في موسمه الثاني.. "رمضان ديستريكت" يحاكي موروثنا ويروي قصص نجاح استثنائية
بين المستقبل والحاضر خطوط تماس مع الماضي، ومع ملامح التراث، وهذه الملامح هي التي طعّمت الموسم الثاني «رمضان ديستريكت» في جميرا أبراج الإمارات الذي استقطب، ويستقطب جمهوراً متنوعاً، من الكبار والصغار، ومن جنسيات مختلفة، حيث وجدوا في تلك المساحة فرصة للاطّلاع على الموروث الإماراتي، وعلى خليط الثقافات المتنوعة التي تختبئ في أركان وأجنحة المهرجان.
ثمة هدوء صاخب يواكب ليالي المهرجان الرمضاني، هو هدوء يتماهى مع أجواء الشهر الفضيل وروحانيّاته، مع صخب في حركة التسوق يستمر حتى الثانية من بعد منتصف الليل، وحتى الرابع من أبريل، مع الإطلالة على عوالم مختلفة من المذاقات والنكهات، تبلور قصص نجاح إماراتية، تمثلت في عدد من المقاهي المنتشرة، وفي مشاريع مبتكرة أطلقها شباب إماراتيون.
الدخول إلى «رمضان ديستريكت» مجاني، مع وجود رسوم على بعض الأنشطة، حيث فعاليات هذا الموسم تقدم تجربة استثنائية تزاوج بين الموروث الثقافي، وأساليب الترفيه الحديث.
مهرة الشامسي مع لوحتها
الأطفال وجدوا في السوق فرصة للاستمتاع بالرسم. ديرين، ابنة الـ4 سنوات، تركية مقيمة في الدولة قدمت مع أهلها، وقصدت زاوية لتلوين الفوانيس الرمضانية الخشبية، والاستمتاع بفرصة فريدة لإعادة استكشاف جوهر ثقافتنا، وجماليات تقاليدنا الأصيلة خلال رمضان.
مهرة الشامسي، ابنة الـ5 سنوات، أحبت الرسم الكاريكاتيري، ورسمه لها أحد فناني الكاريكاتير الذي تمركز قريباً من الباب الرئيسي للسوق، واسترعى انتباه الكثير من رواد السواق الذين خاضوا تجربة الحصول على رسم وجوههم بطريقة كاريكاتيرية، وتشاركوا بعض الضحكات مع العائلة، والأصدقاء الذين قدموا معهم
في تلك المساحة أكثر من قصة تطالعك في عيون البعض، حيث ينجح البعض في توظيف إمكاناته وتحويلها إلى مصدر رزق.
حمزة الملي، شاب سوري من حماه، يحمل الدلة بوزن يفوق الـ25 كيلوغراماً على ظهره ليبيع التوت الشامي، والعرقسوس، والتمر الهندي.
تلك المشروبات المرتبطة بشهر رمضان المبارك تطلّ بحمزة الشاب، الذي تخرّج بتخصص تجارة واقتصاد، على قصة كفاح لتلمس طريقه العملي في محل بكداش، حيث لم تسنح له الفرصة للعمل في مجال تخصصه «هذه المشروبات طبيعية، خالية من السكّر، والملونات، والمواد الحافظة، ولها تأثير إيجابي في الصحة، من تعزيز للصفيحات الدموية، وتنشيط الكبد، وتسهيل المعدة في حال الإصابة بالتشنج، وهي تنسجم مع أجواء رمضان».
الكثيرون يجرّبون هذه المشروبات للمرة الأولى «في أغلب الأحيان يظن البعض أنني أبيع القهوة، وعندما يجربونها لأول مرة، يجدون مذاقاً مختلفاً، ويعبّرون عن إعجابهم، حتى أنّ كثيراً ما تلمع في عينيّ «فلاشات» كاميرات الكثير من الأجانب الذين يلتقطون الصور التذكارية معي».
هذه العصائر الرمضانية تعتبر من المشروبات التقليدية في سوريا، وغيرها من الدول العربية، وتتسم بفوائدها الصحية. بيد أن حمزة يخبرنا بوجود طريقة تنظيف خاصة، لـ«المصّب» وترتكز على استخدام مضخة ماء نقي من دون صابون، وأحياناً تتم إضافة ملح مع الماء لإزالة بعض الرواسب.
في تلك المساحة المطلّة على قلب دبي النابض، وعلى متحف المستقبل، الكثير من عناصر الجذب والأنشطة التي تستهدف الصغار والكبار، وتزاوج بين تعزيز نكهات الثقافة المحلية، بما تحمله من فرح، وقدرة على خلق مساحات السعادة، وبين الاحتفاء بروحانيات الشهر الفضيل، وهي من إبداع M2L Concepts، الشركة الرائدة في مجال الترفيه والتسلية والتكنولوجيا، ومقرها دبي.
تتراصّ المطاعم واحداً بعد آخر في «منافسة شريفة» على النكهات المختلفة، واللافت هي المشاريع المحلية لشباب، إماراتيين وعرب، استطاعوا القفز فوق التحديات وتوظيف مسار حكاياتهم في طريق معلوم المسار والخطوات، كما تضم الفعاليات مجموعة متنوعة من أكشاك الأطعمة والمشروبات، حيث يقدم كل منها مذاق المأكولات التقليدية، والأطباق العالمية، ومغامرة تذوّق متميزة، بدءاً من كعك الروتي الطازج المشهور عالمياً، والبرجر الكلاسيكي بمزيج من التوابل التقليدية، مروراً بمنتجات الألبان القديمة، مع مخفوق الحليب المميّز، والكباب، والبرياني، وليس انتهاء بالحصول على لمسة فرنسية من الكريب بحشوات بمذاقات متنوعة، ورائحة الخبز الطازج والحلويات.
شغلت الحِرف اليدوية جانباً مهماً من «رمضان ديستريكت»، في أكشاك البيع بالتجزئة التي تعرض منتجات مختلفة من علامات تجارية محلية، وماركات عالمية.
تقف فاطمة الحاج، تلك الصبية الجميلة، لتعرض لرواد السوق بعض منتجات «درازن» التي تختص بالتطريزات الفلسطينية. هذا المشروع تديره شقيقتها إيمان، ووالدتها، وتعود جذور الوالدة إلى الناصرة من لاجئي الـ48 الذين نزحوا إلى لبنان مع النكبة، ومن ثم قدموا واستقروا في الإمارات منذ نحو 40 عاماً.. تشرح فاطمة «بدأت والدتي هذا المشروع منذ عام 2016 وتركز هدفها على إحياء تراث التطريز الفلسطيني، والعمل على تصاميم يدوية لأثواب فلسطينية بإطلالات وتطريزات ولمسات معاصرة».
وترصد الإقبال الكبير على الأثواب الفلسطينية «تتنوع التطريزات، وتحاكي العديد من المناطق والقرى الفلسطينية، من رام الله، الخليل، غزة، الناصرة وغيرها. ولكل نقشة وتطريز قصة ورمز، كما أن أحداث غزة زادت من إقبال الناس على اقتناء الثوب الفلسطيني، ودفع والدتي إلى العمل أكثر في هذا المجال تفادياً لضياع تاريخنا وتراثنا».
في كل زاوية ترصد إبداعاً. نغمة صفاريان، تركت انطباعاً جاذباً لدى الكثير من رواد السوق إثر تميّزها بطلّة غير تقليدية في طريقة لبسها.
تزينّت ببرقع ذهبي وجيليه طويلة طبعت بصور مستوحاة من التراث. ولدت صفاريان، وهي من أصل إيراني، في دبي، وعاشت فيها، وتحمل الجنسية الأسترالية. تروي أنها اختارت هذا الإطلالة لـ«رغبتي أن أكون مميزة في كل المناسبات».
وهذه الرغبة والاستفسارات من حولها، حول أسرار إطلالاتها الأنيقة، دفعتها إلى تأسيس مشروعها الخاص في مجال الألبسة والإكسسوارات ذات القطع المحدودة، والتي تتميّز بالفرادة ،حيث تستوردها من مصممين ومصممات من عدد من البلدان لتشعر المرأة بتميّزها، وحتى أنّها بدأت بتصميم سلاسل لنظارات، شمسية وطبية، وللهواتف، وتكون ذات استخدامات متعددة.
مجوهرات بجودة عالية، وشموع صديقة للبيئة، ومجموعة مذهلة من الخزف الفلسطيني المصنوع يدوياً، وأزياء وإكسسوارات وتصاميم بوهيمية فريدة تجمع بسلاسة بين المظهر الشرقي والغربي، كلها توزعت في أجنحة مختلفة من السوق.
وثمة أنشطة ثقافية غامرة تواكب جوهر وروحانيات شهر رمضان، مع إحياء فن الخط التقليدي، وتصاميم الحناء الرائعة، وأنشطة موجهة للأطفال، منها العروض المسرحية، والرسم على الوجه، ودروس الطبخ، ما يضمن توفير بيئة مناسبة لكل أفراد العائلة، بينما توفر ألعاب الطاولة التفاعلية، وجلسات الفنون والحرف اليدوية، وألعاب الأركيد، مزيجاً من وسائل الترفيه التقليدية والحديثة.
هذا الموسم الثاني من رمضان ديستريكت، يعتبر احتفالاً بالتراث الثقافي، بنكهة غلبت عليها النكهة الفلسطينية، في كل زوايا السوق وزينتها روحانيات الشهر الفضيل في بيئة مثالية لاكتشاف النكهات والحرف اليدوية والتقاليد، مع عروض متنوعة تحتفي بالتنوع الثقافي.