12 يوليو 2023

الشرايع.. "أول نقطة" في حضارة الواحات ونظام الأفلاج قبل 3 آلاف عام

محررة في مجلة كل الأسرة

الشرايع..

من على تخوم الماضي، يطل تاريخ الأفلاج من العمق، من عمق يمتّد إلى 3 آلاف عام، حيث الشريعة أو «الشرايع» هي جزء من نظام الفلج، وواحة العين هي أحد المواقع المدرجة على قائمة اليونيسكو للمواقع التراثية العالمية، لما تتسم به من تنوع بيولوجي وتراث ثقافي ونظام ري يتغذى من سبعة أفلاج حتى ليطلق على مدينة العين «مدينة الأفلاج».

الشرايع..

تحوي «مدينة الواحات والأفلاج» على فلج العيني (وهو أطول الأفلاج ) وفلج الداوودي (وهما فلجان يغذيان واحة العين)، ولكل واحة أخرى فلج واحد، بينها فلج الهيلي (يغذي واحة الهيلي)، فلج المعترض، فلج المويجعي، فلج الجيمي، كما تتضمن الكثير من مناطق الدولة «شرايع» منها شريعة الفلج في منطقة فلج المعلا وشريعة الذيد وكذلك شريعة حتا (نهاية مصب فلج حتا) وغيرها.

مبارك عجلان العميمي
مبارك عجلان العميمي

فالأفلاج هي الشريان الحيوي للحياة وتجسّد الحضور البشري منذ آلاف السنين، والشريعة هي جزء من نظام الفلج وتعتبر «المنطقة الأولى التي يبدأ فيها توزيع المياه في قنوات الري الداخلية وحصص المياه وسميّت«شريعة» لأنه منها تشرّع وتخصص حصص المياه لملاّك المزارع تبعاً لاحتياجات كل مزرعة»، كما يؤكد مبارك عجلان العميمي، رئيس قسم الأفلاج والواحات ببلدية مدينة العين، موضحا أن «الشريعة هي جزء من نظام الفلج، والأفلاج هي أقدم نظام ري على مستوى العالم، نظام تجميع وتوصيل للواحة وتوزيع في الواحة، وأقدم فلج في العين يعود إلى نحو 3 آلاف عام في منطقة هيلي».

صورة توضيحية عن دور الشريعة ونظام الأفلاج
صورة توضيحية عن دور الشريعة ونظام الأفلاج

وبحسب ما ورد في أحد الملاحق «يبدأ مجرى الفلج من الأمهات (المنبع) وحتى الشريعة، ويسير على امتداد ميلين أرضيين بحيث لا يمكن تمييز مستوى هبوط أو ارتفاع منسوب المياه داخل جوف الفلج».

يشرح العميمي «الفلج يتضمن الثقاب (الفتحة العامودية في قناة الفلج والتي تستخدم لعمليات تنظيف قناة الفلج). قناة الفلج تمتد بعمق 90 قدماً تحت سطح الأرض وأول نقطة تصل فيها الماء هي منطقة الشريعة. وكانت لمنطقة الشريعة عدة استخدامات منها للطبخ ولغسل والاستحمام والوضوء للصلاة (حيث أغلب «الشرايع» يجاورها مسجد في الواحات) وسقي الحيوانات وغيرها من الخدمات».

الشريعة.. «أول نقطة» على مستوى سطح الأرض
الشريعة.. «أول نقطة» على مستوى سطح الأرض

فالشريعة هي أول نقطة على مستوى سطح الأرض، ومنها تبدأ المياه في التوزيع داخل الواحات، وهي أول نقطة في إرساء «حضارة الواحات» التي يشير إليها العميمي باعتبارها «الحضارة الوحيدة التي لم تزل ممتدة ومستمرة، رغم اندثار حضارات كثيرة».

فهذا النظام الموغل في التاريخ لا يجسّد ملمحاً واحداً، بل يترجم منظومة مجتمعية يسودها التكافل والتعاون ويسيّرها مفهوم الاستدامة بطريقة فطرية «الفلج والواحة يجسدان وجود مجتمع مثقف عرف مكان المياه الجوفية وقام بهندسة الفلج برفع الماء من تحت باطن الأرض إلى سطح الأرض من دون نظام كهربائي أو ميكانيكي بل بالجرافيتي (عملية الانحدار في الأرض)، ما يظهر نتاج عمل مجتمع طموح كان يقدر قيمة الماء كعصب للحياة، حتى أن اختيار موقع الواحة ليس عشوائياً حيث أقيمت في منطقة طينية قليلة الاستهلاك للمياه وتمّ استثمار ما تجود به الأرض من مياه لري المزروعات ومزارع النخيل بطريقة مستدامة».

الشرايع..

وكانت الواحة تزرع سابقاً بالنخيل، الحمضيات وبعض أنواع الفواكه من موز وليمون ومانغا وبعض أشجار التين والسدر، وكانت تزرع منطقة ما حول الواحات وتسّمى بـ«المراغة» أو «المرايغ» بالقمح وكان لدى السكان آنذاك اكتفاء ذاتي.

تحاول بلدية العين بث الوعي في أهمية الأفلاج ومفهوم الشريعة وارتباطها بمستجدات تغير المناخ وقلة الأمطار والمياه الجوفية «نشهد اليوم مظاهر الهدر والإسراف في استخدام المياه وعدم الحفاظ على مصادر الطبيعة، وترشيد الاستهلاك هي الرسالة التي نركز عليها».

مشرف واحة العين علي الناصري.. تماس مع المكان والذاكرة
مشرف واحة العين علي الناصري.. تماس مع المكان والذاكرة

هذا الدور التوعوي والعاطفي لجهة التماس مع ذاكرة المكان يقوم به علي عبدالرحمن الناصري، مشرف واحة العين، الذي يتحدّث بكل حب عن تلك البقعة التي يعتبرها جزءاً من يومياته ومن ذاكرته الحية.

يحدثنا عمّا قام به الشيخ زايد، طيب الله ثراه، من تطوير للأفلاج وقنوات الري لوقف هدر المياه واستثمارها في ري مزارع النخيل، حيث تم تحويل القنوات الرملية إلى قنوات خرسانية لوقف هدر المياه وتسريع عملية ري مزارع النخيل إلى توسيع الأفلاج وزيادة الحفر في قنوات الأفلاج لزيادة منسوب المياه.

ففي الصيف، تكون المياه باردة وفي الشتاء تكون دافئة والسبب باطن الأرض «في واحة العين، فلجان وهما فلج العيني (عيون من باطن الأرض تنبع وتخرج بقنوات، وهذه القنوات هي تضاريس طبيعية) وفلج الداوودي (تأتي المياه من منطقة شبيحات في الجنوب الشرقي من المدينة)».

يحاول الناصري تدعيم الوعي لدى الجيل الجديد عبر زيارات لوفود مدرسية وجامعية «نحدثهم عن نظم الزراعة التقليدية وطرق الري القديم والاستدامة وكل ما يتعلق بالأفلاج والشريعة وعن جماليات واحة العين وطبيعتها الخلابة».

نظام الري التقليدي والأقدم في العالم
نظام الري التقليدي والأقدم في العالم

وتبقى الأفلاج هي البوابة للحضارة، بحسب مبارك العميمي الذي يتلمّس أهمية بث الوعي بهذا الجانب «للبلدية دور في المحافظة وبقاء الواحات ورعايتها ومتابعة أعمال الصيانة والنظافة فيها وغيرها كما بث الوعي بأهمية الأفلاج، ولكن الفضل يعود إلى دعم الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في وضع الاشتراطات والقوانين للمحافظة على الواحات كإرث تاريخي للدولة، وكذلك دعم الشيخ خليفة رحمه الله، واليوم يستكمل رئيس الدولة محمد بن زايد، حفظه الله، طريقه في إبراز حضارة الواحات والمحافظة عليها بشكلها التقليدي القديم لكون نظام ري الواحات القديم مسجلاً في اليونيسكو حيث الشريعة هي جزء من عملية الري».

الشرايع..

تحاول الجهات المسؤولة ربط الجيل الحالي بتاريخه، يوجز العميمي المهمة «دورنا الرئيسي هو المحافظة على الواحات ولأفلاج كتاريخ وتراث، حيث لدينا 7 واحات في مدينة العين وما يقارب الـ187 ألف نخلة مثمرة. ولولا وجود النخلة لما وجدت حضارة وبشر في هذا الموقع، حيث كانت مصدر غذاء الإنسان وكسائه وسكنه. وتوجه الدولة يرتكز على الحفاظ على تاريخ 3 آلاف عام من عمر الفلج».

* تصوير: السيد رمضان