فجأة، نفضت المخرجة اللبنانية هيني سرور، الغبار عن فيلم قديم لها «ليلى والذئاب» (عمره 40 سنة)، ورمّمته، وأطلقته من جديد في صالات لندن.
غابت المخرجة اللبنانية هَيني سرور منذ الثمانينات حتى تم نسيانها. من يتذكّرها لم يسمع منها، أو عنها، والذين لم يتذكروا نسوها تماماً. صاحبة «دقّت ساعة التحرير... برّة يا استعمار»، و«ليلى والذئاب» وفيلمين قصيرين، بدت كما لو أنها اكتفت من الإخراج، ونأت بنفسها عن عالم السينما.
ربما نعم، وربما لا. لكن هيني سرور تعود فجأة بمناسبة مرور 40 سنة على إطلاق فيلمها «ليلى والذئاب». قامت بترميمه، والسعي لإعادة عرضه في صالات ICA في لندن مع احتمالات عروض أخرى، لكون الفيلم أحد الأعمال التي احتفى بها مهرجان فينيسيا كعمل كلاسيكي خاص.. وهو كذلك فعلاً.
وتأتي إعادة عروضه لتواكب ما يقع حالياً في قطاع غزة، وفي زمن ما زالت فيه «بلاد الشام»، كما يقول الفيلم في مطلعه، تعيش حروباً مختلفة.
الفيلم الماثل هو مزيج من مسائل عدّة. هو روائي ووثائقي. عن المقاومة الفلسطينية ضد البريطانيين الذين احتلوا فلسطين، ورحّبوا (كما يرد في مشهد مختار بعناية) بالمهاجرين اليهود الفارّين من ويلات النازيين، كما عن العامين الأولين من الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1977).
لكن الخيط الرابط بين كل هذه المسائل هو موقع المرأة في تلك الأحيان، انطلاقاً من اعتقاد سائد (وخاطئ) من أن المرأة لم تتعاطَ السياسة مطلقاً. لدى سرور الكثير مما تريد قوله في هذا الشأن. المرأة حاربت، وضحّت، وعانت، لا من الحروب وحدها، بل كذلك من القبضة الذكورية المتوارثة، حيث هي المسؤولة عن أوضاع الحياة المجتمعية، وهي التي تُعاقب على عشاء لم يتم تحضيره، أو ولد لم تنجبه. خلال العرض يسود شعور بأن المخرجة زادتها قليلاً، من دون أن تمضي في منهج يزيد رسالتها قوّة، وعمقاً. المسألة، يستطيع المرء أن يُناقش، ليس في نطاق «كيف عوملت المرأة»، بل «لماذا عوملت المرأة على هذا النحو؟».
هذا مع الاعتراف بأن الطرح الأول هو الأنسب ضمن المعالجة المختارة لهذا الفيلم. فالمخرجة ليست في وارد سرد قصّة ستضمن وجود تحليل ما، بل يقوم فيلمها على تقديم شخصية رمزية عابرة للأزمنة اسمها ليلى (نبيلة زيتوني)، تحمل، رمزياً، مشعلاً لإضاءة التاريخ، ودور المرأة فيه من خلال شبه حكايات تخدم هذا السعي.
هو فيلم يحمل رحيقاً من أفلام الجيورجي تنغيز أبولادزه، والأرمني الجيورجي سيرغي باردجانوف (من دون الزخارف اللونية التي كان باردجانوف يعتمدها في أعماله).
العلاقة مع الحاضر ليست وهماً. الفيلم يخصص حديثه للمقاومة الفلسطينية قبيل النكبة، ودور المرأة فيها، لكن أربعين سنة مرّت عليها نجدها تصب في ما يحدث اليوم في حرب غزّة. نكتشف أن أشياء كثيرة لم تقع بعد في أربعة عقود منذ تحقيق هذا الفيلم، ومن بينها العدالة.
هيني سرور كانت أول امرأة من عِرق الأقلية، (هي يهودية)، تحقق فيلماً روائياً طويلاً في العالم العربي، وتعرضه في لندن. للأسف، ضاعت سنوات كثيرة- ولأسباب مجهولة- كان يمكن لهذه السيدة أن تنجز أكثر بكثير مما فعلت.
للفيلم إدارة غير مريحة. فيه أداءات متفاوتة الإجادة. دخوله وخروجه ما بين المشاهد ثم بين فصليه (يتحوّل الفيلم من فلسطين إلى لبنان بعد منتصفه بقليل). كان يمكن التوسع قليلاً لشرح العلاقة بين القضيّتين، حرب الاحتلال والحرب الأهلية، هذا لو تم لمنح الفيلم بعداً سياسياً خارج نطاق ما تم طرحه.
في المشهد الأخير هذه ليلى ترمز جيداً لوطن يتلقفه رجال ينتمون إلى طوائف مختلفة. تمنح المخرجة المشهد رمزيته هذه، ثم تقفل الفيلم على تجربة كانت رنّانة آنذاك، وما زالت تتعامل مع فرادتها إلى اليوم.
اقرأ أيضاً: أليس جي.. سيرة عجيبة لأول مخرجة سينمائية في العالم