في يوم الحب.. كيف تضيء الصداقة الحقيقية مسارات القلب وتنعش الروح؟
تمثل الصداقات الصورة الأجمل للحب الذي يربط بين «روحين» بروابط عميقة، أساسها الفهم المتبادل، والاحترام، والتقدير، والأهمّ الصدق، والدعم الحقيقي.
في يوم الحب، لا بد من شكر لكل صديق «طبطب» على جراح صديقه، وواساه، وكان الملاذ الآمن لأسراره. فالصداقة تجسد أرقى أنواع الحب النابض بالمشاعر الإيجابية، والتّماس الروحي مع الآخر، وتخفيف الأعباء عنه.
فما هو مفهوم الصداقة الحقيقي؟ ولماذا تجسد الصداقات الحقيقية أرقى تجليّات الحب؟ وكيف تعزز صحتنا النفسية عبر الدعم العاطفي وإبعاد شبح الشعور بالوحدة؟
الدعائم القوية في بناء الصداقة
تستند قوة الصداقة إلى العوامل التي ترسي دعائمها. وتوضح الدكتورة هالة الأبلم، استشارية نفسية وأسرية، أن بداية الصداقة تبلور هدف العلاقة «تبعاً لهذا الهدف، يمكن بناء صداقة مستمرة، أو مهدّدة بالانهيار، في حال كان الهدف قائماً على المنفعة، أو لتلبية حاجة، معنوية أو مادية، أو حتى وظيفية، في حين أن الصداقة القوية تكون ذات قواعد صلبة، لا تهزها رياح المصالح، بل يعززها الحب الصافي لوجه الله تعالى، وتكون الأقوى على الإطلاق».
عوامل استمرار الصداقة ترتكز على دعائم القوة التي قامت عليها الصداقة وعلى الشراكة الحقيقية في الأولويات والقيم
ثمة عوامل تؤثر في استمرارية علاقة الصداقة تتوقف عندها د. الأبلم:
- التواصل: سواء كان التواصل مستمراً، أو غير منتظم، فإنّ جسور المحبة القوية لا تقف على المسافات، ولا الأماكن، ولكن يبقى التواصل المنتظم عاملاً ضرورياً للحفاظ على صداقات قوية.
- الثقة: الثقة المتبادلة والشعور بالأمان عند مشاركة الأصدقاء أفكارهم ومشاعرهم باب من أبواب استمرارية الصداقة.
- الدعم المتبادل: دعم الأصدقاء بعضهم بعضاً خلال الأوقات الصعبة أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الصداقة.
- الاهتمامات المتبادلة: وجود الاهتمامات نفسها بين الأصدقاء يساعد على تقوية الصداقة، بحيث يمكن للأصدقاء الذين يتمتعون بهوايات مشتركة أن يتعزز ترابطهم حول هذه الاهتمامات، وتبادل الخبرات فيما بينهم، ويكون لديهم المزيد من الأشياء للحديث عنها.
- الاحترام: الاحترام المتبادل عامل مهم للحفاظ على الصداقة، بحيث يساهم في بناء علاقة صحية وإرساء التفاهم وتعزيز الثقة بينهم.
- الأولويات: تتضمن الأولويات المشتركة بين الأصدقاء الاهتمام ببعضهم بعضاً، ومشاركة الأنشطة المشتركة ودعم بعضهم بعضاً في تحقيق أهدافهم، وتطلعاتهم، وفي حال تغيرت أولويات الأفراد، بمرور الوقت، فقد يؤثر ذلك في صداقاتهم، ويتباعدون مع غياب الوقت للقاء وتبادل الأحاديث.
- آلية حل الخلافات: النزاع هو جزء طبيعي من أي علاقة، بما في ذلك الصداقات. وكيفية تعامل الأصدقاء مع أي سوء تفاهم أو خلاف، يمكن أن تؤثر في استمرارية صداقتهم. فالأصدقاء الذين يتواصلون بشكل فعّال، ويعمدون إلى حل خلافاتهم بطريقة صحية، هم أكثر قدرة على الحفاظ على صداقة قوية.
- الصدق في المشاعر والأحاسيس، والاستمرار في التعبير عنها: يعزز المشاعر الإيجابية ويحقق تقارباً أعمق.
- الاهتمام المتبادل بين الطرفين من دون المبالغة والإفراط فيها، أو النقصان: يؤسس لروابط قوية ويجعل العلاقة مستدامة.
وتوجز د. الأبلم بنصيحة «أنْ تُبنى الصداقة على دعائم قوية من الحب والصدق، لأنّ ما يُبنى على حب صادق لا ينتهي إلا بانتهاء الحياة».
الأصدقاء الحقيقيون يلهموننا الشجاعة
في يوم الحب، كيف يمكن للصداقة أن تكون عاملاً مساعداً في «تظليل» حياتنا بأفياء الحب، ومساعدتنا على تذليل المشكلات التي تعترضنا؟
في هذا السياق، تؤكد الدكتورة كارولين يافي، مستشارة ومعالجة معرفية سلوكية في قسم علم النفس بمركز ميدكير الطبي – جميرا، أن «الصداقة تلعب دوراً محورياً في تعزيز قدراتنا للتغلب على مختلف المشكلات التي تواجهنا، حيث يمكن للأصدقاء تقديم المساعدة لنا خلال الفترات العصيبة التي نمر بها، والنصائح والتعاطف ووجهات النظر المفيدة، ويمكنهم المساعدة أيضاً على فهم مشاعرنا وعواطفنا، وتقليل الأعباء والضغوط النفسية التي قد نعانيها جراء التجارب الصعبة».
الصداقة حب من نوع آخر
وتشرح المستشارة يافي «فقضاء الوقت مع الأصدقاء يؤدي إلى تعديل مزاجنا، واستقطاب الفرح والمتعة إلى حياتنا، وعندما نمر بفترة عصيبة يمكن للتفاعل الاجتماعي أن يقلّل مستويات التوتر، ويساعدنا على التغلّب على الاكتئاب والقلق، إذ يمكن للأصدقاء أيضاً أن يتعرضوا لتجارب مزعجة مماثلة، والتغلب عليها، وبالتالي فهم يلهموننا الشجاعة لتجاوز أي مواقف صعبة قد نمرّ بها».
فالصداقة الحقيقية، بحسب د. يافي «هي مورد قيّم يُساهم إيجاباً في قدرتنا على مواجهة تحديات الحياة، والتعافي منها، ومن المهم أن نعمل على تنمية الصداقات الصحية، والاستعداد دوماً لردّ الجميل لأصدقائنا عند حاجتهم إلينا، ما يمنحنا السعادة والرضا عن أنفسنا».
الصداقة حب يعزز صحتنا النفسية
فكيف تغيّر الصداقات الحقيقية من نظرتنا للحياة وتوجّه بوصلة أفكارنا إلى المنحى الإيجابي؟
بالفعل، هي كذلك لأنها تنقلنا إلى عوالم من الحب المترجم، بالفعل والكلمة والموقف. وتوضح المعالجة السلوكية د.كارولين يافي «الصداقة الحقيقية لها أثر نفسي عميق في الأفراد، فهي تؤثر بشكل ملحوظ في الرفاه، النفسي والعاطفي والكلي، للفرد كما تعزز مستويات الثقة، وتقدير الذات، لمعرفة أن أحدهم ينظر إليك بتقدير، ويعتبرك شخصاً جديراً بالصداقة».
وتخلص يافي «الأصدقاء الحقيقيون يُبهجونك، ويقدّرون إنجازاتك، ويجعلونك تنظر إلى نفسك نظرة أكثر إيجابية، ويوفرون الدعم العاطفي، والتعافي من عقبات الحياة بصورة أسرع، وتعزيز صلابتك وقدرتك على التكيّف، وصحتك النفسية. فالصداقات النوعية تعزز الحسّ بالانتماء، ما يساعد على تقليل الشعور بالوحدة والعزلة، وتؤثر، بشكل إيجابي، في فصول عدة من حياة الشخص، ما يبلور أهمية وقيمة تلك العلاقات، وضرورة الحفاظ عليها».
الحب أصل من أصول الدين
رسم الدين الإسلامي مساراً واضحاً للفرد في اختيار الصديق لجهة أن يكون هذا المسار مبنيّاً على أساس ثابت ومتين، لكون الصداقة تجسد قيم الوفاء والإخلاص، ويحكمها معيار الدين والتقوى والصلاح في الصديق، استناداً إلى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي».
ويرى الشيخ الدكتور سالم بن علي ارحمه الشويهي، أن الحب هو جوهر الحياة، وسرّ السعادة وهو «أصل من أصول الدين»، مضيفاً «فالحياة جميلة مع وجود صديق تلقي عليه أعباءك، وتُسند إليه مواجعك، وحتى أفراحك، وهو ما يجسده قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تحابّ اثنان في الله إلا كان أفضلهما أشدّهما حباً لصاحبه»، حيث يوجهنا النبي إلى حب بعضنا بعضاً، والتنافس في هذا الحب، حتى يكون الأقرب إلى الله من كانت مكانة صاحبه في قلبه هي الأقرب».
ويواصل «أخبرْني من تصاحب أقلْ لك من أنت»، في دلالة على أن القيم التي تؤمن بها تترجم الصداقات التي ترتبط بها، وحتى تجسد أخلاقياتك في الأشخاص الذين تختارهم أصدقاء دربك. فكلما تعلق الإنسان بالآخر، كلما تطبّع بطباعه، وصفاته، وسلوكه، وهذه حالة نفسية معروفة يطلق عليها الهيام، ولكن مسّماها القرآني هو «الخِلّة» بحيث نستعيد قول الله تعالى: «الأخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين».
فالإنسان يتبرأ من كل علاقة في يوم القيامة إلا العلاقة القائمة على التقوى، والتعبير القرآني اعتمد كلمة الخليل، وهو الصاحب الملازم الذي لا يخفى عليه شيء من أمور صاحبه، ونصادف الكثير من الصداقات في وقتنا الراهن، حيث الصديق يعرف عن صديقه أكثر مما يعرف عنه أهله، أو أقاربه».
ومن هنا، يشدد د.سالم الشويهي على أن «تقوم الصحبة على تقوى من الله ورضوانه» لكون «المجانسة تكون بالمجالسة»، إذ على الفرد اختيار الصديق الذي يقوده إلى الخير، وتحكمه مبادئ الدين، من صدق، وأمانة، ورحمة، وتفاهم، وتعاون، واحترام متبادل، مع الحفاظ على روح الصداقة والمساندة في السراء والضراء».