05 يونيو 2023

إنعام كجه جي تكتب: أيقظها الديك

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: أيقظها الديك

ليتني أملك الوقت لكي أقرأ كل الروايات التي تصدر في عالمنا العربي!

لكن الزمن محدود وما باليد حيلة. وهناك ما ينشر في مكان لا تصلني مطبوعاته. إن مشكلة التوزيع تبدو من الماضي بفضل مواقع نشر الكتب على الشبكة. لكنني ما زلت أفضل الكتاب الورقي وأحب رائحته. لذلك فرحت حين أهدتني الأديبة السعودية رجاء البوعلي روايتها «أيقظني الديك». يا له من نص جريء عميق ومباغت.

رواية صادرة في الدمام. تتناول جريمة يجري التستر عليها في بلادنا، بل في مجتمعات الدنيا كافة. والمقصود التحرش بالأطفال والطفلات، أو ما يدخل في نطاق: زنا المحارم. مفردتان قاسيتان خادشتان. تكتب لي رجاء في كلمة الإهداء: «جروح الأطفال منقوشة على دهاليز الحارة القديمة. الأفواه صامتة خائفة ظالمة. من ينثرها غير السرد؟».

نتابع في الرواية أوجاع الطفل جاسر وصديقته ميار. هو معتدى عليه من معلم مدرسته وهي ختنت بمباركة نساء العائلة. يكبران ولا يندمل الجرحان. وهناك ناريمان التي انتفضت على روابط الأسرة المتهالكة فقطعتها بصرخة انتقام عنيف فاحترقت كعود العنبر. نسمع ميار تخاطبه: «لقد سمعت صوتك وأنت تصرخ هلعاً خارجاً من معمل المدرسة، ليبقى صدى صرختك مدوياً في هذا العالم. كبر معي مثلما هرم فيك. ولم أنتبه إلا وأراني ماثلة على مقعد المدافعة عن أولئك الأطفال الموجوعين تحت أغطية متعددة التسميات. وهنا تكمن الجريمة في تقنعها وخجل الحديث عنها حتى لو كان حديثا علاجيا. لم يجرؤ أحد على خوض معركة الجدال حول أعراف الصمت المخيمة على وجوه الناس وأفعالهم خلف الأبواب».

تحتاج الكاتبة أن تلملم كل أطراف شجاعتها لكي تصف المدينة «التي تنتصب في سمائها راية الحب والسلام، ويشيع بين سكانها الاحتشام والفضيلة، لتظل كل الانتهاكات مخبأة». كل شيء يتوارى خلف الشفق فلا يراه أحد. كل من في المدرسة يتستر على الفعلة الشنيعة. المهم إنقاذ السمعة والمظاهر. من يعبأ بمأساة طفل عبث ببراءته من هو مسؤول عن تربيته وتعليمه؟

لم يعد الأمر سراً. انتشرت وسائل التواصل والفضائيات وتحول الموضوع إلى مادة مثيرة لبرامج حوارات الواقع. يتم إنشاء «مركز حوار النهضة» للتوعية بضرورة التربية الجنسية.

يستضيف المذيع السيدة أفنان رئيسة اللجنة الثقافية في المركز التي تتحدث عن أربع ندوات جرى تنظيمها حول هذه القضية. يقاطعها المذيع قائلا إنها قضية غريبة ونادرة بالنسبة لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، فترد عليه أنها ليست غريبة أبدا، لكنها ليست ظاهرة. وتقدم له تقارير نشرتها صحف محلية عن أرقام حالات العنف الأسري والتحرش الجنسي. إن طفلاً أو طفلة من كل أربعة يتعرض للتحرش والاعتداء.

تكتب رجاء البوعلي: «من فقد بصره ليس بالضرورة أن يفقد بصيرته. هكذا خرجت ميار من تحت الوسائد الكلاسيكية المهترئة، تتفقد الله في نفوس الناس وسلوكهم. ترسو على شاطئ المكلومين. تتلمس التجارب الناجحة والخائبة. تحاول فك الأحاجي المسكوت عنها».

ما لغز ذاك الديك الذي أيقظها من سباتها؟