20 سبتمبر 2023

مهرجان فينيسيا.. لماذا أفلام أمريكا وأوروبا في الصدارة دائماً؟

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مهرجان فينيسيا.. لماذا أفلام أمريكا وأوروبا في الصدارة دائماً؟

مهرجان فينيسيا الذي انطلق في الثلاثين من شهر أغسطس وأغلق أبوابه في العاشر من هذا الشهر، مر بتجربة صعبة لكنه نجح في تحقيق ذاته وأتم دورة مهمة في تاريخه. رغم ذلك يبقى السؤال: لماذا تغيب أفلام العرب وآسيا وأمريكا اللاتينية؟

لم يتمكن عدد كبير من نجوم السينما الأمريكية من القدوم إلى مهرجان فينيسيا في دورته الثمانين، بسبب إضراب نقابة الممثلين الأمريكيين.

أحد التزامات الممثلين المنضمين للنقابة (أكثر من 15 ألف ممثل) هو عدم الترويج لأفلامهم إعلامياً لا داخل الولايات المتحدة ولا خارجها. وينطبق ذلك على حضورهم المهرجانات (إذا ما حضروا) فلا مقابلات ولا سير على السجادة الحمراء ولا ترويج لأفلامهم من أي نوع.

بسبب هذا الوضع، لوحظ قلة عدد المصورين الصحفيين بالنسبة لأعدادهم في السنوات الماضية. كذلك انحسر عدد الصحفيين الذي يكتبون عن الفنانين والفنانات ولا يهتمون بالأفلام بحد ذاتها. لكن النقاد من كل أنحاء العالم جاؤوا كونهم يشتغلون في مشاهدة الأفلام وليس في إجراء المقابلات أو تصوير فساتين السهرة. بذلك طغت الكتابة النقدية، ما ساعد المهرجان على الحفاظ على حضوره السنوي كحدث يهم عشاق السينما أكثر من سواه (في مقابل أن مهرجان «كان» بات عيداً احتفالياً تؤمه الأفلام التي- في معظمها- من إنتاج فرنسي كلياً أو جزئياً).

مهرجان فينيسيا.. لماذا أفلام أمريكا وأوروبا في الصدارة دائماً؟

استفاد الممثل برادلي كوبر من حقيقة أنه كمخرج لا يشمله القرار بل كممثل فقط. لذلك عرض فيلمه الجديد «مايسترو» الذي يقوم ببطولته إلى جانب كاري موليغن، على أساس ذلك استطاع الإدلاء بأحاديث صحفية (ولو قليلة) والسير فوق السجادة الحمراء في الليلة التي تم فيها عرض فيلمه.

لكن الآخرين فاتهم ذلك، مثل زندايا، التي أعربت عن أسفها الشديد لتفويت الفرصة المتاحة للظهور، وغلن باول الذي قاد بنجاح بطولة فيلم Hit Man، ومايكل فاسبندر الذي كان يستطيع الحضور استناداً لكونه بريطاني الجنسية لكنه آثر احترام النقابة.

مهرجان فينيسيا.. لماذا أفلام أمريكا وأوروبا في الصدارة دائماً؟

الغرب الحاضر والشرق الغائب

هذا ما ينقلنا إلى وضع شائك ومختلف: هل لاحظتم مثلاً أنه في عموم المهرجانات الأوروبية الرئيسية وغير المتخصصة بنوع أو نحو معين من الأفلام، هناك منافسة بين أفلام هوليوود وأفلام العواصم الأوروبية؟ هذا يعود بالطبع إلى حجم المنتوج من الأفلام في كلا القارتين، وحجم الأفلام المعروضة داخل أي مهرجان أوروبي عالمي.

هي ممارسة من الأمس البعيد باتت تفعيلاً تقليدياً لما يعرض ولما يفوز. الدول اللاتينية والدول الآسيوية عادة ما يكون لها حضور محسوب لكنها تبقى قلة خصوصاً بالنظر إلى عدد الدول الآسيوية واللاتينية.

في دورة هذا العام من مهرجان فينيسيا على سبيل المثال، وفي إطار أفلام المسابقة الرسمية، تجسيد لهذا النحو غير العادل من الأفلام المنتخبة.. 6 أفلام أمريكية، 6 أفلام إيطالية، 3 فرنسية، ثم فيلم واحد من كل من: بريطانيا، ألمانيا، هولاندا، بولندا، تشيكياً والسويد. ما يجعل النسبة الأكبر أوروبية (15 فيلماً) ويجعل عدد المنتسب من الأفلام «الغربية» (الولايات المتحدة وأوروبا) 21. هذا ما يجعل الحضور من شتى أنحاء العالم (باستثناء الغرب) فيلمين فقط، واحد من تشيلي والآخر من اليابان (لاتيني وآسيوي).

تؤثر لعبة الأمم هذه في النتائج، ونكتفي هنا بالسنوات العشر ما بين 2013 و2022:

  • عدد الأفلام الأمريكية الفائزة بالجائزة الأولى (الأسد الذهبي): 4.
  • عدد الأفلام الأوروبية الفائزة (بالجائزة نفسها) 4
  • عدد الأفلام غير الأمريكية وغير الأوروبية التي نالت هذه الجائزة الأولى: 2 فقط، الفيلم الفلبيني «المرأة التي غادرت» للاڤ داياز (2016)، والفيلم المكسيكي «روما» لألفونسو كوارون (2018).

يختلف الأمر قليلاً بالنسبة لمهرجاني برلين و«كان»، ويختلف أكثر بالنسبة لمهرجان سان سابستيان (الذي يعرض عدداً كبيراً من أفلام القارة اللاتينية). بالنسبة لمهرجاني لندن وتورنتو فإنه من الصعب إدماج حاليهما في هذا الوضع، أولاً لأنهما ما زالا نوعاً من المهرجانات التي عرضت عدداً لا بأس به من الأفلام التي سبق اشتراكها في مهرجانات أخرى، وثانياً لأنهما لا يوزعان جوائز أساسية على نحو رسمي.

سؤال مهم آخر

هذا ما يجب وضعه بعين الاعتبار حين تساءل بعض المخرجين من دول غير غربية عن السبب في عدم اختيار أفلام (على افتراض أنها تستحق دخول المسابقة العالمية) للمسابقات الرسمية وتحويل عدد كبير منها إلى المسابقات المساندة أو عرضها خارج المسابقة حيث الوصول إليها محدود بعدد من لديه الرغبة لمشاهدتها في ذاتها.

لا يخفى أيضاً أن هناك أفلاماً كثيرة باتت تحمل أسماء أكثر من دولة كجهات منتجة.

هذا العام، على سبيل المثال، نجد «الأرض الموعودة» لنيكولاي أرسل يحمل ألوية سويدية، دنماركية وألمانية، فيلم «القبطان» لماتاو غاروني مشترك باسم إيطاليا- بلجيكا، وفيلم المخرجة البونلندية أنييشكا هولاند يحمل أعلام بولندا وجمهورية تشيك وبلجيكا، وهناك أربعة دول ساهمت في تمويل فيلم Holly لبيان تورتش هي بلجيكا وهولندا ولكسمبورغ وفرنسا.
كل هذا يجعل من الضروري البحث عن المصدر الأول للفيلم، أو «ذ برودكشن هاوس» لمعرفة من أين انطلق الفيلم فعلاً.