جمع الحب قلبيهما منذ الصغر، وتوجت قصة الحب بالزواج بعد سنوات، ثم ما لبثت أن تدهورت الأحوال المالية للزوج ما دفعهما إلى التفكير في الاتّجار في الآثار، وصوّر لهما الشيطان أن هذه التجارة تكفل لهما حياة كريمة، وتمثل لهما خبطة العمر، لكن، انهارت عليهم المقبرة، وانهارت معها أحلامهما، وانتهى كل شيء في غمضة عين.
جمعتهما الأحلام الوردية نفسها، ودرجة الطموح نفسها، وعقَدا العزم على أن يعيش كل منهما بشكل يختلف عن الطريقة التي تربّى عليها. كان العريس يعمل في الزراعة، أما هي، فبعد انتهاء دراستها التحقت بالعمل في أحد المصانع القريبة من محل سكنها، تقدم الشاب لخطبة عروسه التي اختارها قلبه، وقام باستئجار شقة الزوجية بنظام الإيجار الجديد، مُحدد المدّة، وبعد الانتهاء من تأسيسها، تم عقد القران والزفاف في حفل رقيق حضره أسرتا العروسين، والأقارب، والأصدقاء، ثم انتقل العروسين سوياً لحياتهما الجديدة.
أحلام التجارة بالآثار
لم تكن الحياة بين العروسين على أفضل ما يكون بسبب صعوبة العيش، سوء الأحوال المادية بدأ يضرب الأسرة في الصميم، ولم يعد دخل الأسرة كافياً للوفاء بمتطلبات المعيشة، والأسوأ من ذلك، عجز الزوج عند دفع الإيجار الشهري لشقته لأول مرة منذ الزواج، فتراكم عليه الإيجار شهراً بعد الآخر، لدرجة أن صاحب العقار هدّده بالطرد، لو لم يلتزم بدفع المتأخرات. ووسط هذه الأجواء المُلبّدة بالغيوم، كان أحد الأصدقاء المقربين من الزوج يتحدث معه عن رغبته في بيع قطعة أرض ورثها عن والده، نظراً لارتباطه ببعض الأعمال التي تستدعي سفره خارج البلاد، لكن الزوج اقترح عليه أمراً آخر، وهو بناء عقار سكني عليها والاستفادة من عملية البيع والشراء التي من الممكن أن تدر عليه دخلاً كبيراً.
اقتنع الصديق بهذا الأمر وفوّض الزوج الشروع في البناء، وتجهيز التراخيص اللازمة، واستخراج الأوراق الرسمية مقابل مبلغ مالي كبير سيتحصل عليه نتيجة مجهوده، كل الأمور كانت تسير في طريقها الطبيعي، لكن أمراً واحداً غيّر كل المعطيات، حيث أكد له أحد الموظفين أن قطعة الأرض هذه غير مصرّح بالبناء عليها في الوقت الحالي، لأنها تقع في نطاق منطقة محاطة بالآثار، وبناء عليه قبل صدور أي قرار بناء عليها يجب أولاً حضور لجنة للتأكد من خلوها من الآثار. كان وقع الكلام على الزوج صادماً في بداية الأمر، لكن سرعان ما تهلّلت أساريره، كأنه عثر على ترياق الحياة.
انهيار المقبرة على الزوجين
عاد الزوج إلى منزله وقصّ على زوجته كل التفاصيل التي وصلت إلى مسامعه، ومن هنا بدأ الزوجان التفكير في طريقة، أو حلّ قاطع يرحمهما من هذه الظروف العصيبة، فأوحى إليهما الشيطان بفكرة جهنمية ظناً منهما أنها الحل الأمثل للخروج من كبوتهما، كان الأمر بمثابة خبطة العمر التي تنقلهم من حال إلى حال.
كانت خطتهما التنقيب عن الآثار والكنوز المزعومة، بعدما علم الزوج أن هذا المكان مملوء بالكنوز والآثار المصرية القديمة، وقطعة واحدة منها تحوّل مجرى حياتهما تماماً من النقيض إلى النقيض.. كانت هذه هي البداية، لكن ما حدث بعد ذلك فاق حدود المعقول.
بدأ الحفر والتنقيب من جانب الزوج، وزوجته، وشقيق زوجته، أسابيع عدّة، مستخدمين بعض الأدوات البدائية، وكانت عملية الحفر تتم في أوقات متأخرة من الليل حتى لا يُكتشف أمرهم، ويوم الحادث وصل الزوجان إلى عمق أكبر، كان الأمل يراودهما في الوصول إلى هدفهما المنشود. وخلال رحلة البحث عن الكنز، كان الزوج وزوجته داخل المقبرة، أما شقيق الزوجة فكان في الخارج ممسكاً لهما بحبل ضخم، إضافة إلى قيامه بعملية المراقبة حتى لا يلفتا الأنظار، لكن فجأة، ومن دون مقدّمات، انهار المكان تماماً فوق رؤوس الجميع.
بلاغ مفاجئ كشف المستور
كانت الأمور كلها قبل هذا البلاغ تسير في إطار من السريّة، إلى أن انهارت المقبرة فوق الجميع، وكشف شقيق الزوجة المستور، حيث فوجئ رئيس مباحث المنطقة التي يتبع لها الضحايا، بشاب في منتصف العقد الثالث من العمر، يقتحم عليه مكتبه وهو في حالة يرثى لها، حاول تهدئته والاستماع لشكواه، لكنه طلب منه إنقاذ شقيقته وزوجها من الموت، كما طلب منه الإسراع في طلب الإسعاف بشكل عاجل لأنهما تحت الأنقاض. انتفض الضابط من مكانه، ظن أن منزلهما انهار فوقهما، لكن بعد وصول القوات إلى المكان بدأت المفاجأة تنكشف تباعاً، حيث تبيّن أن المجني عليهما زوج وزوجة، كانا ينقّبان عن الآثار برفقة شقيق الزوجة مُقدم البلاغ، وتبيّن إنه أثناء التنقيب والحفر داخل سرداب سري في باطن الأرض انهار النفق المؤدي إلى باطن الأرض فوقهما.
اعترافات الناجي الوحيد
تم التحفظ على شقيق الزوجة صاحب البلاغ للتحقيق معه لمعرفة تفاصيل ما حدث، حيث قدم صاحب البلاغ اعترافات تفصيلية حول الحادث الغريب، مشيراً إلى أنه كان يتمنّى الموت مع شقيقته الوحيدة بدلاً من البقاء على قيد الحياة من دونها، مؤكداً في اعترافاته أنه نجا من الموت بأعجوبة، وبالصدفة البحتة، بعدما كان مع الضحيتين داخل الحفرة، لكنه غادر الحفرة حتى يقوم بأعمال المراقبة والمتابعة، مشيراً إلى أن زوج شقيقته علم بوجود آثار في هذا المكان بالصدفة البحتة، أثناء قيامه باستخراج تراخيص بناء لقطعة الأرض القابعة على أطراف العاصمة، وعندما عرضت شقيقته الأمر عليه لم يتردد في الموافقة على مشاركتهما، نظراً لأنه كان يعاني ضائقة مالية كبيرة.
تم استخراج جثتي الضحيتين من بين الأنقاض، وعرضهما على الطب الشرعي في انتظار التقرير النهائي تمهيداً لدفنهما، كما تم تحرير محضر بالواقعة تضمنت سطوره كل التفاصيل التي اعترف بها شقيق الزوجة، حيث تمّت إحالته للنيابة العامة بتهمة التنقيب عن الآثار، ومحاولة تضليل العدالة، وأمرت النيابة العامة بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معه.
* القاهرة: كريم سليمان