18 يونيو 2022

سارة شهيل : تساؤلات ابنتي الوزيرة نورة الكعبي قادتني الى منظور مختلف

محررة في مجلة كل الأسرة

سارة شهيل : تساؤلات ابنتي الوزيرة نورة الكعبي قادتني الى منظور مختلف

بين مرحلة وأخرى، لا تقف سارة إبراهيم شهيل مدير عام مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية - إيواء في منتصف الطريق. تنتقل من ميدان إلى آخر بروح التحدي وهي تحمل قيمها كأم ومربية أجيال وتتماهى معها في كل خطوة من حياتها.

حصلت على جائزة المرأة الملهمة ضمن جوائز «لوفيسيال للمرأة العربية أبوظبي» نظير إنجازاتها في تمكين ضحايا الاتجار بالبشر، بالإضافة إلى جائزة «بتروكيم» عن فئة المجال الإنساني.

في حوارنا معها، تطّل سارة شهيل على تجربتها في مجال التعليم وفي مراكز «إيواء» وتترجم، من خلال إجاباتها، فلسفتها الخاصة في التعامل مع ضحايا الاتجار بالبشر، كما تحدثنا عن علاقتها بابنتها الوزيرة نورة الكعبي:

سارة شهيل : تساؤلات ابنتي الوزيرة نورة الكعبي قادتني الى منظور مختلف
اكسبو 2020

بدأت كمدرسة في مدرسة أم عمار الثانوية للبنات.. كيف تستعيدين ملامح تلك المرحلة وما أجمل المواقف التي تذكرينها؟

بدأت كمدرسة في مدرسة فلسطين الإعدادية ثم تدرجت في الوظائف الإدارية كمشرفة في مدرسة زبيدة الابتدائية ومن ثم وكيلة في المدرسة ذاتها ومن ثم مديرة القادسية الثانوية وآخر محطة لي، كنت مديرة مدرسة أم عمار الثانوية والتي استمرت لنحو 16 عاماً. أستعيد تلك المرحلة وأنا أشعر بالفخر والاعتزاز لكوني مربية أجيال وأماً وتربوية حيث شاركت وساهمت في تربية جيل من الفتيات وتنشئته وغرست ما استطعت فيهن من قيم ومبادئ تساعدهنّ في مسيرتهن وحياتهن العلمية والعملية.

فبناء الإنسان ليس بالأمر السهل وغرس القيم الإنسانية يأتي في صلب عملنا كون الإنسان يحصد ما يزرع ولهذا والميدان التربوي يحتاج إلى جهود حديثة لاستمرار التميز والنجاح.

من حملات مركز أبو ظبي للإيواء والرعاية الإنسانية


كيف ترصدين دورك في مركز «إيواء» منذ تسلم إدارته وما أبرز الإنجازات التي حققتها؟

ترأست مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية - إيواء منذ إنشائه عام 2008، وكان يُعرف وقتها باسم «مركز إيواء النساء والأطفال». ثم شهدنا في المركز، بحمد الله، توسعًا كبيرًا في نطاق العمل على مدار السنين، خاصة عام 2020، حين أصدر المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي قرارًا بمنح المركز مزيدًا من المسؤوليات والصلاحيات، بحيث يشمل خدمات الرعاية والتأهيل والتمكين لشتى حالات العنف والإيذاء في أبوظبي، بعد أن كان دوره مقتصرًا على تقديم الخدمات ذاتها لضحايا الاتجار بالبشر في الدولة فقط. وكلّل هذا القرار نجاحاتنا المستمرة في تقديم الخدمات لمئات الضحايا ومساعدتهم في حل قضاياهم وإعادة تأهيلهم وتمكينهم من الانخراط في مجتمعاتهم بشكل فاعل. ومن أبرز إنجازاتنا، تعاملنا مع أكثر من 300 حالة اتجار بالبشر، وتلقى خطنا الساخن آلاف المكالمات منذ تدشينه.

لم يقتصر دورك على إدارة المكان، بل دعمت الجانب التخصصي وحصلت على دبلوم في الاتجار بالبشر؟

لابد لأي شخص من أن ينمي معارفه ومهاراته الشخصية باستمرار وهذا الدبلوم أتاح لنا التعمق في التعرف إلى أبعاد جريمة الاتجار بالبشر، والتي تعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان واستهانة بالقيم الإنسانية، وهذا الدبلوم أطل بنا على جانب التأهيل وصقل المهارات للتعامل بكفاءة ومهنية عالية في كل ما يختص بهذه الجريمة النكراء.

سارة سهيل أثناء افتتاح معرض
سارة سهيل أثناء افتتاح معرض " قطع البولنغ"الفني في "إكسبو 2020"

في مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء، ثمة الكثير من الحالات المؤثرة التي بالطبع قادتك إلى مكامن من التعاطف. كيف تعاملت مع هذا الواقع؟

تم إيداع حالات كثيرة في «إيواء» تركت أثرًا في نفسي وأبكتني. وأكثر هذه الحالات إيلامًا طفلة تعرضت للإهمال من قبل الشخص الذي يتوقع أن يحميها ويدرأ عنها الخطر، وهو الأم، حيث عرضت ابنتها للحرمان من التعليم وأودعتها لدى أشخاص غير مؤتمنين قام أحدهم بالاعتداء عليها بالتحرش. وكانت تعاني الطفلة مرضاً نفسياً يتطلب العلاج الدوائي، الذي امتنعت الأم عن توفيره بالإضافة إلى عدم إلحاق ابنتها بالمدرسة. عندما التقيتها للمرة الأولى، كانت مشاعر الحزن والصدمة تسيطر عليّ حيث يظهر عليها الإجهاد والجوع وكنت أتساءل: «كيف لقلب الأم أن يحمل كل هذه القسوة على فلذة كبدها؟». الطفلة لم تزل معنا حالياً وتتم متابعتها من الناحية الصحية والدراسية وكلما قمت بزيارة المأوى، أرى نظرة الأمل والأمان في عينيها وتغمرني السعادة. وحاليًا، هي لا ترغب في ترك المكان ونحن لن نتركها حتى نتأكد من توافر البيئة الآمنة لها.

يوفر مركز أبو ظبي للإيواء والرعاية الإنسانية خدماته لشتى ضحايا العنف والإيذاء في إمارة أبوظبي وضحايا الاتجار بالبشر في الدولة

نعرف أن المركز يوفر الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية للضحايا. كيف يتم دعم هذا الجانب؟

يوفر المركز خدماته لشتى ضحايا العنف والإيذاء في إمارة أبوظبي وضحايا الاتجار بالبشر في الدولة. ونظرًا لتنوع ظروف كل حالة من تلك الحالات، يتيح المركز نموذجًا شاملًا للرعاية يقدم من خلاله الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي والمهني والاستشارات وتوفير المأوى وغيرهم، بالإضافة إلى الترحيل الطوعي أو إيجاد وطن بديل للناجين من الاتجار بالبشر. ووفق احتياجات كل حالة، يتم وضع برامج إعادة التأهيل والتمكين لضمان تحويلها من ضحية لفرد سوي ومنتج في مجتمعه.

كما يتسم المركز بدور وقائي وتوعوي يضطلع به بالعمل مع شركائه عبر ورش العمل والملتقيات والجلسات والمعارض الفنية، وشاركنا مؤخرًا في إكسبو 2020 دبي ومهرجان أبوظبي لتوعية الأفراد بآثار العنف والإيذاء تجاه المرأة والطفل، وغيرهما من الفئات.

ثمة دراسة تعاونتم فيها مع دائرة تنمية المجتمع تضمنت استبانة العنف الأسري. ماذا عن تقصي 6 أنواع من العنف؟

تعّد الاستبانة أداة لرصد وتحليل مدى رضا الأفراد عن خدمات المؤسسات الحكومية، المتعلقة في موضوع العنف ومدى رضاهم عن خدمات دمج الضحايا في أسرهم والمجتمع، وهي تركز على أنواع العنف المختلفة التي تمّ تحديدها في سياسة حماية الأسرة التي أطلقتها حكومة الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وهي العنف الجسدي، اللفظي، النفسي أو المعنوي، الجنسي والعنف الاقتصادي والإهمال.ونظرًا لصلاحيات المركز الجديدة، حرصنا على إطلاق الاستبانة والحصول على نتائجها لتطبيق المخرجات على عملنا وتطوير العمليات بخطوات مدروسة.

مع ابنتها الوزيرة نورة الكعبي
مع ابنتها الوزيرة نورة الكعبي

الوزيرة نورة الكعبي هي ابنتك وهي موضع فخر لك. كيف توضحين لنا ملامح علاقتك بها وإلى أي مدى تتبادلان الأفكار والمعرفة؟

أنجبت ابنتي نورة في سن صغيرة، وهي ابنتي البكر.كانت مواقفي معها مصدر إلهام على مدار حياتي المهنية، مع التحديات التي كنت أواجهها معها، وبالطبع، مع إنجازاتها ولحظات الفخر والسعادة.

كانت نافذة أطل من خلالها على طباع الإنسان ونشأة أفكاره وعقليته وتبلور شخصيته، وأفادني هذا الأمر كثيرًا خلال عملي في مجال التعليم ومن ثم المجال الإنساني. وخلال عملي في قطاع التعليم، اكتشفت مع ابنتي نورة أن الطفل بقدر ما يتطلب تربية، يكون هو في حد ذاته حافزًا لتهذيب الذات، وهو وسيلة لاكتساب الصبر ورؤية البعد المستقبلي للأمور. ولطالما دفعتني تساؤلاتها المستمرة لرؤية العالم حولي بمنظور مختلف.

وتعلمت من خلالها، خاصة في سنواتها الأولى، أن التعامل مع البشر لا يستقيم بأسلوب واحد، فلكل شخص طباعه، وحتى الشخص ذاته يتطور مع الوقت مع اختلاف مراحل حياته وبناء على هذا التغير لا بد للقائم على مصالح الناس من أن يتكيف ليبقى قريبًا منهم ويراعي مصالحهم ويقوم بدوره تجاههم.

وعندما كبرت نورة وبدأت حياتها المهنية حتى أصبحت وزيرة الثقافة والشباب، بحمد الله، تأكدت من أنها تعلمت تلك المفاهيم السامية واكتسبت صفات التواضع والقرب من الناس والحرص عليهم. إلا أنني لا أكتفي من حثها على أن تكون أقرب وأن تبذل كل ما لديها لأجل رفعة هذا الوطن من خلال بناء الإنسان. ونحن لدينا اختلافات بطبيعة الحال لأننا جيلان مختلفان، إلا أن لدينا هذا الاهتمام المشترك بتطوير الإنسان وتنميته.

وهذا النجاح الذي حققته مع ابنتي والفهم الذي اكتسبته منها كان يصبّ في عملي في المجال الإنساني، فأنا حتى الآن أرفض أن أكتفي بالعمل الإداري وأصر على أن أتعامل مع الحالات بشكل مباشر، وأشعر بقمة الفخر والسعادة عندما يناديني الأطفال في دور الإيواء بـ «ماما سارة»، لأن تجربتي مع نورة، وأبنائي بشكل عام، كانت ملهمة وإيجابية.

الفئات العمرية لضحايا الاتجار بالبشر
الفئات العمرية لضحايا الاتجار بالبشر

تدافعين بجهد عن حقوق الإنسان وبالأخص المرأة. ما الذي تطالب به سارة شهيل للحد من الاتجار بالبشر ولوضع حد لكل أشكال العنف والإيذاء؟

في الواقع، مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء، لم يتأسس لمجرد مساعدة أو إعادة تأهيل الضحايا فحسب، فنحن على دراية بما يسمى بـ «دائرة العنف»، حيث تتحول الضحية إلى معنِّف وتتناقل الأجيال المفاهيم البالية للتعامل وبناء العلاقات. وإذا اقتصر عملنا على مجرد مساعدة الضحية ماليًا أو قانونيًا أو غيره، دون أن نعمل على مكافحة العنف، فكيف لتلك الدائرة أن تنكسر؟

ولهذا، يجب أن تتضافر الحلول قصيرة المدى مع حلول طويلة المدى وترتكز على تغيير عقلية الإنسان ورفع وعيه حيث بعض من الأوساط المتعلمة لا تستوعب أبعاد جريمة الاتجار بالبشر ولكون الكثير من النساء هنّ، في الواقع، ضحايا تعرضن للاختطاف والاستغلال والعنف بشتى أشكاله ولا يجوز تصنيفهن كمجرمات.

ما أتمناه حقًا من أفراد المجتمع أن يكون لديهم الاستعداد لتلقي العلم والمعارف التي يقدمها المركز وغيره من المؤسسات وأن يسعوا لتغيير أنفسهم للأفضل ويبادروا بنقل هذا الفكر الواعي لغيرهم لأن العمل في القطاع الاجتماعي لا يلقى نجاحًا دون إشراك أفراد المجتمع في تلك الجهود.

اقرأ أيضًا: هل ينصف القانون الإماراتي المرأة المعنفة؟