23 يناير 2023

تعرفوا إلى أسرار من "حارة اليهود" في القاهرة

صحافية ومترجمة مصرية

تعرفوا إلى أسرار من

قد يوحي اسم "حارة اليهود"، بالقاهرة، بأمرين؛ الأول أنها مجرد حارة صغيرة أو ربما شارع، والثاني هو أن جميع سكانها السابقين كانوا من اليهود. والأمران غير صحيحان. فعلى العكس من ذلك تماماً، كانت حارة اليهود – التي تم إنشائها في حي الموسكي بالقاهرة عام 1848 - عبارة عن حي كامل يضم حوالي 360 شارع وحارة، كما كان يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود بسلام تام، ولذلك كانت تعتبر – على مدار سنين عديدة - مجتمعاً يسوده التسامح الديني بأبهى صوره.

فما هي قصة "حارة اليهود"؟ ولماذا سُميت بهذا الاسم؟.. تعرفوا عليها معنا في هذا المقال:

تعرفوا إلى أسرار من

كيف كانت البداية؟

يعود تاريخ تأسيس هذه الحارة العتيقة إلى تاريخ إنشاء شارع الموسكي التجاري ذاته في عام 1848، أي منذ ما يزيد عن 170 عاماً، حيث تقع حارة اليهود بالقرب من شارع الموسكي والذي يتبع حي الجمالية بالقاهرة. وقد تم تقسيم الحي بطريقة طائفية إلى شياختين: إحداهما لطائفة اليهود الربانيين والأخرى لطائفة اليهود القرّائين.

كانت الحارة تحتوي على 13 معبدًا يهوديًا، ولكن لم يتبق منها الآن سوى ثلاثة، وهي: "معبد موسى بن ميمون"، الذي كان فيلسوفاً وطبيباً ذائع الصيت في القرن الثاني عشر الميلادي، ومعبد "أبو حاييم كابوسي" بدرب نصير ومعبد "بار يوحاى" في شارع الصقالية. وكما ذكرنا كان يسكن الحي عدد كبير من المسلمين والمسيحيين إلى جانب اليهود، الذين هاجر أغلبهم إلى إسرائيل في أربعينيات القرن الماضي.

تعرفوا إلى أسرار من

سر تسمية الحارة بهذا الاسم

كان اليهود المصريون أو الطائفة اليهودية التي استقرت وعاشت بمصر، إحدى أكبر الطوائف اليهودية في العالم العربي، وأكثرهم ثراءً بسبب عملهم بالتجارة. وكان اليهود المصريون يشاركون في كافة الأعمال والمجالات بالمجتمع، كما كان الكثير منهم يمتلكون محال لبيع الذهب في الصاغة.

وقد تباينت الآراء حول سبب تسمية الحارة بهذا الاسم، حيث ذهب البعض إلى أن السلطات هي من أجبر اليهود على السكن في حي واحد، إلا أن السبب الأرجح هو ميل اليهود أنفسهم إلى التجمع بمكانٍ واحد لكي يتمكنوا من ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية، التي يجب عليهم تأدية بعضها في جماعة وليس بشكل فردي، مثل صلاة السبت. وبسبب تجمعهم بشكل مكثف واختيارهم السكن في هذا الحي، القريب من شارع الموسكي التجاري، أُطلق عليه اسم "حارة اليهود".

والدليل على ذلك، هو أن حارة اليهود لم يكن السكن فيها مقصوراً فقط على اليهود، بل كان يسكنها أيضاً المسلمون والمسيحيون. ولكن لرخص ثمن السكن بها كان يفضلها اليهود من ذوي الدخل المحدود لقربها من عملهم إما في الصاغة أو شارع الموسكي. لكن، ما من أحد كان يجبر اليهود الذين تحسنت حالتهم المادية على البقاء في الحارة، بل كانوا ينتقلون إلى أحياء أرقى مثل عابدين أو باب اللوق أو العباسية وغيرها، بدون أن يمنعهم أحد.

تعرفوا إلى أسرار من

أشهر من سكن حارة اليهود

يعتبر أشهر من سكن حارة اليهود، هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي أمضى طفولته وجزء من شبابه في البناية رقم 3 في حارة عدس بالخرُنفش، وهو حي أثري ملاصق لحارة اليهود، ولا يزال المنزل الذي تربى فيه حتى التحاقه بالجيش قائماً وموجوداً.

وقد خرج من هذه الحارة أيضاً بعض ألمع نجوم الفن والعلماء والشخصيات المؤثرة، مثل يوسف أصلان قطاوي باشا، وزير مالية مصر عام 1924 ووزير المواصلات عام 1925. كما خرج منها الكاتب المسرحي يعقوب صنوع، والذي تسبب أحد مقالاته السياسية الساخرة في نفيه خارج البلاد في عهد الخديوي إسماعيل.

أخرجت حارة اليهود أيضاً الكثير من الفنانين، مثل الفنانة كاميليا، وقيثارة الغناء ليلى مراد، والمخرج توجو مزراحي، والممثلة راقية إبراهيم، والممثلة نجمة إبراهيم الفنانة نجوى سالم، وغيرهم الكثير.

وحتى الآن، لا تزال حارة اليهود موجودة وتعتبر من أشهر الحارات في مصر، ولكن ليس بسبب وجود اليهود فيها، ولكن بفضل تجارة الجُملة ومحال الإكسسوارات ولعب الأطفال والذهب الصيني وما إلى ذلك، مما جعلها حتى الآن وجهة مفضلة للتجار من جميع أنحاء مصر.