هذا ما يسمونه الضحك على ذقون البسطاء. وبالأحرى البسيطات. والخديعة أنواع. وأشهر ميادينها حالياً مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الإعلانات المدفوعة.
على شاشتي صور لشابة حسناء لم تتجاوز من العمر 21 عاماً. يعني كتكوتة خرجت تواً من البيضة لكنها خبيرة في فنون الترغيب والجذب. تقول إن اسمها رينيه وهي قد نجحت في جمع أكثر من مليونين ونصف المليون يورو خلال سنتين. كيف؟ عن طريق الاستثمار في العملات المشفّرة. ما هي هذه العملات؟ إن معلوماتي شحيحة لكن أظن أنها تلك النقود الهلامية التي لا تمسكها بيديك بل يتم تداولها من خلال مواقع إلكترونية. يعني أن يكون لك رصيد «في السحاب». وهو يخضع لشروط تشبه التعاملات في البورصة. ويمكن لدراهمك أن تتضاعف حسب موقعها في السوق.
تنشر رينيه عدة صور لها تؤكد ثراءها. ترتدي ثياباً وتحمل حقائب من علامات شهيرة. تتحلى بأثمن الحلي وتجلس الساق على الساق في الصحن الخلفي لسيارة ليموزين فارهة يقودها سائقها الخاص. تقول إنها فقدت والديها في سن مبكرة وانتقلت للعيش مع جدتها. اضطرت للعمل نادلة في مطعم منذ أن كانت في الخامسة عشرة. أدركت أنها لن تستطيع الذهاب إلى الجامعة، بعد إنهائها الثانوية، لأن ساعات عملها تتعارض مع الدوام ولا تسمح لها بوقت للمذاكرة. مع هذا واصلت العمل بدوام كامل على أمل أن تجمع مصاريف الدراسة الجامعية. ثم جاءت "كورونا" وأغلق المطعم بابه ووصلتها رسالة بالاستغناء عن خدماتها.
جلست أمام حاسوبها تبحث عن عمل. كانت تتنقل ما بين إعلانات التشغيل لمدة 16 ساعة في اليوم... دونما جدوى. ثم فجأة وقعت على العملات الرقمية المشفّرة. راحت تقرأ عنها وعرفت دهاليزها. غامرت واستثمرت فيها بالمبلغ الذي كانت تجمعه لدراستها. ومثل حلم وردي وجدت نفسها تكسب 11 ألف يورو في الشهر الأول. وتواصلت مع مستثمرين آخرين أكد لها أحدهم أنه يكسب 50 ألف يورو شهرياً. فلماذا لا تكون مثل رينيه وتصبح مليونيراً وأنت جالس مرتاح بدون أن تحرّك ساكناً؟
الفخ منصوب جيداً، نصاً وصورة. وهناك جمهور عريض من اليائسين والمحتاجين والبسطاء مستعد للوقوع في براثن الوعود الخلابة. يدفعون مدخراتهم القليلة أو يستدينون على أمل سراب الثراء. ورينيه ليست سوى الطعم في طرف السنارة، يلتقطه هؤلاء ثم يغصّون به. إن من يرى صور رينيه يصدّق أن السماء تمطر نقوداً سهلة.
لو كانت الأوهام حقيقة لصار كل الناس من أصحاب الملايين.