22 أكتوبر 2023

"الفورمات" ظاهرة تقتحم الدراما العربية.. وتنذر بالخطر

فريق كل الأسرة


«أصحاب ولا أعز» مقتبس من فيلم إيطالي

ظهر خلال السنوات الأخيرة عدد كبير من الأعمال الدرامية التي تم تعريبها عن «فورمات أجنبي»، لأعمال لاقت نجاحاً كبيراً في بلادها، تم اقتباسها وتحويلها إلى أعمال مصرية وعربية، بعضها أثار جدلاً واضحاً، وبعضها حاول الاقتراب من النجاح الذي حققته الأعمال الأصلية، ما قد يؤثر بشكل سلبي في الرؤية المحلية للأعمال المصرية والعربية أيضاً.

«سوتس» من أشهر الأعمال المقتبسة
«سوتس» من أشهر الأعمال المقتبسة

بعد النجاح الذي حققه المسلسل المصري «هبة رجل الغراب»، المأخوذ عن المسلسل الكولومبي Yo soy Betty la fea أو «أنا بيتي أقبح واحدة»، في العام 2014، اتجه صناع الدراما في الأعوام الخمسة الأخيرة إلى شراء ما يسمى «فورمات» أعمال أجنبية، والقيام بإعادة إنتاجها في مصر أو بعض الدول العربية، لتمتد الظاهرة إلى دراما شهر رمضان ونشهد خلاله أعمالاً مأخوذة عن «فورمات أجنبي»، مثل «جراند أوتيل» المأخوذ عن مسلسل إسباني، و«حلاوة الدنيا» المأخوذ عن مسلسل مكسيكي، و«ليالي أوجيني» المقتبس عن نسخة إسبانية، كذلك مسلسلا «زي الشمس ولعبة النسيان» المقتبسان عن أعمال إيطالية، والمسلسل الكوميدي «سكر زيادة» المأخوذ عن عمل أميركي من ثمانينيات القرن الماضي، ثم مسلسل «Suits»، المأخوذ عن مسلسل أمريكي وتم تقديمه بالاسم نفسه «سوتس بالعربي»، ليكون إضافة جديدة إلى سجل «الأنماط الجاهزة».

«من أجل زيكو» عمل كوميدي مقتبس من فيلم أمريكي
«من أجل زيكو» عمل كوميدي مقتبس من فيلم أمريكي

وهكذا أصبحت الظاهرة أمراً واقعاً، حتى إنها لم تعد قاصرة على الدراما التلفزيونية، بل امتدت أيضاً للسينما، بعد ظهور فيلم «أصحاب ولا أعز» المأخوذ عن الفيلم الإيطالي Perfect Strangers أو «غرباء بالكامل»، الذي آثار ضجة واسعة لما جاء فيه من تفاصيل وألفاظ لا تتناسب مع العادات والتقاليد العربية، كذلك الفيلم الكوميدي «من أجل زيكو» وهو عمل كوميدي مقتبس من الفيلم الأميركي Little Miss Sunshine.

النسخة المصرية من «الآنسة فرح»
النسخة المصرية من «الآنسة فرح»

الظاهرة أصبحت متكررة ومنتشرة على مدار العام من خلال مسلسلات أكثر من 30 حلقة، مثل «كأنه امبارح» المنقول عن نسخة إسبانية، والدراما الكوميدية «طلعت روحي» المأخوذة عن عمل أميركي، ومسلسل «منعطف خطر» المأخوذ عن الدراما البوليسية الأجنبية the killing أو القتل، ومسلسل «مجنونة بيك» المأخوذ عن المسلسل الأمريكي الكوميدي الرومانسي The crazy ex Girlfienl أو «الحبيبة السابقة المجنونة»، ثم مؤخراً تم تقديم خمسة أجزاء من مسلسل «الآنسة فرح».

«عروس بيروت» مقتبس من مسلسل تركي
«عروس بيروت» مقتبس من مسلسل تركي

وفي العام 2019 انتقلت التجربة إلى لبنان في مسلسل «عروس بيروت» المقتبس عن نظيره التركي الذي حمل اسم «عروس إسطنبول»، وهو العمل الذي تجاوز عدد حلقاته حتى الآن 175 حلقة، كذلك قامت المملكة العربية السعودية العام الماضي بتقديم مسلسل «المكتب» وهو مأخوذ عن مسلسل أمريكي بعنوان The Office أو «المكتب»، وهذا العام 2023 قدمت مسلسل «الثمن» المأخوذ عن الفيلم الأمريكي Indecent Proposal أو «اقتراح غير لائق»، الأمر الذي أصبح ظاهرة تهدد عرش صناعة الدراما المصرية والعربية، بضربة موجهة لكتاب السيناريو بشكل خاص، سواء في السينما أو التلفزيون.

تمصير الدراما الأجنبية

الفنانة تارا عماد، التي شاركت في مسلسل «سوتس بالعربي»، لا تمانع في وجود هذه الظاهرة، وتقول «منذ أن علمت بأن العمل سيتم تمصيره انتابتني حالة من السعادة، لأنني شاهدت النسخة الأصلية، وتمنيت المشاركة في النسخة المصرية، وتقديم شخصية «رايتشل» التي قدمتها بالفعل، فهي تشبهني للغاية، وأعتقد أنه ليس هناك مشكلة في عملية نقل الفورمات، طالما أننا نقدم ما يتناسب مع مجتمعنا، لأن هذه الظاهرة ليست خاصة بمصر فقط، بل بالعالم كله، فهناك أعمال أمريكية يتم نقلها إلى كوريا واليابان والعكس، في أميركا تم تقديم مسلسل عن فورمات إسباني، وأعمال في أمريكا اللاتينية يتم تقديمها في أوروبا، فالظاهرة تعم العالم، لكن كما قلت المهم هو تقديم ما يتناسب مع مجتمعاتنا وثقافتنا».

«الثمن» مقتبس من فيلم أمريكي
«الثمن» مقتبس من فيلم أمريكي

تؤكد هذا الرأي الفنانة نسرين أمين، مشيرة إلى أن ظاهرة نقل «الفورمات» تحدث في العالم كله، وأنها ليست قلقة بشأن الدراما المحلية، لأن كل نوع وله جمهوره الآن، وتضيف «إذا لم يشاهد الجمهور هذه الأعمال في الفضائيات والمنصات العربية، سيبحث عنها في مكان آخر، لكن الأمر هنا يتوقف على براعة «التمصير»، وتحويل هذه الأعمال إلى دراما تتناسب مع عادتنا وتقاليدنا وثقافاتنا العربية.

الظاهرة لا تعني أن هناك فقراً في الإبداع المصري أو العربي، بل هي محاولة استغلال بعض الأعمال الناجحة عالمياً، خاصة وأن القضايا الإنسانية واحدة في كل العالم، لكن الاختلاف يكمن في التناول والطرح، وفقاً لعادات وتقاليد كل دولة، وفي الوقت نفسه نقدم الدراما الخاصة بنا التي تعبر عن مشاكلنا وقضايانا وبحرفية عالية، بدليل موسم الدراما في شهر رمضان الماضي، الذي قدم فيه عدد كبير جداً من الأعمال الكبيرة والمهمة التي لاقت نجاحاً كبيراً ومبهراً».

«زي الشمس» مقتبس من فيلم إيطالي
«زي الشمس» مقتبس من فيلم إيطالي

من جانبه، يشير الناقد طارق الشناوي إلى أن «تحويل مسلسل من لغته الأم إلى لغة أخرى أصبح ظاهرة فنية منتشرة عالمياً، وهناك العديد من المسلسلات تم تمصيرها وشراء حق الانتفاع بها من قبل، وحققت نجاحاً عند عرضها مثل «جراند أوتيل، وليالي أوجيني، وسوتس بالعربي» وغيرها، لكن المهم في هذا الموضوع أن يتم توظيف «التمصير» في إطار يناسب هويتنا وتقاليدنا، وبراعة كاتب السيناريو هنا تكمن في إعطاء العمل الروح المصرية والعربية.

فهناك الكثير من الأعمال الناجحة التي تحقق نسب مشاهدة عالية في نسختها الأصلية، ومن هنا يجد القائمون على الصناعة الدرامية في مصر ضرورة وجود مثل تلك الأعمال، خاصة ما يلائم منها الثقافة المصرية، كما أن تعدد قنوات العرض بعد زيادة الفضائيات وأيضاً انتشار المنصات الرقمية أسهم بنسبة كبيرة في انتشار أعمال الفورمات، في ظل تبادل الثقافات التي تخضع لقيم وأعراف ثابتة».

اختيار ما يناسب ثقافتنا

أما السيناريست سماح الحريري فهي لا تمانع وجود مثل هذه الظاهرة، مشيرة إلى إنها لاقت رواجاً كبيراً مع انتشار المنصات الإلكترونية، وهي المعنية بشكل أكبر في عرض مثل هذه النوعية من الأعمال، وتضيف «بالتأكيد أنا لست مع الرأي الذي يقول إن الظاهرة تعبر عن إفلاس في الأفكار للكتاب المصريين، لأن الدراما المصرية الأصلية لا تزال موجودة وبقوة، ويتم على مدار العام تقديم كم هائل من الأعمال المصرية المميزة، غير الطفرة التكنولوجية التي فرضت وجود ثقافات أخرى متنوعة، وأصبحت في متناول الجميع، لذا فأنا لست ضد الظاهرة، لكن مع التعامل معها بحذر شديد، بما يتناسب وثقافاتنا وعاداتنا العربية، وعدم الانزلاق وراء الثقافات والعادات الغريبة عنا».

جراند أوتيل الاجنبي
جراند أوتيل الاجنبي

ويرى الناقد نادر عدلي أنه يجب أن تعي شركات الإنتاج أهمية اختيار الفورمات التي ينقلون عنها بدقة شديدة، وليس لمجرد أن هناك عملاً ناجحاً فقط، وكذلك كتاب السيناريو ألا ينساقون وراء بريق الثقافة الغربية، والاعتماد فقط على الأفكار، مع عدم الاستسهال في التعامل مع هذه النوعية من الأعمال، بنقل أمين لكل مشهد، ويؤكد «الظاهرة موجودة في العالم، لكن بشكل متبادل، بمعنى أن أنقل عنك وتنقل عني، وليس فقط الاعتماد طوال الوقت على الغير، وللأسف هذا ينذر بخطير شديد يؤكد أننا أصبحنا نفتقد الكتاب المميزين، ولم يبق سوى عدد قليل يعد على أصابع اليد الواحدة، فنحن لم نكن نسمع عن هذه الظاهرة خلال السبعينات والثمانينات والتسعينات في القرن الماضي، في ظل وجود كتاب مثل الراحلين أسامة أنور عكاشة، محفوظ عبد الرحمن، يسري الجندي، ومحمد صفاء عامر وغيرهم، وأصبح الأمر يعتمد في المقام الأول على ما يطلق عليه «ورش الكتابة»، التي لا تصنع كاتباً مميزاً.

السبب الآخر الأهم في انتشار مثل هذه الظاهرة، هو الانتشار الكبير لعدد الفضائيات التي تحتاج إلى رقم هائل من ساعات البث، فضلاً عن زيادة عدد المنصات الإلكترونية ومنافذ العرض على الـ «سوشيال ميديا»، وامتداد الموسم ليشمل طوال العام بدلاً من قصره على شهر رمضان فقط، الأمر الذي يستدعي وجود كم هائل من الأعمال، قد لا يستطيع أن يفي به الكتاب الموجودون على الساحة الآن».

* القاهرة: أحمد إبراهيم