06 سبتمبر 2023

بحجة "هذا ما يطلبه الجمهور".. ممثلون لا يستطيعون الخروج من صورة السوبر هيرو

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

بحجة

هي نعمة ونقمة في وقت واحد. فمن ناحية هو ممثل محظوظ إذا ما استطاع تجسيد شخصية سوبر هيرو في عدد غير محدود من الأفلام المتسلسلة. ومن ناحية أخرى، هو قيد يتمنى لو يستطيع الفكاك منه.

بحجة

منذ أجيال، ممثلون ومخرجون عديدون وجدوا أن أفضل طريقة للنجاح البقاء في طي ما تحقق منه. سلفستر ستالون في «روكي» و«رامبو»، جوني ويسمولر في «طرزان»، بيتر سلرز في سلسلة «الفهد القرمزي»، مات دامون في سلسلة «جاسون بورن»، كلينت ايستوود في شخصية هاري كالاهان في «ديرتي هاري»، أرنولد شوارتزنيغر في سلسلة «ذ تيرميناتور»... والقائمة تطول.

هذا يعني أن الممثل ضمن النجاح المبدئي إذا ما عاد للشخصية التي حققت نجاحاً كبيراً، وبات من المستحسن ترجمته إلى أجزاء لاحقة. ليس الممثل فقط، بل عدد من المخرجين الذين يزورون الشخصية ذاتها لتقديمها من جديد وشركات الأفلام التي ترقب كل دولار تجنيه من أي حلقة وتقارنه بالحلقة السابقة.

بحجة

جمهور الأكشن يواكب المغامرات

هذا يحدث الآن لكن ببعض الاختلاف: في الماضي، كان كل واحد من أبطال المسلسلات يكتفي بإطلالة واحدة كل بضعة أيام وعادة على بعد زمني من الأبطال الآخرين. على سبيل المثال، قد نجد أن أحد أفلام «روكي» عرض في العام ذاته الذي شهد عرض «ذ ترميناتور»، لكننا لن نجد زحمة من الأفلام ذاتها تحتشد في غضون أسابيع قليلة. وهذه هي الحال في هذه الأيام.

المسألة ليست الأفلام المسلسلة بحد ذاتها، بل في أن أبطالها متمسكون بها كونها إحدى تذاكر النجاح (أو مطارح اللصق) المتاحة، وأحياناً هي التذكرة الوحيدة التي في اليد.

حين خرج الجزء العاشر من Fast and Furious تحت عنوان Fast X رغب ممثله الأول ڤن ديزل وأصحابه تسجيل نقطتين: الأولى نجاح الوصول بهذا المسلسل من بدايته الأولى سنة 2001 إلى اليوم بعد أكثر من عشرين سنة بقليل. لم يكن الأمر سهلاً، لكن ديزل وصحبه واصلوا العمل وحققوا في كل جزء خطوة تقود إلى الجزء التالي.

النقطة الثانية هي أن الجمهور واكب هذه المغامرات التي ترتكز على قيادة السيارات بسرعات جنونية بل على الطيران بها كما لو كانت «درونات» سريعة مع قدر كبير من الانقلاب عدة مرات على كل جانب من جوانبها وخروج من فيها سالماً بلا خدش واحد. هذا عدا عن السيارات التي تهوي إلى قاع النهر أو تلك التي تنفجر وتفجر سواها.

بطولة هذه السلسلة جماعية يقودها دنزل الذي يصر فيها على التأكيد بأنه أذكى من الجميع وأكثرهم حضوراً ومهارة.

بحجة

هذه البطولة الجماعية هي ما يصبو إليه سلفستر ستالون في مسلسل فيلمه The Expendables الذي ولد في العام 2010. آنذاك، كانت لا تزال لديه بقية من «روكي» مارسها سنة 2018 عبر تحوله إلى ممثل مساند في سلسلة جديدة مستوحاة من «روكي» وهي Creed (ثلاثة أجزاء حتى الآن) وبقية من «رامبو»، إذ ختم المهام الصعبة التي تصدى لها بفيلم Rambo‪: Last Blood كجواب على الفيلم الأول من هذه السلسلة وهو كان لابد له من أن يجد بديلاً، وهذا البديل كان سلسلة The Expendables التي خرج منها ابتداء من العام 2010 ثلاثة أجزاء والرابع على الطريق قريباً جداً.

بحجة

البطل الوحيد "رجولة لا تفنى"

كل من «فاست أند فيوريوس» و«المستهلكون» يقومان على عدد أكبر من المعتاد من الممثلين المعروفين للقيام، معاً، بمهام صعبة مثل محاربة مجرمين محترفين أو عصابة تهريب مخدرات أو أخرى لتهريب السلاح أو أي تهريب آخر يكون عذراً لحملة واسعة ومغامرات كبيرة والكثير من الأكشن. إذا كان مسلسل ڤن ديزل يقوم على السيارات، فإن اختصاص مجموعة «المستهلكون» هو كل أنواع السلاح. كلاهما يلتقي على مبدأ أن «الرجولة كنز لا يفنى» وهو المبدأ العام الذي تسير عليه باقي الشخصيات في مثل هذه الأفلام. إنها شخصيات «الماتشو» التي تتنافس على البرهنة داخل الأفلام وخارجها في علم الحسابات بأن الغلبة للأقوى.

يجب ألا ننسى كذلك أن كيانو ريڤز عمد في سلسلته الشهيرة «جوني ويك» (4 أجزاء إلى الآن) للكثير من مشاهد العنف إنما بأسلوب خفيف من «الماتشوويزم». العنف أساسي في الشخصية التي يؤديها لكنه الضحية بقدر ما هو الجلاد كما رأيناه في الجزء الرابع الذي تسلل إلى العروض خلال موسم الصيف إسوة ببعض الأفلام الأخرى. ريڤز هو مثل «الذئب الوحيد» بلا التجسيد الصحيح له. ليس فقط في أنه يعمل وحيداً، بل لأنه لا يعرف حقيقة أعدائه فيقاتل الجميع.

بحجة

في خضم هذه المجموعة، تم عرض فيلم العودة لشخصية إنديانا جونز في جزء خامس منذ أسبوعين معيداً للأذهان تلك الشخصية المغامراتية التي ولدت على الشاشة لأول مرة سنة 1981 ثم تكررت بعد ذلك في 1984 و1989 ثم 2008. بعد 15 سنة فكرت هوليوود بإطلاقه في مغامرة خامسة تحت عنوان «إنديانا جونز وقرص القدر»، ذلك القرص الذي لم يمنع القدر من حصول الفيلم على إيرادات متدنية لا بالنسبة لسواه من أفلام هذا الموسم فقط، بل كذلك بالنسبة للأجزاء السابقة منه أيضاً. فبعد شهر من إطلاقه في 30 يونيو المنصرم، جمع 248 مليون دولار أي أقل بمليوني دولار عن تكلفته.

الذين حلموا في شركة ديزني بجمهور غفير يملأ الصالات طمعاً في مشاهدة لص الآثار وهو يخوض مغامرة جديدة في هذا الصدد، فوجئوا بذلك العزوف الذي من بين أسبابه أن أحداً لم يقبض بطله هاريسون فورد (80 سنة) على محمل الجد على الرغم من عمليات تحديث العمر ببرامج الكومبيوتر. هاريسون فورد الذي كان أعلن في «كان»، حين شهد الفيلم عرضه العالمي الأول، عن أن الفيلم هو بمثابة «معجزة» بالنسبة إليه ملتزم حالياً الصمت مدركاً أن للسن أحكاماً.

بحجة

الفيلم المقبل.. دائماً

بالمقارنة فإن توم كروز، رغم بلوغه الحادية والستين سنة، يبدو أكثر طواعية في مشاهد الأكشن التي يؤديها. هذا الممثل لا يزال الرقم الأول بين المداومين على تمثيل الشخصيات المتداولة لهم. فيلمه الجديد Mission‪: Impossible‪: Dead Reckoning Part One سيكون شاهداً جديداً على ذلك

إنه الجزء السابع من السلسلة التي ولدت من رحم المسلسل التلفزيوني الشهير بالاسم ذاته (خلال الستينات). وتوم كروز ملتصق به بكل نواشذه لدرجة أننا قلما نراه يؤدي دوراً آخر في فيلم لا ينتمي إلى هذه السلسلة. هذا طبعاً باستثناء «توب غن: ماڤيريك» الذي خرج في العام الماضي كجزء ثان (بدوره) من جزء سابق قبل نحو 30 سنة.

اللافت هو أنه إذ شاهد الجزء الأخير من إنديانا جونز، ألهبته حقيقة أن فورد (80 سنة) ما زال يلمع بالنسبة لمشاهديه، فإذا به يصرح: «أود الاستمرار في بطولة «المهمة: مستحيلة» حتى ذلك العمر». يومها لم يدرك كروز أن اللمعان كان بريقاً خاطفاً مضى بأسرع ما خطط له.

بحجة

يبقى هناك بطل واحد ومسلسل فيلم آخر مبرمج للعروض في الشهر التاسع لينافس سلفستر ستالون وفريقه. البطل هو خارج كل نطاق سابق وأفلام مسلسله لم تتعد بعد الثلاثة.

إنه دنزل واشنطن الذي يعود إلى دور روبرت ماكول في مسلسل «المساوي» (The Equalizer). وهو مسلسل ظهر في السينما من بطولة واشنطن (وإخراج أنطوان فوكوا) لأول مرة سنة 2014 ثم للمرة الثانية سنة 2018 ويعود قريباً لدورة ثالثة. وهو، مثل «المهمة: مستحيلة» نبع من مسلسل تلفزيوني شهد نجاحه في الثمانينات.

المثير في شخصية ماكول هو الطريقة المقنعة التي يؤدي بها دنزل واشنطن الدور. هو شخصية عملية، ماهرة، سديدة، تنصف المظلومين ضد الظالمين وقادر على أن يبتسم من القلب.

لا سيارات تطير ولا دراجات نارية تسبق الريح ولا عشرات الأشرار يواجهونه فيطيح بهم كما لو كان يخفق البيض قبل القلي. إنه واحد لواحد وأحياناً واحد ضد اثنين. يؤديه دنزل بكل قناعة ومن خلفية مختلفة كذلك وهي أنه ليس بحاجة لتأكيد نجوميته عبر الإصرار على هذا المسلسل. لكن مجرد وجوده في مواجهة كل أولئك الممثلين الباحثين عن أقصى الضوضاء وأقصى السرعات وأقصى أعمال العنف، نوع من النسيم العليل والمختلف.