22 أبريل 2024

مؤسِّسة مبادرة "رزق للفن" شافينا يوسف علي: خلفيتي الثقافية وإرث أبي شجّعاني على إحداث تغيير في العالم

محررة في مجلة كل الأسرة

مؤسِّسة مبادرة

تعتبر من أكثر النساء تأثيراً في الشرق الأوسط، وتخوض مجال الفن بكامل قواها من شغف، ودعم لفناني الجنوب العالمي، وتنصبّ مبادراتها على «إرساء المساواة والاحتفاء بالتنوع الثقافي، وتمكين الفنانين الذين يواجهون تحديات فريدة».

هي شافينا يوسف علي، المؤسِّسة والمديرة التنفيذية لمبادرة «رزق للفن»، والتي شاركت مؤخراً، في فعاليات أسبوع الفنون في أبوظبي، تحاورها «كل الأسرة» وتطّل معها على عوالم مسيرتها، ومبادراتها التطوعية، وأساليب الدعم المختلفة للفنانين، ومنها تلك المساحة الفنية الجديدة في أبوظبي لتسليط الضوء على مواهب فنية في مجالات متعددة:

لا تكتفي شافينا بالفن لإيصال رسالتها، وتمتدّ مبادراتها ومشاريعها إلى مجالات التنمية الاجتماعية، والاهتمام بالصحة والتعليم، حيث ترى أن «التعلم المستمر والأبحاث المتواصلة هي المفتاح للتعامل مع التحديات الاجتماعية، ومعالجتها، وتعزز استدامة تلك المبادرات».

الحوار معها ممتع وشفاف، ويحمل الكثير من روح الإنسان الذي يحمل قضايا مجتمعه والعالم على كتفيه، حيث تماهى المعرض الأخير «في الدرب القاتم لحلم»، مع تداعيات التغيّر المناخي على الأفراد، وترجم كل فنان مشارك رؤيته الخاصة.

مؤسِّسة مبادرة

تهدف مبادرة «رزق للفن» إلى دعم الفنانين في الجنوب العالمي.. كيف ولدت فكرة هذه المبادرة وتطورت، وما الهدف من آليات الدعم المقدّمة؟

راودتني فكرة هذه المبادرة عندما كنت أتابع دراستي للحصول على شهادة الماجستير، حيث شهدت نقصاً كبيراً في المعلومات المتوفرة عن الفن الهندي. لهذا، سارعت إلى إطلاق مبادرة تسّد هذه الفجوة، وتشمل ورش عمل، وأنشطة متنوعة. وقد انصبّ تركيزي على الجنوب العالمي بهدف إرساء المساواة، والاحتفاء بالتنوع الثقافي، وتمكين الفنانين الذين يواجهون تحديات فريدة، واعتمدت أساليب عدّة للدعم، منها المِنح، والإقامات، والمعارض، وخدمات الإرشاد، وورش العمل، وبرامج التبادل الثقافي لتعزيز الشمولية، ومنح الأشخاص المهمّشين منصة لإيصال أصواتهم.

مؤسِّسة مبادرة

افتتحت أول معرض لك مؤخراً، خلال فعاليات أسبوع الفنون في أبوظبي، ما الرسائل والمسائل التي تمّ تسليط الضوء عليها من خلال الأعمال المعروضة، وكيف ترجم كل فنان رسالته بنجاح للجمهور المحلي؟

لقد بدأنا رحلتنا الطموحة بمعرضنا الأول «في الدرب القاتم لحلم: ملاحظات من تجريد الواقع»، الذي شارك فيه 27 فناناً معاصراً، استعرضوا أكثر من 60 عملاً فنياً من إبداعهم، بما فيها الرسومات و المنحوتات و الأعمال التركيبية، و مجموعة مميزة جداً من الابتكارات التي تتألف من مواد مختلفة. وبما أننا نهدف إلى تمثيل الجنوب العالمي، كان من البديهي أن ننظم معرضنا الأول في وطننا. يشمل هذا المعرض أعمال فنانين هنود من جميع أنحاء البلاد، فيجمع مختلف وجهات النظر، والأفكار والممارسات الفنية.

يتمحور المعرض حول تجريد الواقع، و يستكشف دور الذاكرة، والهوية في إنشاء صلة الوصل بين الماضي والمستقبل، فدائماً ما نواجه مواقف تزعزع إحساسنا بالواقع، والاستقرار، والألفة، إلا أن ذاك الشعور بالحيرة يمهد لنا الطريق نحو التأقلم والنمو. ويستكشف الفنانون في هذا المعرض تلك الحقائق المتبدلة، عن طريق فهم، وتخيّل أساليب الوصول إلى مستقبل أكثر تناغماً، بربط أواصر العلاقة بين البشر والطبيعة. كما يسلط المعرض الضوء على مفهوم «solastalgia» الذي يصف شكلاً من أشكال مشاعر الحزن والضيق، التي يختبرها الأشخاص جرّاء التغيّر المناخي، ويحملنا التدمير الغاشم للبيئة في عصرالأنثروبوسين (أيّ عصر التأثير البشري) على تأمل طريقة تفكيرنا في الأمور.

مؤسِّسة مبادرة

هدف معرض «في الدرب القاتم لحلم... ملاحظات من تجريد الواقع» كشف تداعيات التغيّر المناحي على الأفراد بشكل أساسي، برأيك، كيف يمكن أن يساهم الفن في تغيير نظرتنا للأمور والمسائل التي تصادفنا؟

يملك الفن القدرة على تغيير وجهات النظر، عن طريق إيقاظ المشاعر، وزيادة الوعي، وتشجيع الحوار، ويعالج معرض «الدرب القاتم لحلم» مسائل معاصرة، مثل آثار التغيّر المناخي في الأفراد، وفي هذا الإطار يستطيع الفن أن ينشئ روابط عاطفية عميقة تحث المشاهد على إعادة النظر في أفكاره، والمشاركة في حلقات النقاش حول التحديات الطارئة التي تواجه عالمنا اليوم، وقد لا يكون الفن وحده، قادراً على إحداث تغيير فوري، إلا أنّه يساهم في إحداث تحول ثقافي تدريجي واسع النطاق.

كان أبي مصدر الإلهام لي، والدافع لمبادراتي، وعلّمني أن الروح القيادية الحقيقية تقوم على دعم الآخرين وتطوير المجتمع

توفر المبادرة فرصاً ليعمل الفنانون وسط مختبرات تعرفهم إلى بيئات جديدة وغير مألوفة لهم. كيف تستطيع هذه البيئات أن تدفع الفنانين إلى اكتشاف عوالم مختلفة، أو تعزيز حسّ الابتكار لديهم؟

يهدف مفهوم labs من مبادرة «رزق للفن» إلى تحدي الفنانين، عن طريق وضعهم في بيئات غير مألوفة لهم، بحيث يدخلهم في بيئات ومساحات لا ترتبط عادة بالابتكار الفني، لتحفيز حسهم الإبداعي استجابة للمدة التي يمضونها في المساحة المحدّدة لهم.

تلبي «مبادرة رزق» تطلعات الفنانين الذين يهدفون إلى اختبار تجارب جديدة، ويتمتعون بالقدرة على التكيف مع البيئات غير المألوفة. فبعد اختبار الفنان، سيتّم وضعه في بيئة معينة لمدّة محددة من الزمن، من أجل إفساح المجال له ليختبر تجربة غامرة في الموقع المحدّد له، ويتفاعل معها بأعماله الفنية.

تسهم البيئات غير المألوفة في تعريف الفنانين إلى حقائق مختلفة، فتشعل شرارة الإبداع بداخلهم عن طريق تعريضهم لمحفزات، ووجهات نظر، وتحديات جديدة. كما تؤدي دوراً بارزاً في توليد أفكار جديدة، وتشجيع المبادرات المبتكرة، فضلاً عن إقامة فعاليات تعتمد على التبادل الثقافي بهدف تعزيز عملية الإبداع لدى الفنانين.

مؤسِّسة مبادرة

تُعتبرين من أكثر النساء تأثيراً في الشرق الأوسط، هلّا أخبرتنا عن أهم إنجاز حققته خلال مسيرتك وعن أكبر تأثير تركته عن طريق مبادراتك الخاصة؟

اعتبر تصنيفي من ضمن النساء الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط شرفاً عظيماً، ومسؤولية كبيرة تقع على عاتقي. أما بالنسبة إلى أهم إنجازاتي، فهي تتمثل، بلا شك، في مسيرتي الأكاديمية، لاسيّما تحصيل شهادة ماجستير إدارة أعمال من جامعة أكسفورد، وشهادة الماجستير في الابتكار الاجتماعي من جامعة كامبريدج. فبعد هذه المرحلة، بتّ متفهمة أكثر، وصرت أعتبر التحدّيات فرصة لابتكار الحلول ووضع الاستراتيجيات القيادية.

وتحتل مبادرة «رزق للفن مكانة عزيزة بالنسبة إلي، حيث تجسد مزيجاً متناغماً ما بين المنظور الأكاديمي، والرؤية المبتكرة. وتهدف هذه المبادرة إلى تشجيع التبادل الفني ودعم الممارسات المبتكرة، لاسيّما في الجنوب العالمي، ما يساعد على تعزيز ازدهار المشهد الثقافي في أبوظبي.

وقد كان أبي الأستاذ يوسف علي، مصدر إلهامي الأساسي لإطلاق مثل هذه المبادرات، إذ تأثرت كثيراً بما تمتع به من التزام ثابت بتطوير المجتمع وبروحه الريادية، وهذا ما رسّخ بداخلي حس المسؤولية الاجتماعية والإيمان التام بأن الروح القيادية الحقيقية تقوم على دعم الآخرين وتطوير المجتمع.

لا شك في أن مسيرتي المهنية قد تأثرت، إلى حد كبير، بخلفيتي الثقافية، وبإرث أبي، وهذا ما شجعني على إحداث تغيير في العالم، وترك بصمة طويلة الأمد.

مؤسِّسة مبادرة

تمتد مبادراتك ومشاريعك إلى مجالات التنمية الاجتماعية والاهتمام بالصحة والتعليم وغيرها، ما الأفكار التي تراودك أثناء التخطيط لمبادراتك، وما الذي نجحت في تحقيقه؟

يعود انخراطي في التطوير الاجتماعي، خصوصاً من خلال الأعمال الفنية والثقافية، إلى القيم الأساسية التي نقلها أهلي إليّ. فقد تعلّمت منهم التعاطف، والتحلّي بالوعي، وأدركت أهمية تقديم المساعدة للآخرين.

وبما أنّ جهودي تصبّ في الإطار الأكاديمي وترتكز على الابتكارات الاجتماعية والتاريخ الفني، أرى أن التعلّم المستمر والأبحاث المتواصلة هي المفتاح للتعامل مع التحديات الاجتماعية ومعالجتها، وهذا التفكير يوجه خطواتي في مبادرات خيرية واجتماعية ريادية، ويضمن بالتالي، فعالية مساهماتنا، واستدامتها في الوقت نفسه.

لسنا نهدف إلى تحقيق النتيجة المرجوة من مبادراتنا من الخطوة الأولى، إنما نريد إحداث تغييرات صغيرة مع مرور الوقت، تماشياً مع إيماني بأن التغيير في المسائل الاجتماعية المعقدة هو عملية تدريجية، تتطلّب الالتزام والمثابرة والإصرار. نحن نسعى إلى إحداث تغيير طويل الأمد عبر اتخاذ خطوات صغيرة، و لكن فعّالة حيث بعد كل إنجاز نحققه خطوة مهمة نحو الوصول إلى مجتمع أكثر إنصافاً وتعاطفاً، سواء من خلال تحسين النتائج التعليمية، أو تعزيز إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، أو دعم الفنون في المجتمع. ويتمثل هدفنا النهائي في إحداث التغيير خطوة بخطوة، من خلال التحلّي بالوعي وتقديم المساعدة والتعلّم المستمر.

مؤسِّسة مبادرة

إذا سنحت لك الفرصة لتسترجعي مسيرتك المهنية، ما أكثر موقف تتذكرينه ومَن الشخص الذي قد تتوجهين له بالشكر؟

إذا سنحت لي هذه الفرصة، فلن أكتفي بتوجيه الشكر لشخص واحد، بل أشكر كل النساء اللواتي قدّمن لي الدعم في مراحل رئيسية من حياتي، فقد اكتسبت صفات لا تقدّر بثمن من كل امرأة منهن. لقد اكتسبت صفات القوة، واللطافة، والحب، من جدّتي، فقد تعلّمت منها أهمية التعاطف، والصمود، بفضل حنانها المبهر، وقوتها الكبيرة.

أما أمّي، التي شكلت بدورها مثالاً للصمود والرّقة، فقد غرست في نفسي قوة التحمّل، إذ تحافظ على لطافتها مهما اشتدت المصاعب، وهذا السلوك المتواضع هو الذي أرشدني طوال رحلتي. كما وجّهتني شقيقتي، ووجّهت لي النقد حتى أحافظ على تواضعي وتركيزي، وقد ساهمت التعليقات الصادقة والمحبة لكل هؤلاء النساء في تحديد منظوري للأمور، ونهجي في الحياة.

أما بالنسبة إلى صديقاتي اللواتي حافظن على روحهنّ المرحة بالرغم من وصولهنّ إلى أعلى المراكز، وتوليهنّ أعلى المناصب في مجالات الطب والمحاماة، ومختلف التخصصات، فلطالما ذكّرنني بأن النجاح لا يقتصر على تحقيق الإنجازات، بل يتطلب أيضاً التحلّي بحسّ إنساني وروح مرحة، لذلك أنا ممتنة لكل هؤلاء النساء الرائعات في حياتي، فقد أسهمن في تحديد منظوري تجاه العالم، ومبادئي في الحياة، فباتت شخصيتي تعكس مزيجاً متناغماً ما بين القوة واللطافة، الصمود والمرح، والطموح والتواضع.