بولانسكي أثناء تصوير فيلم "القصر"
«القصر» هو الفيلم الحادي والأربعين للمخرج رومان بولانسكي المعروف بسلسلة طويلة من الأفلام الكبيرة. انطلق في الخمسينات بأفلام بولندية، بدأت قصيرة من إخراجه وكتابته و«أحياناً تمثيله»، ثم خطا خطوته صوب الفيلم الطويل سنة 1962 بفيلمه «سكين في الماء» (Knife in the Water).
حين غادر بولانسكي بولندا إلى بريطانيا سنة 1965 لينجز فيها «نفور» (Repulsion)، كان على استعداد ليبقى في أركان السينما البريطانية طويلاً، وقضى فعلاً معظم الستينات هناك، قبل أن تطلبه هوليوود لتحقيق أول فيلم أمريكي له وهو «طفل روزماري» سنة 1968، وأتبعه سنة 1971 بأحد أفضل ما أنجز من أفلام مقتبسة عن تحفة وليام شكسبير وهو «مكبث».
النجاح قاده إلى نوع الفيلم البوليسي في «تشايناتاون» (1976) سنة 1974، ثم أنجز بعده فيلماً فرنسياً باللغة الإنجليزية هو «المستأجر» سنة 1976، قبل أن يعود إلى هوليوود وفي البال صنع مزيد من الأفلام فيها، والتحول إلى واحد من تلك الأيقونات الأوروبية التي حققت نجاحاتها الكبرى في الولايات المتحدة (مثل أوتو برمنجر، وجاك تورنور، ووليام وايلر، ومايكل كورتيز وعديدين آخرين)، لكن ما لم يكن في البال هو تعرّضه لاتهام بجريمة اغتصاب قالت حيثياتها إن الضحية كانت دون السن القانونية. كانت هذه غلطة حياته، ولو أن بولانسكي رفض التهمة وأكد براءته، لكن التهمة كانت ثابتة ما دفعه للهرب من أمريكا إلى فرنسا، حيث زاول باقي أعماله إلى اليوم.
أفلام بولانسكي.. أمريكية خارج هوليوود
افتقدت أفلام بولانسكي بعد ذلك، المستوى الواحد، وعدد من أفلامه أخفق في أن ينجز الموعود منه. أحد تلك الأفلام كان «قراصنة» من إنتاج التونسي طارق بن عمار، وبعده أنجز عدداً كبيراً من الأفلام التي تم تصويرها في فرنسا باللغة الإنجليزية، كما لو أنه يريد تأكيد أنه يستطيع تحقيق أفلام ذات قالب أمريكي حتى ولو كان خارج هوليوود. ومن تلك الأفلام «مذعور» (Frantic) سنة 1988، و«قمر مر» (1992)، و«الموت وخادمة» (1994)، و«البوابة التاسعة» (1999)، وكلها لها ـ فنياً ـ حسنات وسلبيات، وصولاً إلى فيلمين رائعين أحدهما «عازف البيانو» (2002) الذي واجه فيه ماضيه مع النازية، مصوّراً خوف لاجئ يهودي، لكنه في الوقت ذاته لاغياً الصورة النمطية للألماني، جاعلاً من الموسيقى رابطة إنسانية بين بطليه (الأمريكي أدريان برودي، والبولندي ميكال زبروفسكي).
حالة جمود وترقب
حطت تبعات هذه القضية، كما لو كانت جبلاً من الأثقال فوق كتفي المخرج. فلسنوات عديدة داوم بولانسكي السعي إلى إسقاط الدعوى بحقه وإجراء اتفاق جديد مع المحكمة الأمريكية يمكّنه من المثول أمامها مقابل رفع العقوبة عنه، لكن المحكمة الأمريكية لم توافق والقرار الذي صدر بإلزام الشرطة الأمريكية بالقبض على بولانسكي حال وصوله إلى أي من مطارات الولايات المتحدة، ما زال ساري المفعول إلى اليوم.
كانت هذه الخلفية السبب الأكبر لاختياره حكاية ألفرد درايفوس لتقديمها قبل أربع سنوات في فيلمه ما قبل الأخير «ضابط وجاسوس» (2019)، الذي عرضه في مهرجان فينيسيا آنذاك.
لكن موضوع فيلمه الجديد «قصر» ليس واضحاً بعد. هو كناية عن عدد من الشخصيات تلتقي في فندق مترف بمناسبة رأس السنة، حيث تتعرض لما لم تتوقعه من أحداث. ما هي هذه الأحداث، أمر غير واضح، لكن المؤكد هو أن أحداث الفيلم تقع في جبال الألب السويسرية سنة 1999.
حقيقة أن الفيلم في حالة جمود وترقب تعني أن على المخرج والشركة الإيطالية ذات الإسهام التمويلي الأكبر في هذا المشروع (RAI CINEMA) دراسة أي من المهرجانين الكبيرين تريده كعرض عالمي أول، هل سيكون مهرجان «كان» في أيار المقبل، أو مهرجان فينيسيا في أيلول من هذا العام أيضاً؟ كلاهما يدخل منافسة صامتة هذه الأيام بغية الفوز بهذا الفيلم الذي قد يكون آخر ما لدى بولانسكي من أعمال.
هناك من يقول إن الشركة، وبموافقة المخرج، وضعت خطة بديلة وهي عدم عرضه في أي مهرجان؛ بل الانطلاق به مباشرة لعروض تجارية أوروبية تبدأ في السادس من يونيو، لكن هذا نوع من الانتحار الفني ما يجعل احتمال الإقدام عليه مستبعداً.
الممثل الأمريكي ميكي رورك
الأمريكي العائد إلى «القصر»
وإلى جانب ذلك، هناك بعض الملاحظات الطريفة التي لابد من تسجيلها هنا:
سيبقى السؤال مطروحاً عن من سيفوز بالعرض العالمي الأول. وكذلك، ما قد يأتي به بولانسكي في ما بات شبه مؤكد، من أن الفيلم هو آخر ما يريد تحقيقه قبل الخلود إلى الراحة.. هذا بالطبع إلا إذا وجد الرغبة في إنجاز عمل جديد لا يستطيع أن يقول له لا.