12 أبريل 2023

إنعام كجه جي تكتب: مطبخ الفضلات

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: مطبخ الفضلات
غلاف كتاب "مطبخ البقايا"

تذوقت طبق «الباييلا» الإسباني، للمرة الأولى، على مائدة الصديق والسفير محمد بن عيسى. كان ذلك قبل سنوات بعيدة في بيته العامر في مدينة أصيلة المغربية. أعجبني المذاق. خليط من الأرز والقواقع البحرية والزعفران والتوابل، ثم عرفت أن تسمية تلك الأكلة جاءت من اللغة العربية، أي من أيام العرب الزاهية في الأندلس. وأصل الاسم «بقية»، لأن الطبق كان تجميعاً لما يتبقى من طبيخ اليوم السابق.

لم تكن عادتنا في بلادنا الغنية بالنفط، أن نأكل الفضلات. وأنا نشأت قبل عصر الثلاجات والمجمدات. أذكر من طفولتي ذلك الصندوق الخشبي الذي يضعون فيه كل صباح، قالباً يشترونه من بائع الثلج، وفيه يخزنون المأكولات المعرضة للتلف، مثل العنب والبطيخ الأحمر والشمام.

أما اللحوم فكانت ربات البيوت يأتين بها من الجزار يوماً بيوم، على قدر الحاجة. كيلوجرام أو نصف كيلوجرام من لحم الغنم، وأحياناً دجاجة صغيرة لكل أهل البيت. فلما جاءت المجمدات وتحسنت المرتبات، صارت المجمدة مخزناً لأنواع من اللحوم، وأفخاذ الخراف وقطعان الدجاج.

في بيتي كان من الطبيعي أن أحتفظ بما يتبقى من طعام في الثلاجة. ونحن العراقيين نعشق البامية والدولمة البائتة، ونعتبرها ألذ من المطبوخة في ساعتها، لكنني لا أذكر أنني خلطت البقايا في طبق واحد. والمرة الوحيدة التي رأيت فيها المعكرونة والأرز والحمص والعدس وصلصة الطماطم في أكلة واحدة كانت في القاهرة.. فأحببت الكشري!

أمس، رأيت في إحدى المكتبات دليلاً للطبخ باللغة الفرنسية لتعليم القراء كيفية الاستفادة من بقايا الطعام في تحضير أكلات لذيذة ومبتكرة. إن القوم يعانون الغلاء في كل مرافق الحياة، لا سيما في أسعار اللحوم والحبوب والبقول والخضراوات. صحيح أن الحرب في أوكرانيا، لكن «طراطيشها» وصلت إلى كل العالم.

صار الفرنسي يراقب مصروفه وطعامه، ويطفئ أنوار البيت ويتفرج على التلفزيون في العتمة لارتفاع سعر الكهرباء، ويقلل مدة الوقوف تحت الدش في الحمام، توفيراً للماء. أما المدخن والمدخنة، فإن ثلاث سجائر في اليوم تكفي بسبب الأزمة. إن عصابات اللصوص لا تهاجم البنوك؛ بل محال بيع التبغ.

عنوان دليل الطبخ: «مطبخ البقايا». أعترف بأنني لم أجد رغبة في اقتنائه، لكنني تصفحته طويلاً. إن المؤلفة لا تكتفي بنشر وصفات من فضلات أصابع البطاطا المقلية، أو عمل السلطة من بقايا المعكرونة، لكنها تنصح ربة البيت بألاّ ترمي شيئاً في سلة النفايات. فقشور التفاح تنفع في إضافة نكهة للحليب، وقشور البرتقال تصلح للمربى، وحتى قشور الجزر والباذنجان والكوسا، يمكن تحويلها إلى شوربة صحية ولذيذة.

إنه مطبخ الأزمات. وقد كسرت الأزمة الأنوف الباريسية المعتادة على شم العطور، لأن سعر القنينة يساوي عشر دجاجات وأربعة أكياس معكرونة.

 

مقالات ذات صلة