07 مايو 2023

د. حسن مدن يكتب: تأخر أم تسويف؟

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: تأخر أم تسويف؟

شاءت الأقدار أن يكون محل سكني بعيداً عن مقرّات المؤسسات التي أنشط فيها، وعلى الرغم من أن مساحة البحرين كبلاد صغيرة جداً، إذا ما قيست بمساحة أي بلد عربي آخر، فلعلها البلد الأصغر مساحة عربياً، لكن مع ذلك فإن الشوارع، خاصة في ما يعرف بساعات الذروة، تكون مكتظة بالسيارات، وهذا ما جعلني أحرص على الخروج من المنزل قبل وقت كافٍ لبلوغ المكان الذي أقصده لحضور نشاط أو اجتماع في الوقت المناسب. في بعض الأحيان أكون محظوظاً حين تكون الشوارع سالكة، فأصل مقصدي قبل وقت كافٍ، ولكني أضع في حسابي، دائماً، الاحتمال الآخر، أن تكون الشوارع مزدحمة وحركة السيارات بطيئة، لذلك أحرص على ما اعتدته من الخروج المبكر من المنزل.

هذه العادة جعلتني ألاحظ أنني، وفي الكثير من الأوقات، أكون من أوائل الواصلين لمكان النشاط، وفي بعض الحالات أكون أولهم، وأن من يسكنون في أمكنة أقرب بكثير ليس فقط لا يصلون على الموعد، وإنما البعض منهم يصل متأخراً، كون شعورهم بقرب المسافة يجعلهم مطمئنين إلى أنهم سيصلون في الموعد المناسب، حتى لو تأخروا في التحرك من بيوتهم.

خطر في بالي كل هذا، حين قرأت عن أولئك الأشخاص الذين اعتادوا عدم الحضور في الوقت المحدد، سواء كان موعد غداء أو اجتماع عمل، حين يسعى كاتب ما قرأته إلى البحث في أسباب ذلك، قائلاً إنه من المحتمل أن تكون عادة التأخر ناتجة عن عدد من العوامل، بما في ذلك إدراك الوقت وإدارة الوقت والشخصية؛ بل يطالعنا رأي لأستاذ في علم الأعصاب الإدراكي يرى أنه من الممكن أن تكون هناك آلية في الدماغ تجعل بعض الأشخاص يتأخرون عن الاجتماعات لأنهم يقللون الوقت الذي سيستغرقونه للوصول إلى هناك، مشيراً إلى أن «الحُصين»، وهو منطقة من الدماغ تعالج بعض جوانب الوقت، مثل تذكر متى يجب القيام بشيء ما والوقت الذي يستغرقه، وأن الخلايا العصبية في الحُصين التي تعمل «كخلايا زمنية» تسهم في إدراكنا للأحداث وتذكرنا لها، لكن سبب عدم تقدير بعض الأشخاص للوقت على الدوام أمر غير واضح.

سنقرأ تفسيرات أخرى لعادة التأخر عن المواعيد، بعضها يشبه ما أشرنا إليه في البداية عن الاطمئنان إلى قرب المسافة، لكن سنقرأ أيضاً ما يصدمنا، فليس كل من يتأخر عن موعد يعاني سوء تقدير للوقت وللمسافات، أو لانشغاله بأمور طارئة تؤخره عن مواعيده؛ حيث إن البعض يفعل ذلك قاصداً، لأنهم يريدون، مع سابق الإصرار والتعمد، تأخير إنجاز المهام، وبتوصيف أستاذة في علم النفس فإن هذا النوع من التأخر هو «أحد أعراض التسويف»، وهو ما قد ينمّ عن تكوين نفسي أو عاطفي معقد لمن يفعله.