8 أغسطس 2022

ما قصة المثل العربي «خذوا الحكمة من أفواه المجانين»؟

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

ما قصة المثل العربي «خذوا الحكمة من أفواه المجانين»؟

قيل بأن الحكمة تولد من تجربة، وتتربى مع خبرة، والحكيم صاحب عقل ومعرفة استقاها من تجاربه مع الآخرين أو من معاركه مع الحياة ليصبح قادراً على فهم ما حوله ويمتلك توازناً يمكنه من التسامح مع الآخرين ومؤازرتهم في رحلتهم لاستكشاف الحياة بالطريقة التي تساعدهم على العيش بسلام.

قصة مثل «خذوا الحكمة من أفواه المجانين»

لم يخبرنا أحد ما إذا كان الحكيم هو أكثر الناس علماً وأكبرهم سناً وأثراهم تجربة، أو بأن حكمة إنسان تشترط لامتلاكها شخصاً ذي عقل راجح ومواصفات معينة، بل قيل مراراً «خذوا الحكمة من أفواه المجانين» حتى اعتقدنا المثل طرفة أو مزحة لا تصدق.

لكن قصة المثل قد تجعلنا نصدق بأن الحكمة يمكن أن تؤخذ حقاً من مجنون، لكنها تبين لنا بأن الجنون الذي يصبح حكمة هو الذي يحدث في وقت يذهب فيه الجشع العقول ويحجب الطمع وعي العقلاء.

فبعد أن مات رجل ثري في غربة بعيداً عن أولاده تخاصموا مع أخيهم الأكبر لأنه كان مشغولاً بالإعداد لمراسم العزاء الذي سيكرم فيه والده الراحل، وإخوته مشغولون بالتفكير بالميراث ومقدار نصيب كل منهم.

لم يعبأ الأخ الأكبر بقولهم لكنهم أوغلوا في عنادهم ومخاصمته، وقد أذهب الجشع والطمع بالميراث عقولهم فاستمروا يلحون عليه بإيقاف المراسم لاقتسام الميراث بينهم وبعد ذلك يمكنه أن يقيم العزاء كما يشاء.

وأحزن طمعهم أخاهم الأكبر الذي لم يكن مستعداً للتخلي عن واجبه تجاه أبيه خجلاً من الناس ، فطلب منهم تأجيل الحديث عن اقتسام الميراث لحين انتهاء العزاء. لكنهم رفضوا الاستماع إليه ولجأوا إلى القاضي يدّعون عليه ويتهمونه بالاستيلاء على حقوقهم.

لم يكن أمام الأخ الأكبر المقهور، وقد أرسل القاضي يستدعيه، سوى الإسراع لطلب النصيحة من حكيم يساعده على درأ غضب إخوته ومتابعة تجهيزات عزاء والده، فأرشده الحكيم، وقد استعصى عليه الحل، إلى مجنون القرية طالباً منه أخذ نصيحته.

ازدادت دهشة الأخ الأكبر لأن الحكيم بنفسه يرسله ليأخذ الحكمة من فم المجنون، لكنه وفي ظل الحاجة إلى حل وقصر الوقت لم يعد أمامه سوى الامتثال لنصيحته، حتى لو اعتقد بأن حكمة مجنون لن تسعفه.

لم يكن على المجنون أن يعقد حاجبيه أو يمط شفتيه مصطنعاً التفكير والبحث عن إجابة، بل بادر بسؤال الأخ بعد سماع حكايته «هل لديك أو لدى إخوتك من يشهد بأن أباكم مات فعلاً؟»
صمت الأخ الأكبر وقد انعقد لسانه، وهز رأسه نافياً، فقال المجنون «قل لإخوتك أن يجلبوا من يشهد بموت أبيكم!».

أذهل المجنون الأخ الأكبر برده، فأسرع خطاه إلى القاضي وقال له «من يشهد بأن والدنا قد توفى أو بأن خبر وفاته صحيح؟»، أثنى القاضي على قوله والتفت للإخوة يسألهم «هل لديكم شهود على وفاة أبيكم؟» فرد الأبناء «لقد مات أبونا في بلد بعيد ولا يوجد شاهد على ذلك»، فصرفهم القاضي طالباً منهم إحضار الشهود ليقوم بقسمة الميراث بينهم على الفور.

ولأنهم لم يكونوا قادرين على ذلك علقت القضية لفترة طويلة من الزمن، وكان الأخ الأكبر يقول لإخوته كلما رآهم «لو أنكم صبرتم أسبوعاً واحداً فقط ألم يكن خيراً لكم من هذا!».

لم يصبر العقلاء فتغلبت حكمة مجنون عليهم.

 

مقالات ذات صلة