د. عبد العزيز النعيمي: استضافة الإمارات لـ"COP28" تعكس التزامها بالتنمية المستدامة
اشتهر عالمياً بلقب «الشيخ الأخضر» لجهوده المتواصلة في حماية البيئة ونشر ثقافة الاستدامة وحماية الطبيعة. هو الشيخ الدكتور عبد العزيز علي بن راشد النعيمي، المستشار البيئي لحكومة عجمان، التقيناه لنناقش دور الإمارات الرائد تجاه القضايا البيئية، وأهمية استضافتها لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ «COP28».
بداية، نودّ التعرف إلى أهمية تعزيز الوعي البيئي في المجتمع؟
يعزز الوعي البيئي الاهتمام بالقضايا البيئية والتحديات المستدامة، وتحقيق هذا الهدف يسهم بشكل كبير في حماية الموارد الطبيعية وتعزيز التنمية المستدامة في مختلف القطاعات، من خلال زيادة وعي الجمهور بأهمية الحفاظ على البيئة، وتنفيذ مبادرات وبرامج للحفاظ على التنوع البيولوجي، وتقليل التلوث، وتحسين إدارة الموارد المائية، والنباتية والحيوانية.
وفي هذا الصدد، قامت الإمارات بتنفيذ مجموعة من المشروعات والمبادرات المستدامة منذ عقود، ومازالت تقدم لهذا الملف المهم الكثير، ففي عام 2021 تم قياس معدل الوعي البيئي للمجتمع، وبلغت نسبته 84%، وفقاً لتقرير صادر عن وزارة التغير المناخي والبيئة، ومع تحسين دقة القياس أعتقد أن هذه النسبة قد تصل إلى أقل من 65%، نظراً لعدم مشاركة أفراد المجتمع مع الجمعيات والمنظمات البيئية في عملية قياس الوعي البيئي، فما زالت هناك ممارسات خاطئة للأفراد في الاستهلاك بشكل غير مسؤول، سواء في التسوق، أو استخدام الماء والكهرباء، أو في الغذاء وعدم تدوير المخلفات، وإلقاء المخالفات في الصحراء خلال التنزه وقت الإجازات.
هل لك أن تطلعنا على أحد الملفات التي تتجلى فيها بوضوح ممارسات الأفراد الخاطئة تجاه البيئة؟
لو أخذنا نموذجاً مثل قطاع الغذاء والاستهلاك، سوف نرى ذلك واضحاً، إذ اطّلعت على دليل الاستهلاك الصادر عن فريق «عام الاستدامة» في الدولة، ووجدت أن كمية الطعام المهدرة سنوياً، تساوي أكثر من 3.3 مليون طن من الغذاء، والتي تعزز من انبعاثات الغازات الدفيئة بسبب إطلاق غاز الميثان، المسبّب الثاني بارتفاع درجة حرارة الأرض، أو السخونة الأرضية، فضلاً عن إهدار الموارد القيّمة، من مال وطاقة وماء ونفايات وغذاء وساعات عمل، فهذا الهدر السنوي يكفي لإطعام ما يقرب من عدد سكان الدولة بالكامل.
والحلول موجودة للتقليل من الهدر قدر المستطاع، ولكن، للأسف، تنقصنا إدارة الوعي والقياس والتدقيق، والشراكات مع مصانع الأغذية، وتجار التجزئة والمطاعم والفنادق، لاتخاذ الإجراءات العملية، وعمل شراكات عملية جادة مع البلديات والجمعيات والمؤسسات الخيرية لحفظ النعمة، بشكل احترافي ومنافس.
"COP28" يمثل نقطة تحوّل حاسمة في مجال مكافحة تغيّر المناخ على الساحة العالمية
أيام تفصلنا عن استضافة الإمارات لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة «COP28»، فما هي التوقعات والطموحات والنتائج المتوقعة منه؟
يمثل «COP28» نقطة تحوّل حاسمة في مجال مكافحة تغيّر المناخ على الساحة العالمية، ويتوقع أن يسفر عن نتائج وتوصيات تعزز التزام الدول بتحقيق أهداف طموحة للحد من انبعاثات الكربون، وتعزيز التمويل لمواجهة تأثيرات تغيّر المناخ، كما سيكون له تأثير كبير في تعزيز الحلول المبنية على الطبيعة والتعامل مع قضايا الفقدان والضرر.
واستضافة الإمارات لهذا المؤتمر تعكس التزامها القوي بالتنمية المستدامة وتوفير منصة للتعاون الدولي، وهذا الحدث يمنح الدولة الفرصة لتقديم تجاربها ومشاريعها المبتكرة كوسيلة لتبادل المعرفة والخبرات في مجالَي الاستدامة والطاقة المتجددة، وبالتالي يسهم في جذب اهتمام المجتمع الدولي بها، كما أنه فرصة ذهبية للإمارات للعب دور ريادي في مكافحة تغير المناخ وتحفيز التحالفات العالمية من أجل عالم أكثر استدامة. أما التوقعات جراء انعقاده فتشمل تحديد أهداف طموحة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري)، وزيادة التمويل لمواجهة تأثيرات تغيّر المناخ، وسيكون التركيز على تعزيز التعاون الدولي، والتوصل إلى اتفاقيات جادة تعزز من الجهود المناخية العالمية.
كيف يمكن لجهود «الشيخ الأخضر» تحفيز وإلهام الأشخاص حول العالم لحماية كوكب الأرض واستدامته؟
منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، بدأ نشاطي العملي، وتحوّلي من قطاع النفط والغاز الطبيعي كمهندس تصنيع، إلى ناشط بيئي، ومن ثم رئيس جمعية أصدقاء البيئة، وكانت الجمعية الأولى في الإمارات ذات النفع العام المتخصصة في المجال البيئي، وواصلت التفاعل مع الجمهور ووسائل الإعلام المختلفة والمشاركات الحكومية والشركات ذات الصّلة، وكذلك عقد اللقاءات، والمشاركة في الفعاليات، الدولية والمحلية، والمؤتمرات البيئية، إضافة إلى زياراتي للجامعات حول العالم، واستضافة نخبة من الطلاب من جميع أنحاء العالم في الإمارات بشكل دوري، إذ شاركوا معنا في الأعمال التطوعية والثقافية والاجتماعية والبيئية، لزرع ثقافة الاستدامة وحماية البيئة وصناعة سفراء الأرض، وتشجيعهم على الحوار حول مسائل الاستدامة وحماية البيئة في جامعاتهم ودائرة علاقاتهم، ودوري من خلال «أكاديمية الشيخ الأخضر»، لكوني مؤسّساً لها، هو تخريج نخبة من القيادة المستدامة، وما زالت تخرج صفوة، من النساء والرجال، يكون لهم دور حيوي ومؤثر في مجتمعهم وحياتهم، والذين سيكون لهم تأثير عميق في نشر فكر الاستدامة وحماية البيئة.
ما الذي تأمل تحقيقه ويصبّ في مصلحة البيئة؟
من ضمن أهدافي أن أصبح شخصية عالمية رقمية باستخدام الذكاء الاصطناعي، أو الأفاتار التفاعلي، لأكون نافعاً للبشرية بزرع قيم الإحسان في قلب كل إنسان، وذلك سيتيح لي الوصول إلى مليار، أو مليارات الأشخاص حول العالم، وتعليمهم، وإلهامهم بشأن الاستدامة البيئية والقيم الحقيقية للمحافظة على كوكب الأرض والتقليل من الإضرار به، وأؤكد أهمية الشراكات والتعاون، مع الالتزام بالعدالة الاجتماعية والرفق بالضعفاء ومساعدة المحتاجين، والتعاون مع الأقوياء، ووجود الحوكمة المسؤولة لضمان مستقبل مبهر ومستدام.
ما الخطوات التي تتّبعها للوصول إلى أهدافك في مجال حماية البيئة؟
- التوعية والتثقيف: باستخدام الموقع الرقمي، وعبر حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي، كمنصة لنشر الوعي حول التحديات البيئية، وأهمية الحفاظ على البيئة، إذ يمكنه تقديم معلومات ونصائح عملية حول كيفية العيش بشكل مستدام، وتقديم أمثلة عملية وناجحة وتجارب قابلة للتنفيذ.
- التحفيز الشخصي والقدوة: بإلهام الناس، من خلال اللقاءات والحوارات وقصص النجاح التي تشير إلى كيفية تغيير نمط حياتهم لمصلحة البيئة، والتشجيع على اتخاذ خطوات صغيرة وبسيطة نحو الاستدامة.
- دعم المشاريع البيئية، معنوياً ومادياً وفنياً وقيادياً: مثل التحضير لزراعة نوعية مهمة من الأشجار، والتخلص من النفايات بشكل صحيح، وكيفية استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وذلك يمكن أن يلهم الآخرين لاتخاذ إجراءات مماثلة.
- التعليم والتدريب والاحتكاك: بتقديم برامج تعليمية وتدريبية للشباب والمجتمعات حول مواضيع البيئة والاستدامة، ما يمكّنهم من اكتساب المهارات والقدرات اللازمة للمساهمة في الحفاظ على الكوكب عبر المشاركة والاحتكاك والنموذج.
- تشجيع الحكومات والشركات والجمعيات والمجتمع لاتخاذ إجراءات أكبر للحفاظ على البيئة.
وبهذه الطرق، يمكن لجهودنا أن تكون إلهاماً قوياً للأفراد والمجتمعات لتحقيق أهداف الاستدامة وحماية كوكب الأرض.
علينا الإحسان للبيئة باتباع بعض الممارسات والطرق البسيطة
دائماً ما تذكر أهمية الإحسان للبيئة، فما الممارسات التي يمكن أن يتبعها الإنسان لتحقيق هذا الهدف؟
هناك بعض الطرق البسيطة والتي بممارستها يمكننا الإحسان للبيئة التي نعيش فيها، ومنها:
- تقليل الاستهلاك، سواء في الغذاء (تأخذ ما تحتاج إليه وتشارك الزائد، ويمكن تحويل مخلفات الغذاء لإطعام الحيوانات أو تحويلها لتصبح سماد عضوي للنباتات)، أو في استهلاك المياه، (لا تنس الحفاظ على المياه واستخدامها بحذر، وقم بإصلاح التسربات)، أو في استهلاك الطاقة (يمكنك توفير الطاقة بفعالية). وكذلك، يجب إعادة التدوير لبعض المواد، مثل الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات والملابس والأثاث والمزيد، ويمكن التبرع بها للجمعيات الخيرية أو الاستفادة الربحية من شركات لتدوير المخلفات، ومن أبسط أنواع التدوير هو فصل المواد القابلة لإعادة التدوير، مثل الزجاج والورق والبلاستيك، ووضعها في الحاويات المخصصة لها، ما يسهم في تقليل الآثار البيئية.
- الاهتمام بالتنوع البيولوجي عبر الحفاظ على الحياة البرية ودعم المناطق المحمية والحدائق الوطنية، وتجنب الصيد، أو التدخل بإزعاج الطيور والحيوانات في تلك المناطق، وعدم تلويثها بأي نوع من النفايات، والوعي والتثقيف مهمان أيضاً، فتعلّم المزيد حول التحديات البيئية ومشاركة هذه المعرفة في وضع الحلول المناسبة مع الآخرين تسهم في الإحسان للبيئة.
- تطبيق مبادئ الاستدامة وقيمها في حياتك اليومية، وهذا يشمل ممارسات وسلوكات تهدف للتقليل من الآثار السلبية في البيئة، وهناك، على سبيل المثال، طرق عدة، منها الاستفادة من وسائل النقل العامة، أو مشاركة السيارات، إذا كنت تستطيع القيام بذلك للحد من انبعاثات الكربون، وأيضاً باستخدام واستهلاك الموارد بشكل مسؤول، واختيار المنتجات ذات التأثير البيئي المنخفض.
- المشاركة في الحملات والمبادرات البيئية، سواء من خلال التواصل الاجتماعي، أو المشاركة في جهود مؤسستك، أو في المنزل، أو المدرسة، ونحن جميعاً مسؤولون عن الحفاظ على بيتنا الكبير، وعندما نعتني، ونشكر الله على هذه النعم الكبيرة، فإنه سيديم الرزق والجمال الذي نحتاجه، فلو نظّف كل إنسان قلبه وبيته، من الداخل والخارج، لأصبح العالم كله نظيفاً.