15 يناير 2024

ملكة الدنمارك الجديدة ماري دونالدسن.. أول أسترالية تجلس على عرش أوروبي

كاتبة صحافية

ملكة الدنمارك الجديدة ماري دونالدسن.. أول أسترالية تجلس على عرش أوروبي

بعد شائعات بالخيانة واحتمالات بطلاقها من ولي العهد، ها هي ماري دونالدسن تتوج في 14 من شهر فبراير 2024 ملكة للدنمارك. لقد أصبح زوجها الأمير فريدريك ملكاً للبلاد بعد تنحي والدته الملكة مرجريت الثانية عن العرش. فمن هي هذه الأسترالية التي طالما قارنتها الصحافة بكيت ميدلتون، زوجة ولي عهد بريطانيا؟

لحظة وصول الملكة السابقة مرجريت الثانية لمراسم التنازل عن العرش
لحظة وصول الملكة السابقة مرجريت الثانية لمراسم التنازل عن العرش

هو ليس بالبلد الكبير، لكن الدنمارك يشغل موقعاً مهماً بين مجموعة الدول الاسكندنافية الواقعة شمال أوروبا الغربية، فهو من البلدان القلائل التي ما زالت تحافظ على النظام الملكي رغم أن الملوك والملكات لا يحكمون بل يتركون شؤون السياسة والإدارة والدبلوماسية لحكومة منتخبة. إن القوم هناك يعيشون نصف أشهر السنة بدون شمس تشرق عليهم وتدفء مفاصلهم. ولعل ليالي الشتاء الحزينة، التي غنّت لها فيروز، تشجع على تداول الحكايات حول مواقد الفحم والغاز. ومن تلك الحكايات سيرة تلك الشابة الأسترالية الحسناء التي خطفت قلب أميرهم فريدريك، نجل الملكة، وصارت أميرة في بلد يختلط أمراؤه بعامة الشعب.

ملكة الدنمارك الجديدة ماري دونالدسن.. أول أسترالية تجلس على عرش أوروبي

ماري دونالدسن.. شخصية تجذب الأنظار والاهتمام

كانت ماري أميرة مثالية نجحت في كل اختبارات الشعبية. لكن حياتها في البلاط لم تكن سهلة بل كان عليها أن تواجه مطبات وتجارب اجتازتها بحكمة، رغم عواصف الشائعات التي كادت تقضي على حياتها الزوجية. لقد بدأت علاقتها بالأمير وكأنها أسطورة من أساطير الحوريات اللواتي يلتقين بفارس الأحلام. لكن ذلك الحلم الورديّ كاد ينقلب كابوساً في مرحلة من المراحل لولا تماسك الأميرة الغريبة وحفاظها على أسرتها المؤلفة من زوجها و4 أطفال. ويؤكد المراسل كنيث مادسون، المتخصص في متابعة العائلة المالكة، أن الجميلة الأسترالية البالغة من العمر 51 عاماً لن تكون ملكة متوارية وغير منظورة، إنها تملك كل مقومات الشخصيات التي تجتذب اهتمام الصحافة وعدسات المصورين، وهي مستعدة لأن تلعب دوراً إيجابياً في حياة البلد، ولن تكتفي بأن تكون دمية تبتسم للكاميرات في المناسبات الرسمية.

ملكة الدنمارك الجديدة ماري دونالدسن.. أول أسترالية تجلس على عرش أوروبي

أشد المطبات وقعت في الخريف الماضي، حين ذاعت أقاويل عن خيانة لولي العهد مدعمة بالصور. فقد أكدت مجلة إسبانية أن الأمير الدنماركي البالغ من العمر 55 عاماً يقيم علاقة مع الممثلة المكسيكية جينوفيفا كازانوفا.. (سبق لـ "كل الأسرة" أن نشرت تفاصيل تلك الأزمة)، خبر كان كفيلاً بزعزعة الحياة الزوجية لولي العهد. لكن زوجته التزمت الصمت ولم تعلن غضبها من الشائعات وتصرفت بشكل يوحي بوقوفها إلى جانب زوجها ورغبتها في استمرار حياتها مع والد أبنائها. كل ما فعلته أنها سافرت إلى سيدني، في بلدها الأصلي، لكي تهرب من حصار وسائل الإعلام في الدنمارك وتطفّل المصورين. وعندما عادت، نشرت على موقع مؤسستها الخيرية تعليقاً ذا مغزى جاء فيه: "نحن نحتاج أحدنا للآخر. وإذا أردنا النجاح فإن هذا لا ينطبق على الحياة العملية فحسب...". معنى المنشور أن الاحتياج للآخر يسري على الحياة الشخصية أيضاً.

مرجريت توقع على إعلان التنازل عن العرش
مرجريت توقع على إعلان التنازل عن العرش

لإنقاذ الوضع، سارعت الملكة الأم إلى إعلان رغبتها بالتنازل عن العرش لصالح ولي عهدها. وكانت الملكة المتنحية تأمل أن يتصالح فريدريك وماري ويعملان معاً كملك وملكة جديدين. ورغم تعلق الدنماركيين الشديد بملكتهم مرجريت الثانية فإنهم أكبروا فيها تلك الخطوة التي تقوم بها لكي تضع ابنها أمام مسؤولياته كملك، وكربّ أسرة. ثم أن الشعب يحب زوجته التي ستجلس معه على العرش، حيث تتمتع ماري بالفعل بشعبية قياسية وبلغت نسبة الآراء الإيجابية للأميرة 85 في المائة في استطلاع حديث أجرته وسائل الإعلام.

الملك الجديد بين ملكتين
الملك الجديد بين ملكتين

ماري دونالدسن.. "أخت" كيت ميدلتون

يبدو حب الدنماركيين لماري مشابهاً لهوس البريطانيين بكيت ميدلتون. علاوة على ذلك، فإن وسائل الإعلام بكافة مجالاتها لم تتوقف مطلقاً عن الإشارة إلى أوجه التشابه بين الأميرتين، لدرجة أن الصحافة الإنجليزية أطلقت عليهما لقب "الأخوات الملكيات". بالنسبة إلى المعلقين المحنكين فإن ملكة الدنمارك الجديدة ستكون "ملهمة" لكيت ميدلتون، ملكة بريطانيا المؤملة التي تصغرها بعشر سنوات. إن كلتيهما طويلة القامة، ذات شعر داكن، رياضية، من الطبقة المتوسطة وقريبة من عائلتيهما. كما تتمتع كل منهما بسمعة طيبة في أداء واجباتهما الرسمية بطريقة هادئة. ولديهما إحساس قوي بالأناقة. وقد واجهت كل منهما بعض الخلافات مع شقيق الزوج.

أوجه شبه لم تغب عن عيني كارل لاغرفيلد. وكان مصمم الأزياء الشهير الراحل قد لاحظ، ذات يوم، أن كيت مثل أخت صغرى لماري، فهي جميلة وأنيقة مثلها، بدون ترفّع. ويقال إن أميرة ويلز معجبة بخزانة ملابس نظيرتها، وهي مزيج من البساطة الاسكندنافية والبوهيمية الأسترالية. وهي مجموعة ثياب قامت باختيار قطعها بمساعدة من خبيرة قبل انتقالها إلى الدنمارك. الفارق الوحيد بين الأميرتين أن ماري كانت تجهل كل شيء عن الشاب الدنماركي الذي التقت به أثناء دورة الألعاب الأولمبية في سيدني، بينما كانت كيت قد صوّبت هدفها على وليام... نجل ولي العهد وسليل آل وندسور.

ملكة الدنمارك الجديدة ماري دونالدسن.. أول أسترالية تجلس على عرش أوروبي

ماري دونالدسن والملك فريدريك.. قصة حب خيالية

بدأت "الحكاية الخيالية"، كما يحب الدنماركيون تسمتيها، في عام 2000، في سيدني. إنها قصة حب تشبه القصص الذي ترعرعوا عليها في كتب الروائي الدنماركي الشهير هانز كريستيان أندرسن. فقد سافر الأمير فريدريك إلى أستراليا لدعم فريق الإبحار الدنماركي خلال الألعاب الأولمبية. وكانت ماري دونالدسن تعمل مديرة مبيعات في وكالة فاخرة للعقارات. وقد شاء القدر أن يتقاطع درباهما في مقهى "سليب إن" المحلية. كانت الشابة البالغة من العمر 28 عاماً قد واعدت صديقاتها هناك. وكان موضوع النقاش إزالة شعر الصدر.. هل يقوم الشباب بذلك لأنه موضة؟ أرادت ماري معرفة ذلك على وجه اليقين، والتفتت مع صديقاتها إلى جيرانهم الجالسين في الطاولة القريبة وكانوا من الشبان الذين يرتدون قمصاناً مفتوحة الرقبة، وتصادف أن يكون بينهم شاب قدّم لها نفسه على أنه يدعى فريد، مختصر فريدريك. تصافحا ولم تكن تعرف شيئاً عن هويته. وفيما بعد، أي في عام 2018، روت لبرنامج "60 دقيقة" أنها لم تتصوره أميراً. ثم جاء أحد الأصدقاء وقال: "هل تعرفون أن فريد هو ولي عهد الدنمارك؟!".

كانت تلك بداية قصة حب غير متوقعة.. وتضيف ماري في البرنامج: "بدأنا الحديث ولم نتوقف أبداً. وبسبب المسافة الجغرافية البعيدة بيننا فإن كل شيء جرى من خلال المراسلة والهاتف، أي من خلال الكلمات. لذلك أنشأنا بالفعل علاقة قوية منذ البداية".

وطوال عام، قام الأمير فريدريك بالعديد من الرحلات السرية إلى أستراليا. لكن الحكاية لم تفلت من الصحف الشعبية لفترة طويلة. ففي عام 2001، تابع مندوب مجلة "بيلد بلاديت" الدنماركية ولي العهد إلى سيدني على أمل العثور على "صديقته السرية". وحين شعر الأمير برياح الشائعات تتحرك من حوله قرر دعوة حبيبته للانتقال إلى الدنمارك، وقد وافقت وحرصت على تعلم اللغة الرسمية للبلاد عند وصولها.

وفي عام 2003، أعلن الزوجان خطوبتهما. وبعد سنة من الخطوبة قالا "نعم" أمام الكاهن في كاتدرائية كوبنهاغن. تم العرس في 14 مايو 2004، وسارت العروس إلى المذبح بفستان من تصميم الدنماركي أوفر فرانك، وكان عليها، طبقاً لتقليد رمزي، أن تغطي شعرها بوشاح استخدمته ولية العهد السويدية الأميرة مرجريت لأول مرة عام 1905.

أنجب الزوجان أربعة أطفال: كريستيان (ولد عام 2005)، إيزابيلا (ولدت عام 2007) والتوأم فنسنت وجوزفين (ولدا في عام 2011). وخلال تلك السنوات نجحت الزوجة الأسترالية في الفوز بمحبة مواطنيها وذلك بفضل التزامها المتواصل بواجباتها الرسمية وإتقانها للغة الدنماركية وإنشاء مؤسستها المخصصة لمكافحة التحرش والعنف المنزلي. كما خاضت ماري معارك أخرى، مثل الدفاع عن حقوق المرأة واللاجئين.

ملكة الدنمارك الجديدة ماري دونالدسن.. أول أسترالية تجلس على عرش أوروبي

لا شك أن الملكة الجديدة تتربع بالفعل على قلوب مواطنيها. ومع ذلك، لم تتخيل الشابة الأسترالية يوماً أنها سترتدي تاجاً وتجلس على عرش. فهي قد ولدت في 5 فبراير 1972 في هوبارت، تسمانيا، وكانت الأصغر بين أربعة أطفال. نشأت مع شقيقتيها الأكبر منها جين وباتريشيا وشقيقها جون وعاشت الأسرة لبضع سنوات في هيوستن، بولاية تكساس الأميركية، حيث كان والدها الأسكتلندي، جون دالغليش، يعمل معلماً للرياضيات، وهم قد عادوا إلى أستراليا عندما أصبحت والدة ماري، هنريتا دونالدسن - التي توفيت عام 1997 - مديرة مساعدة في جامعة تسمانيا. قام الوالدان بتسجيل البنت الصغرى في مدرسة محلية وحظيت بمحبة رفاقها بصفاتها الرياضية ومزاجها المرح. ومثل كيت ميدلتون، مارست هوايات متعددة، مثل العزف على البيانو والكلارينيت وكرة السلة والهوكي. كما كانت رياضية مرموقة.

في أوائل التسعينيات، التحقت ماري بجامعة تسمانيا حيث درست الأعمال والقانون. لكن رغبتها كانت في مكان آخر. وخلال السنوات التالية عملت كمدرسة للغة الإنجليزية في باريس، ومديرة تنفيذية للإعلان في إدنبرة وملبورن وسيدني، ومديرة مبيعات في العقارات الفاخرة. كل ذلك قبل أن تلتقي بملك الدنمارك المستقبلي خلال محادثة في إحدى المقاهي. وسيحتفل الزوجان بالذكرى العشرين لزواجهما هذا العام.

الأمير يواكيم بين زوجته وزوجة شقيقه
الأمير يواكيم بين زوجته وزوجة شقيقه

"حادثة القبلة" وثقة الملكة

زواج سيكون له نصيبه من التجارب. فقد انطلقت الشرارة الأولى في يوليو 2008، من المجلة الأسبوعية السويدية "سفينسك دامتيدنينج"، حيث زعمت المجلة، مع صورة داعمة، أن الأمير يواكيم، الأخ الأصغر للأمير فريدريك، واقع في غرام ماري زوجة أخيه، وأنه حاول تقبيلها خلال حفل نظمه فوج الحرس الملكي. ووصفت الصحيفة الحادثة على النحو التالي: "حاول الابن الأصغر للملكة مرجريت، الذي ظهرت عليه علامات السكر، تقبيل شقيقة زوجته، لكن الأميرة ابتعدت قدر استطاعتها ورسمت على وجهها ابتسامة هادئة. وكانت لحظة محرجة لاسيما وأنها جرت بحضور الأميرة ماري زوجة يواكيم".

وفقاً لصحيفة شعبية إسبانية فإن شائعة هذا الإعجاب انتشرت بعد وقت قصير من زواج الأمير فريدريك والأميرة ماري. وزاد في الطين بلة أنه في عام 2007، أعلن الأمير يواكيم خطوبته على شابة فرنسية تحمل نفس الاسم الأول، ماري، وتشبهها بشكل لافت للنظر. وكان من الممكن أن يتسبب حادث "القبلة التي لم تتم" في توتر بين المرأتين. وفي مواجهة الشائعات، اضطرت الملكة إلى دعوة ولديها للإلتزام بالنظام وقامت بحملة لإثبات عدم وجود مشاكل بين زوجتي الشقيقين.

الملك والملكة وأولادهما
الملك والملكة وأولادهما

مع ذلك، ترك ذلك الصراع بصماته. ففي صيف 2022، أعلنت مرجريت الثانية حجب بعض الألقاب النبيلة عن أحفادها نيكولاي وفيليكس وهنريك وأثينا، أبناء نجلها يواكيم. وربطت الصحف الشعبية بين هذا القرار وبين شائعات الحب المحرم للنجل المغرم بزوجة شقيقه ولي العهد. وبعد سنوات عديدة، وجد الأمير فريدريك نفسه أيضاً في قلب عاصفة إعلامية بسبب الخيانة الزوجية المزعومة. لكن الفضائح لم تشوه الهالة المحاطة برأس زوجته الأسترالية المحبوبة. وطوال السنوات الماضية، كانت الأميرة تستعد في الظل لتحل محل مرجريت الثانية. وفي عام 2019 تم تعيين ماري وصية على العرش، مسؤولة عن الواجبات الملكية في حالة غياب الملكة. كما بدأت مرجريت الثانية بتدريب زوجة ابنها على بعض الواجبات والمهمات التي كانت تزاولها. وكان من الواضح أنها تثق فيها أكثر مما تعوّل على ولي العهد.

ملكة الدنمارك الجديدة ماري دونالدسن.. أول أسترالية تجلس على عرش أوروبي

يتوقع المعلقون أن الملكة المتنازلة عن العرش لن تكون بعيدة في حال احتاجت الملكة الجديدة للمشورة. وقد اختار فريدريك وزوجته، اللذان يوصفان بأنهما زوجان عصريان ومحبان لموسيقى "البوب" والفنون والرياضة، الاستمرار في نهج الملكة الأم. معنى هذا أنهما لن يقوما بثورة داخل البلاط وسيختاران انتقالاً حذراً للمسؤولية، بما يتناسب مع عصرهما. وبعد التتويج، سيبقيان تحت العين الساهرة لمرجريت الثانية.

اقرأ أيضاً: مرجريت الثانية تتنازل عن عرشها.. هل تنحّت ملكة الدنمارك لإنقاذ زواج ابنها؟