو شركات التكنولوجيا المتطورة. لقد أسست شركتها عام 2003 واستطاعت خلال 7 سنوات أن تصبح الرقم واحد وأيضاً أصغر مليارديرة في وادي السليكون. وكان سبب نجاحها هو زعمها التوصل إلى طريقة جديدة في تحليل الدم، تقوم على سحب كمية ضئيلة من الدم عبر شكّة صغيرة في إبهام اليد، يمكن لأي كان أن يقوم بالفحص في بيته من خلال جهاز نقال ويحصل على النتيجة في ثوان.

لقد صدقها الكثيرون وتحمسوا لها واعتبروها من أصحاب الأدمغة الخطيرة. لكن شركتها لم تعد موجودة اليوم.

12 تهمة احتيال

تضمن ملف الدعوى 12 تهمة من تهم الاحتيال والخروج على القانون. وقد حددت للمحكمة فترة 13 شهراً، أمام لجنة من المحلفين ضمت 7 رجال و5 نساء. وفي حال تنفيذ الحكم فإن السيدة هولمز تواجه حكماً بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاماً، وهي نهاية حزينة لشابة كانت تحلم بفتوحات تدخلها التاريخ، فهي مثل بيل جيتس ومارك زوكيربرج وستيف جوبز، تركت الدراسة في جامعة ستانفورد لأنها كانت على عجلة من أمرها للمضي في «تغيير العالم». تلك كانت كلماتها. فهي لن تضيع الوقت في قاعات المحاضرات ومختبرات الكلية لكنها ستبدأ تنفيذ أفكارها وجني الأموال الطائلة.

ويقول الذين عرفوا إليزابيث في صباها أنها كانت مثل راهبة تعشق العلم وتتعبد في محرابه، لكن أياً منهم لم يتوقع أن تحقق ما حققته من صعود صاروخي سريع.

المحتالة التي باعت للناس اختراعاً وهمياً لتحليل الدمّ

هل كان الجهاز الذي اخترعته مجرد كذبة؟

يبدو أنها خططت للكذبة بمنتهى البراعة. وكانت تتحدث عن مشروعها بصوت عميق تعلمته على يد ممثل متخصص في التدريب. وبفضل عينيها الزرقاوين الواسعتين فإنها كانت تمارس ما يشبه التنويم المغناطيسي على زبائنها.

كان ستيف جوبز، مؤسس شركة «آبل»، مثالها الأعلى في تلك الفترة المبكرة من شبابها. وكانت تقلده في ارتداء بلوزة سوداء ذات رقبة عالية وقررت أن تصبح نباتية مثله. لقد كانت ذات طاقة مدهشة بحيث تفوقت في قوة شخصيتها على الرجال المشاهير الذين سبقوها في ميدان تخصصها.

كانت تبشر بمختبر لتحليل الدم بأقل كلفة وأسرع مهلة وأقل ألماً للمريض. وقد سحر كلامها رؤساء مثل بيل كلينتون وباراك أوباما اللذين كانا من المعجبين بها وقدما لها الدعم.

أما وسائل الإعلام فلم تكن تتوقف عن كيل المديح لها والتغني بموهبتها. ولهذا تمكنت من بلوغ أوساط كبار أثرياء أمريكا وإقناعهم بالاستثمار في مشروعها. ومن المعروف أن الناس تقلد الكبار والناجحين، فإذا اقتنى أحدهم أسهم شركة ما فإن المئات يتبعونه. هذا ما كتبه جون كاريرو، الصحفي في «وول ستريت جورنال» الذي كان وراء الفضيحة التي قضت على أسطورة إليزابيث هولمز. لقد نشر تحقيقاً كان بداية لتراجع شركتها ثم إغلاقها بالكامل بعد 3 سنوات.

إليزابيث هولمز في المرحلة الثانوية
إليزابيث هولمز في المرحلة الثانوية

كل المغامرة بدأت وهي مراهقة. كانت تشعر بالرهاب عندما تضطر لإجراء فحص للدم. ولما دخلت الجامعة كانت تحلم بلصقة توضع على الجلد، لا ترعب المريض ولا تؤذيه ولا تأخذ منه أكثر من المسحة اللازمة لإجراء كل نوع من أنواع التحاليل. لقد عرضت فكرتها على البروفيسور في الطب فيليس جارنر لكنه لم يقتنع بها.

لكنها مضت في مشروعها رغم أنها لا تملك أي خبرة في الطب بل كانت في سنتها الثانية بكلية الهندسة. وهكذا سجلت فكرتها في مكتب براءات الاختراع وتخلت عن الدراسة واستطاعت الحصول على أول مليون دولار من المستثمر المجازف تيم درابر الذي كان من أصدقاء العائلة.

تلك كانت بداية الانطلاق. وبعدها تركت اللصقة لصالح إبرة متناهية الصغر لا توجع الإصبع. ولما حاول بعض العاملين معها تنبيهها إلى فشل هذه الطريقة وشككوا في دقة نتائجها فإنها هاجمتهم ووصفتهم بافتقادهم روح العمل الجماعي.

اليزابيث هولمز تجلس بجوار بايدن عندما كان نائباً للرئيس
اليزابيث هولمز تجلس بجوار بايدن عندما كان نائباً للرئيس

راح الزبائن الذين يقصدونها لسحب الدم يتعجبون من الجو البوليسي في الشركة، وكان هناك رجال يرتدون بدلات سوداء ومزودون بسماعات يرافقونهم حتى في دورات المياه.

وكانت صاحبة الشركة لا تتحرك إلا مع حراس شخصيين وقد حصنت نوافذ مكتبها بزجاج مقاوم للرصاص. كما كان هناك مرضى نددوا باختراعها وأرادوا كشف احتيالها فأرسلت إليهم جيشاً من المحامين لتخويفهم ومنعهم من التقدم بشكاوى ضدها.

وكانت تقول للصحفيين «لا تستمعوا إلى العلماء لأنهم من هواة التباكي ورفض الجديد»، وبإصرارها ونفوذها نجح جهازها في اجتياز الرقابة التي تقوم بها دائرة الأغذية والدواء الأمريكية.

كان اختراعها مثيراً بحيث إن الكل أراد له النجاح. لكن اثنين من المعترضين لم يهتما بالتهديد ووافقا على الحديث للصحفي الذي نشره تحقيقه ضد شركة هولمز.

خلال ذلك، كانت شركة «تيرانوس» قد تمكنت من عقد صفقات لتسويق جهازها مع كبريات المتاجر مثل سلسلة «سيفوي» و«والجرينز»، وفتحت لها مراكز باسمها.

وفي عالم المليارات يشتغل خبراء في التزوير وغسل الأدمغة. كانت الكذبة كبيرة ومدروسة ومخدومة بحيث إنها تحولت إلى حقيقة. لكن تحقيق الصحفي جون كاريرو انتهى بصدور قرار بمنع إليزابيث هولمز من التعامل مع أي مختبر لتحليل الدم. وتبع ذلك التشكيك في قيمة أسهمها في البورصة فانهارت أسعارها وتبخرت الشركة وكأنها لم تكن.

ولتفادي السقوط وافقت هولمز على دفع غرامة قيمتها نصف مليون دولار لكن ذلك لم يساعد سوى في تأخير قبول الشكوى ضدها في المحاكم، وهو ما بدأ في صيف 2018 وانتهى بالإدانة هذا الشهر.

تزوجت المتهمة من بيلي إيفانز وأنجبا طفلاً. وزوجها هو وريث سلسلة من الفنادق الكبرى، وكان يرافقها لحضور الجلسات، لكن الصحفي كاريرو شكك في كونها تزوجت وحملت لمجرد تأخير جلسات التحقيق والمحاكمة.

إليزابيث هولمز وزوجها
إليزابيث هولمز وزوجها

من أين جاء طموحها ومن بنى لها شخصيتها الجبارة؟

كان أبوها موظفاً عادياً، لكنها كتبت في سن التاسعة «ما أريده من حياتي هو اكتشاف شيء جديد». وعندما كانوا يسألونها عما تود أن تكون عندما تكبر فإن جوابها هو «أن أصبح مليارديرة». وفي مجلة المدرسة الثانوية كتبت أنها تنوي «إنقاذ العالم». وكبداية راحت تتعلم اللغة الصينية وسافرت إلى الصين في رحلة تعليمية.

كما تعرفت إلى مهندس من أصل باكستاني يدعى راميش بلواني، جمع ثروة من بيع اختراع له، ورغم فارق السن بينهما البالغ 20 سنة إلا أنهما عاشا قصة حب سرية، وقد عينته مديراً عاماً لشركتها... وهو قيد التحقيق والمحاكمة معها، حالياً. وفصول القضية لم تنته بعد.

 

مقالات ذات صلة