07 أغسطس 2023

تراجع سينما النجمات.. وسيطرة سينما النجوم

فريق كل الأسرة

تراجع سينما النجمات.. وسيطرة سينما النجوم
أحمد حلمي ودنيا سمير غانم في «لف ودوران»

ظلت السينما المصرية لسنوات طويلة تعتمد على البطولة النسائية، لأسماء العديد من الفنانات اللاتي حملن على أكتافهن بطولة العديد من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية، قبل أن يسيطر عليها النجوم الرجال، وتصبح البطولة حكراً عليهم، ويتم التوزيع باسمهم، فتتراجع البطولات النسائية، مع وجود استثناءات خلال حقب زمنية مختلفة ومتباعدة.

أمير كرارة ويا سمين صبري ومحمد عبد الرحمن في فيلم «البعبع»
أمير كرارة ويا سمين صبري ومحمد عبد الرحمن في فيلم «البعبع»

لا أحد ينكر أن جزءاً أصيلاً من صناعة السينما المصرية، قام على أكتاف فنانات رائدات أمثال عزيزة أمير، بهيجة حافظ، فاطمة رشدي، آسيا داغر، ممن كان لهن فضل كبير على صناعة السينما، في الإنتاج والتأليف والإخراج والموسيقى والديكور، فضلاً عن التمثيل. وتبعهن أجيال من الممثلات قمن ببطولة العديد من الأفلام على مدار حقب كثيرة، أمثال عزيزة أمير، ماري كوين، عقيلة راتب، فاتن حمامة، ليلى مراد، صباح، شادية، وأجيال أخرى كثيرة جاءت بعدهن مثل نادية لطفي، سعاد حسني، نادية الجندي، نبيلة عبيد، ويسرا، ليلى علوي، إلهام شاهين، وصولاً إلى ياسمين عبد العزيز ومنى زكي، وهند صبري.. إلا أن السينما المصرية ما زالت لا تعترف إلا بالبطل الرجل، وتضعه دائماً في المقدمة، وتأتي من حين لآخر البطولة النسائية على استحياء.

ياسمين عبد العزيز مع الأطفال في «أبلة طم طم»
ياسمين عبد العزيز مع الأطفال في «أبلة طم طم»

مع نهايات القرن الماضي، وفي بداية الألفية الجديدة سيطرت أفلام الكوميديا والحركة بشكل كبير، واستحوذ النجوم الرجال على البطولات بشكل مطلق تقريباً، باستثناء بعض المحاولات لعدد من النجمات على استحياء، ربما كانت أبرزها للنجمة ياسمين عبد العزيز، التي قدمت عدداً من الأفلام مثل «الدادة دودي، الثلاثة يشتغلونها، الآنسة مامي، جوازة ميري، أبو شنب، الأبلة طم طم»، حتى تنبأ البعض أن تعيد ياسمين للنجمة السينمائية دورها بين النجوم الرجال ومنافستهم بقوة. اتبعها بطولات لنجمات أخريات من جيلها، مثلما فعلت منى زكي التي قدمت أفلام «احكي يا شهر زاد، أسوار القمر، والصندوق الأسود»، ثم محاولات أخرى من نجمات مثل، مي عز الدين التي قدمت «شيكامارا، وحبيبي نائماً»، وتقاسمت البطولة مع النجمة يسرا في فيلم «جيم أوفر»، ومنة شلبي التي قدمت أفلام «بعد الموقعة، نوراة، والأصليين»، كذلك هند صبري التي بدأت بالمشاركة مع حنان ترك ومنة شلبي في «أحلى الأوقات»، ثم «بنات وسط البلد» بالمشاركة مع منة شلبي، و«ملك وكتابة، جنينة الأسماك، هليوبوليس، وأسماء»، ومؤخراً «تسليم أهالي» للنجمة دنيا سمير غانم و«ثانية واحدة» للنجمة دينا الشربيني، في الوقت الذي قدم فيه بعض المخرجين مثل يسري نصرالله ومحمد خان وهالة خليل وكاملة أبو ذكري بعض الأفلام النسائية من حيث المواضيع والبطولات.

تامر حسني ودينا الشربيني في «تاج»
تامر حسني ودينا الشربيني في «تاج»

بدلاً من نمو الظاهرة وانتشارها وتعميمها، تراجعت فكرة البطولة النسائية بشكل كبير، حتى أن النجمات اللاتي تجرأن وقدمن البطولة المطلقة، واستقبلها الجمهور بترحاب، لم يصمدن طويلاً أمام سطوة البطولة الرجالية، التي تدعمها بشكل كبير شركات الإنتاج والمخرجين، وقبلهم المؤلفون، بسيناريوهات تأتي فيها النجمة في الدور المساعد للبطل الرجل، الأمر الذي يضع الكثير من علامات الاستفهام وعلامات التعجب حول هذه الظاهرة!

السينما عامة تعاني أزمات كثيرة، ليس على مستوى سينما المرأة فقط

النجمة إلهام شاهين، التي قدمت العديد من البطولات النسائية، سواء في السينما أو في الدراما التلفزيونية، بل وقامت بإنتاج فيلمين من أهم الأفلام التي عرضت مؤخراً هما «يوم للستات» و«هز وسط البلد»، تقول «السينما عامة تعاني أزمات كثيرة، ليس على مستوى سينما المرأة فقط، فمثلاً هناك تركيز على نوعية معينة من الأفكار التي تعتمد على الكوميديا والحركة فقط، مع شبه تجاهل للأعمال الأخرى، خاصة الاجتماعية والرومانسية إضافة إلى مشاكل المرأة، وهي كثيرة جداً سواء الزوجية أو النفسية، والتي تجد قضاياها في الدراما التلفزيونية وجوداً كبيراً، بل وتكون من أهم عناصر الجذب لشركات الإنتاج، ليظل التركيز في السينما على الأعمال الأقرب للتجارية التي تعتمد على الحركة والكوميديا، وأنا بالتأكيد لست ضدها، لكن في المقابل عدم ظلم المرأة سينمائياً».

محمد هنيدي في مشهد من فيلم «نبيل الجميل أخصائي تجميل»
محمد هنيدي في مشهد من فيلم «نبيل الجميل أخصائي تجميل»

وتؤكد شاهين «لا شك أن المسؤولية مشتركة بين المنتجين والمؤلفين، فعلى المنتجين أن يبدوا حماستهم لتقديم سينما المرأة، كما كان يحدث من منتجين كبار يقدمون كل الأنواع، وعلى المؤلفين أيضاً أن يتصدوا لكتابة مواضيع تهتم أكثر بالمرأة حتى يفرض الموضوع نفسه، سواء كان البطل امرأة أو رجلاً، فالفكرة دائماً هي البطل».

الأبطال الرجال بين الأكشن والكوميدي وما إلى ذلك، من «توابيت النجاح الثابتة»

من جانبه، يبين الناقد كمال رمزي «فكرة البطولة النسائية تحديداً تشهد تناقضات غريبة جداً، ففي الوقت الذي نجد أن هناك نجاحاً كبيراً للنجمات على مستوى الدراما التلفزيونية، وقيامهن ببطولة أعمال بين 30 أو حتى 15 حلقة، نرى تراجعاً ملحوظاً للمرأة في السينما، وكلما حدثت انفراجة في البطولة النسائية بين الحين والآخر، سرعان ما يحدث التراجع، لتظل البطولة النسائية تصارع وتترنح حتى تلفظ أنفاسها، لأن المنتجين يضحون بتلك البطولات ويلعبون بالأوراق المضمونة، وهي الأبطال الرجال بين الأكشن والكوميدي وما إلى ذلك من «توابيت النجاح الثابتة» من وجهة نظرهم».

محمد رمضان في فيلم «هارلي»
محمد رمضان في فيلم «هارلي»

ويضيف «يحدث ذلك في الوقت الذي نجد أن هناك مواهب مهمة جداً، وأسماء لامعة لنجمات يستطعن ضمان النجاح في أي عمل، بدليل نجاحهن في الدراما على مدار 30 حلقة أو أكثر، ويحققن نسب مشاهدة عالية جداً، فلا شك أن البطولة النسائية في السينما تسهم في حضور المرأة بقوة في هذه الصناعة التي قامت على أكتاف بعضهن، وصنعن أجمل الأعمال، سواء كمنتجة وممثلة أو مخرجة، وأسهمن في صنع الريادة السينمائية».

ويواصل رمزي «بالتأكيد المرأة موجودة الآن في السينما بشكل أكبر في مجالات الكتابة والإخراج والإنتاج، لكن على مستوى البطولات يفضل صناع السينما البيع تجارياً باسم النجم الرجل، لكن أعتقد أن الأزمة الأهم في الكتابة للمرأة، حيث لم تكن هناك موضوعات تكتب خصيصاً للمرأة، والمفارقة أن المرأة نفسها حالياً عندما تكتب للسينما تكتب عن الرجل، بينما في عصور سابقة كانت النجمات يبحثن عن كتابات تخص المرأة، وأيضاً محاطات بكتاب يهتمون بهن ويكتبون لهن أفكاراً ومواضيع مهمة، لذلك قدمت السينما بطولات نسائية ذات قيمة ومعنى عبر سنوات طويلة، وحققت نجاحات كبيرة ومهمة».

الكتاب يهتمون بالكتابة للرجل سينمائياً، ونادراً ما تجد المرأة أفكاراً جيدة يمكن أن تقدمها للسينما

النجمة هند صبري التي خاضت أيضاً تجربة الإنتاج مؤخراً، تؤكد أن هناك أزمة حقيقية لما يمكن تسميته «سينما المرأة» أو البطولات النسائية في السينما، وهي أن المنتجين على قناعة تامة بأن النجمة لا تحقق إيرادات مثل النجم الرجل، على الرغم من أن هناك تجارب لبطولات نسائية حديثة كذبت هذه الفكرة.

دنيا مع والدتها الراحلة دلال عبد العزيز في «تسليم أهالي»
دنيا مع والدتها الراحلة دلال عبد العزيز في «تسليم أهالي»

وتضيف هند «الأمر الآخر والأهم، هو أن الكتاب يهتمون بالكتابة للرجل سينمائياً، ونادراً ما تجد المرأة أفكاراً جيدة يمكن أن تقدمها للسينما، على الرغم من وجود العديد من الأفكار والقضايا المهمة التي يتم تقديمها من خلال الدراما التلفزيونية، وتحقق نجاحات كبيرة جداً، ونسب مشاهدة عالية، سواء من خلال الفضائيات، أو مؤخراً عبر المنصات الإلكترونية، فقد استطاعت البطولة النسائية أن تقدم أعمالاً جريئة وتتناول مشكلات صعبة تؤرق المجتمع، كما نجحت المرأة في أن تقدم أعمالاً شقت طريقها إلى المحافل العالمية وحجزت البطلات النساء مكاناً متقدماً في تحقيق الجوائز، وأيضاً في عضوية لجان التحكيم مع نجوم وصناع سينما عالميين، لذلك أتمنى أن تتغير الصورة قريباً وتعود سينما المرأة التي كانت حاضرة دائماً في كل مراحل السينما على مر تاريخها».

العقدين الأخيرين شهدا تراجعاً في المساحة التي تشغلها المرأة على شاشة السينما كبطلة

وفي رأي الناقد طارق الشناوي أن هذه المشكلة مزمنة في السينما المصرية، فهي ليست خاصة بالجيل الحالي من النجمات، بل كانت تحدث طوال الوقت، ومع كل الأجيال، وما دون ذلك كان استثناء، «في كل مراحل السينما، نجد أن سينما النجم تكون سائدة دائماً، وإلى جوارها استثناءات من سينما النجمات، لكن الملاحظ أن العقدين الأخيرين شهدا تراجعاً في المساحة التي تشغلها المرأة على شاشة السينما كبطلة، وإن كان ذلك لا ينفي وجودها كشريك في الأغلب الأعم من أفلام كبار النجوم».

منى زكي في مشهد من أحد بطولاتها في السينما
منى زكي في مشهد من أحد بطولاتها في السينما

ويواصل «في رأيي هذا التراجع لا يعود لقلة النجمات أو زيادة موهبة الرجل، بل لأن السينما المعاصرة اتجهت منذ تسعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى العقدين الآخرين بشكل أكبر، إلى نوعية محددة من الأفلام التي أقبل عليها الجمهور بشكل كبير، وهي أفلام الحركة والكوميديا، والممثلة التي تنجح في هذين اللونين تستطيع أن تحقق نجاحاً مثلما حدث مع ياسمين عبدالعزيز ودنيا سمير غانم مؤخراً».

* القاهرة: أحمد إبراهيم