لم تتوقع عروس أن وضعها للحناء استعداداً للاحتفاء بيوم زفافها سيغير من مسار ذاك اليوم المُنتظر، وسينتهي بآلام حادة غير مُتوقعة تقودها إلى المستشفى لتمكث فيه عدة أيام تحت العناية الطبية المباشرة.
العروس كانت تتجهز ليوم زفافها، ومن مراسم الاستعداد أن تضع نقوش الحناء، فحضرت عاملتان من أحد الصالونات إلى منزلها وباشرتا برسم النقوش، إلا أنه وخلال ربع ساعة فقط بدأت العروس تصرخ من شدة الألم.
تفاصيل قصة العروس وما حدث معها، اطلعت «كل الأسرة» عليها من حكم المحكمة الابتدائية في دبي، والتي أدانت العاملتين اللتين أشرفتا على وضع الحناء للمجني عليها، وحولتا يوم زفافها من مناسبة سعيدة إلى ألم ومعاناة.
قبل الزفاف بثلاثة أيام، باشرت العروس وعائلتها التحضير والإعداد إلى المراسم التي تتضمن استعدادات النساء للمناسبة عبر نقوش الحناء، والتي تعتبر جزءاً رئيسياً من الموروث الثقافي والعادات والتقاليد الاجتماعية.
اتفقت العروس وعائلتها مع صالون خاص بالتجميل ووضع الحناء، للحضور إلى مقر سكنها من أجل تجهيزها لمراسم الزفاف.
بعد أن أغشي علي أفاقتني أسرتي، وكنت أشعر بالألم والحرقان بكامل جسدي
تروي العروس في إفادتها حول ما حدث «في ذلك اليوم حضر إلى مقر سكننا 5 عاملات من الصالون، وذلك حسب الاتفاق المُسبق من أجل نقش الحناء لي وللنساء في أسرتي».
من بين العاملات الخمس، تولت اثنتان مهام رسم نقوش الحناء الخاصة بالعروس، تضيف العروس «باشرت العاملتان بتحضير الحناء حيث شاهدتهما وهما تقومان باستخراج مادة حناء خاصة بي غير التي استخدمت لبقية أفراد أسرتي، وأثناء ما كانتا تقومان بالنقش، وتحديداً بعد حوالي 15 دقيقة، شعرت بألم وحرقة على يدي وبعدها بألم في معدتي».
تؤكد العروس أن الألم المفاجئ في معدتها كان قوياً جداً دفعها إلى الاستفراغ لخمس مرات متتالية إلى أن تطور الأمر بشكل غريب وتدهور وضعها الصحي حتى أُغشي عليها من شدة الألم.
لم يكن الحدث الصحي المفاجئ والغريب مفهوماً لأسرة العروس، وهو ما دفع العاملتان في ذلك اليوم إلى التوقف عن إتمام نقوش الحناء، والمغادرة لحين تحسن صحتها واستدعائهما مرة أخرى.
تواصل العروس السرد «بعد أن أغشي علي أفاقتني أسرتي، وكنت أشعر بالألم والحرقان بكامل جسدي، وفي اليوم التالي (الثاني) راجعت عيادة طبية، حيث تم إعطائي مُسكنات ومُغذٍ إلا أن حالتي الصحية لم تتحسن بشكل كامل كما يجب».
كارثة يوم الزفاف
في اليوم الثالث، وهو يوم الزفاف، كانت العروس تستعد لزواجها رغم حالتها الصحية التي لم تتحسن بشكل جيد، وعند بدء مراسم الزواج وقع ما لم يكن في الحسبان، تروي العروس «أثناء مباشرة احتفالات زواجي شعرت بألم شديد في معدتي، وعليه تم نقلي مباشرة إلى مستشفى خاص ثم جرى تحويلي إلى مستشفى حكومي».
في المستشفى الحكومي، عمل الأطباء على إجراء التحاليل الطبية للعروس، وكانت المفاجأة «أنها تعاني تكسراً في الدم، وفشلاً حاداً في الكلى يتطلب عمل غسيل كلوي لها بشكل عاجل».
تقول العروس «بقيت منومة في المستشفى لمدة 9 أيام، ومن بعدها بدأت حالتي المرضية في التحسن، وقد تم إعلامي في المستشفى أن السبب الرئيسي لتدهور حالتي الصحية يرجع لوجود مادة ملونة دخلت إلى جسمي عن طريق الحناء الذي تم عمله لي من قبل عاملتي الصالون».
ما قيل للعروس وأسرتها، من أسباب ما حدث معها، دفعهما على الفور إلى فتح بلاغ ضد عاملتي الصالون اللتين أفسدتا يوم زفافها، فباشرت الشرطة والنيابة العامة التحقيق فيما حدث والكشف فيما إذا كانت «الحناء يمكن أن تؤدي إلى هذه النتائج المرضية الصعبة».
تشخيص حالة العروس الصحية
الطبيب الذي أشرف على حالة العروس أكد في إفادته بالتحقيقات أن العروس أُدخلت إلى قسم الطوارئ في المستشفى الحكومي نتيجة تعرضها للإجهاد العام، ولأنها كانت تعاني ألماً في المعدة مصحوباً بقيء.
يشير الطبيب إلى أن تشخيص حالة العروس الصحية وأخذ العينات اللازمة منها وإجراء الفحوص الطبية، أظهر أنها تعاني مرض «فقر الدم الانحلالي» و«فشل كلوي حاد» نتيجة لوضعها صبغة الحناء على جلدها.
ويشرح الطبيب «بعد وضع الحناء للمجني عليها ونتيجة لاحتوائها على مواد كيميائية أخرى تُخلط معها لتثبيت اللون، امتصها الجسم عن طريق الجلد ما أدى مباشرة إلى تكسر حاد في كريات الدم الحمراء وزيادة في نسبة الهيموجلوبين، وهو ما أحدث قصوراً كلوياً حاداً لديها».
وتابع «تم التأكد من تشخيص حالتها من خلال أخذ (خَزعة الكلوية) منها، وبناءً على ذلك تلقت المجني عليها العلاج المناسب لمدة تتجاوز الأسبوع، وبعدها بدأت وظيفة الكلى في التحسن، وتم تسريحها من المستشفى».
رد العاملتين
أما العاملتان في صالون التجميل، فقالت إحداهما إنها تعمل في الصالون منذ 10 سنوات في تقليم الأظافر وأعمال الحناء، فيما الثانية فذكرت بأنها تعمل منذ حوالي 8 سنوات. وأكدت الاثنتان معرفتهما بالعروس لأنها زبونة في الصالون وأنهما فعلاً توجهتا لمقر سكنها برفقة زميلاتهما من أجل عمل حناء لها ولأفراد أسرتها.
وأضافتا أنهما قامتا بوضع مادة الحناء للعروس وبعد حوالي 15 دقيقة شعرت بألم وحرقان على يديها، واستفرغت لحوالي 5 مرات، وكانت تطلب منهما أن تتوقفا عن وضع الحناء عليها إلا أن الحضور طلبوا منهما الاستمرار.
وتابعتا «فعلاً استمررنا في وضع الحناء للمجني عليها، وغادرنا سكنها ولم يبدي أحد اعتراضاً أو يشتكي من الخدمة، وبعد فترة تلقينا بلاغاً من الشرطة»، مدافعتين عن نفسيهما بالقول بأنهما «أقدمتا على شراء مادة الحناء من أحد المحال بموجب فاتورة ولم تقوما بصنعها».
بناءً على ما حدث، رفعت النيابة العامة لائحة اتهام بحق العاملتين إلى الهيئة القضائية في المحكمة الابتدائية بتهمة «التسبب بخطئهما في المساس بسلامة العروس نتيجة لإخلالهما بما تفرضه عليهما أصول وظيفتهما ومهنتهما وعدم مراعاتهما للنظم والمعايير الملزمة لهما، بأن وضعتا مادة حناء تحتوي على مواد كيميائية أخرى تُخلط معها لتثبيت اللون دون مراعاة لإجراءات السلامة واتخاذ التدابير اللازمة».
تمسكت العاملتان بإنكار التهمة أمام المحكمة الابتدائية التي نظرت في تفاصيل وإفادات القضية، التي رأت أن «الواقعة قد استقام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهمتين مما أفادته المجني عليها والشهود من أقاربها والطبيب والتقارير الطبية».
وأكدت المحكمة وجود تقصير وإخلال واضح من المتهمتين ما أدى إلى إصابة المجني عليها ومرضها، وبالتالي فإنهما مسؤولتان دون غيرهما عن كامل أسباب الحادثة، لذلك دانت المحكمة العاملتين بما حدث مع العروس، وأوقعت بحقهما غرامات مالية لاستخدامهما صبغات تثبيت الحناء غير المراعية لشروط السلامة.