16 يوليو 2024

بين الإلهام والتضليل.. ما مدى خطورة مؤثري الـ"سوشيال ميديا"؟

محررة في مجلة كل الأسرة

بين الإلهام والتضليل.. ما مدى خطورة مؤثري الـ

لا يمكن الحديث، بشكل عابر، عن تأثير مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل دورهم الملموس في تشكيل الرأي العام، وفي توجّهات الأفراد، سواء القيمية أو السلوكية.

وفي هذا المجال، نستعيد كلمة للفريق سموّ الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، خلال جلسة رئيسة ضمن أعمال القمة العالمية الحكومية 2024.

حيث ميّز بين القدوة، و«المؤثر»، بقوله «مع تطوّر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، بدأ يختفي مفهوم القدوة، وظهر مفهوم جديد وهو «المؤثر»، الذي بدأ يروّج لنا قيماً جديدة مختلفة عن قيمنا، تختلط فيها الإيجابيات بالسلبيات؛ لتصبح أداة من أدوات وأسلحة أجندات مسيَّسة، هدفها الرئيس تفكيك الأسرة، وإسقاط القدوات، وتشويه الرموز الوطنية للدول».

وشدّد سموه على أن الخطر يكمن في «رفض اختيار القدوة بوعي من المجتمع المحلي، حيث يزخر تاريخنا العربي والإسلامي بالقدوات الإيجابية».

من منطلق ما نتلمّسه على أرض الواقع، نعيد التأكيد على أن الحديث عن المؤثرين ليس عابراً، لأنّ هؤلاء لا يروّجون لمنتجات وخدمات فقط، بل إن البعض منهم اخترقوا جدران يومياتنا، وشرعوا في نسف منظومة قيمنا، لدرجة يصفهم البعض بـ«معول هدم لكل ما يتماهى مع قيمنا ومبادئنا».

بين الإلهام والتضليل.. ما مدى خطورة مؤثري الـ

فماذا يقول الخبراء والأكاديميون في مجال الإعلام، عن دور المؤثرين، وتأثيرهم في الهوية الوطنية، واستعراض حياة مثالية غير واقعية، وعادات استهلاكية مبالغ فيها؟

بعض المؤثرين يبثون رسائل هدم

يؤكد الدكتور علي الشعيبي، خبير ومستشار إعلامي وأول رئيس قسم إعلام مواطن في جامعة الإمارات، أن الانتشار السرطاني لوسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على إيصال الرسالة، دفع الكثيرين إلى دخول هذا المجال، إما بحثاً عن الشهرة، وإما تنفيذاً لتوجيهات تخصّ صناعة رأي عام مؤثر.

ويوضح «كثير من هؤلاء يحظى بجماهيرية عالية، ويتحول إلى نموذج قدوة، وهو نموذج سيئ، سواء في الطرح، أو التوجه، أو في عمليات توجيه الرأي العام، لكون هذه الظاهرة ليست ظاهرة منعزلة عن سياق التحولات القائمة، ومع عدم إخضاع هؤلاء المؤثرين لمعايير رسمية، أو قيمية».

ويقدّم د.الشعيبي الأدلة «عندما يكون الأمر مرتبطاً بالبحث عن الشهرة، يمارس بعض المؤثرين الكثير من العبث بصناعة محتوى غير متوافق مع منظومة القيم والأخلاق، والمشكلة تكمن في وجود توجهات إما سياسية، وإما عقدية، وإما اجتماعية، تسهم في صناعة هؤلاء.

ويلتقط البعض هذه الرسالة ويحوّلها إلى معول للهدم، ويتحول إلى نجم مجتمعي يروّج لكثير من الصور غير المتماثلة مع توجهات المجتمع».

ويوضح د.الشعيبي «هذا النموذج يصنع ما يسّمى بالتماهي مع الصورة، حيث إن أطروحات هؤلاء مرتبطة بالترويج للماركات، المطاعم، الأجهزة أو الأدوية، ما يجعل المتلقي منساقاً بشكل لا إرادي نحو عالم الاستهلاك المالي، المشوب بالكثير من التناقضات ضمن ما يعرف إعلاميا بـ«التسليع الإعلامي»، وتحويل القيم إلى منتجات استهلاكية، ودفع الناس للهاث خلفها».

يعزو أستاذ الإعلام الخلل إلى «ضعف وسائل الإعلام التقليدية، وانحسار المشاهدين، والقراء، والمستمعين، عن المشهد، بحيث أصبحت مشاهدة «الفاشينستات» عادة يومية، وشبه إدمان عند البعض، لاستعراض المواهب، وكشف أسرار المنازل، كسِمة من سمات الرسالة التي تصنعها هذه الفئة.

حيث حولوا (أسرار المنازل) إلى (منتج تسليعي)»، في وقت كان من المؤمل أن يتم استثمار هذه الجماهير في توجيه هذه النوافذ الإعلامية إلى مصادر للتنمية، والقيم، والتحول الأخلاقي الجميل».

ولمواجهة هذا الواقع، يدعو د. الشعيبي إلى:

  • تكاتف الجهات المسؤولة، من جهات مجتمعية وإعلامية، مع الدوائر الخاصة بالتوعية من مدارس وجامعات، غيرها، للمواجهة عبر صناعة محتوى إعلامي جيد، وجاذب، وعدم المكابرة بأن التلفزيون قادر على المواجهة.
  • التوجه إلى الـ«سوشيال ميديا» وصناعة محتوى خلّاق، ومنافس للتصدي بشراسة لـ«الفاشينستات» اللواتي يقدمن محتوى يتسم بالكثير من الإسفاف.

بين الإلهام والتضليل.. ما مدى خطورة مؤثري الـ

نماذج هشّة ومجرد فقاعة

من جانبها، ترصد الدكتورة حصة لوتاه، إعلامية وأكاديمية إماراتية، الدور الذي يلعبه المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل منظومة القيم، وفي تشكيل الأفكار والتوجهات.

وتبيّن «ثمة عوامل ساعدت على ظهور ما يسمى بـ«المؤثرين» في مجتمعاتنا، ومن هذه العوامل نمط الحياة السريع، وسيادة النمط الاستهلاكي فيها.

وما عزّز ظهور هؤلاء في المجتمع واكتسابهم مواقع مؤثرة فيه هو ضعف أداء بعض المؤسسات الإعلامية والثقافية، وحتى التعليمية، في خلق برامج تغطي اهتمامات الشباب المختلفة، كالرياضات، والفنون، وغيرها من الاهتمامات التي تشغل الشباب بما هو أهم من (السطحية والتفاهة)».

وتضيف «ضعف أداء بعض مؤسساتنا الإعلامية الرسمية، وتحيّزها في بعض الأحيان لمثل هذه الفئة ساعد على تعزيز وجودها في المجتمع، وبالتالي، أصبح هناك من يعطي هذه الفئة أكبر من حجمها في حين، أنّ بعضهم لا يعدو أكثر من «فقاعة» تتلاشى سريعاً».

لو انشغل المجتمع بشيء أفضل لتلاشى وجودهم، وأظن أن الكتابة عنهم تعزز وجودهم

انعكس هذا التأثير من «السطحية والتفاهة» على نمط حياة الجيل الحالي، وعلى سلوكيات الشباب، بيد أنّ د.لوتاه تبدو متفائلة بقولها «حتى لا نجعل هذه الصورة مطلقة وقاتمة، علينا الابتعاد عن التعميم، لنكتشف أن تأثير هذه الظاهرة ليس بالمطلق في أوساط فئات المجتمع المختلفة، وأنّ هناك الكثير من الشباب الجاد بيننا، وهو الشباب المنشغل بأمور حياته، ودراسته، وطموحاته».

لكن بعيداً عن التعميم، ألا تجدين أنّ المؤثرين الذين يتسيّدون المشهد لا يحملون رسائل هادفة؟

تجيب د.لوتاه « لو انشغل المجتمع بشيء أفضل لتلاشى وجودهم، وأظن أن الكتابة عنهم تعزز وجودهم، وأنا مع مقولة عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، حين قال (أميتوا الباطل بالسكوت عنه)».

بين الإلهام والتضليل.. ما مدى خطورة مؤثري الـ

المحتوى السلبي هو الطاغي والإيجابيون موجودون

بات مؤثرو الـ«سوشيال ميديا» واقعاً قائماً، ليس في العالم العربي، بل في العالم، وهذا ما يؤكده الإعلامي والكاتب محمد الحمادي، مساعد رئيس الاتحاد العام للصحفيين العرب، لافتاً إلى الحضور اليومي لهؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي حيث «بعضهم يقدم رسائل مفيدة، والبعض الآخر يحمل رسائل سلبية».

يتلمس التأثير الكبير لهذه الشريحة في سلوكات أفراد المجتمع «للأسف الشديد، في عالمنا العربي، التأثير السلبي هو الأكبر، والمؤثرون الإيجابيون موجودون، ولكن عددهم قليل، وحتى من يمتلك المحتوى الجيد، لا يمتلك عدد المتابعين الكبير، والحضور القوي في الساحة، ومشاركتهم في الفعاليات والأنشطة غير فاعلة».

بعض الدول، كالصين، عمدت إلى اتخاذ قرار بمحاسبة المؤثرين الذين يمارسون البذخ، ويصورون حياتهم الخاصة بشكل مبالغ فيه.

وفي هذا السياق، يؤكد الحمادي أهمية اتخاذ إجراءات «مشكلتنا في العالم العربي أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تعمل وفق ضوابط ومحددات وقواعد سلوكية، ولسنا بصدد الحديث عن قيود، أو رقابة، ومن شأن هذه الضوابط أن تتيح تقديم محتوى إيجابي، وترتّب محاسبة حقيقة لمن يخطئ».

ويعقّب «ومن الظواهر السلبية أن المؤثر حتى ولو أخطأ، أو ارتكب «خطيئة»، نجد أن المجتمع يتقبله وبعض الجهات الرسمية تستضيفه، وهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر».

ويخلص الحمادي «الكثير منهم بات «مؤثراً» بالصدفة، ومع إدراك تأثيره في الأجيال الراهنة بتقديم صورة نمطية عن المجتمع وعن قيم الجيل، يجب ألا يترك المؤثر من دون توجيه، أو متابعة، ويناط بالمجتمع دعم المؤثرين الإيجابيين، والحّد من السلبيين منهم، عبر التسلح بالوعي للتعامل مع المؤثر، ومضمون ما يقدمه، والتمييز بين المؤثر الذي يحمل رسالة هادفة، سواء وطنية أو إنسانية، وبين المؤثر الذي يبحث عن المال والشهرة والظهور فقط».

بين الإلهام والتضليل.. ما مدى خطورة مؤثري الـ

التقنيات الحديثة صنعت من البعض أبطالاً افتراضيين

في عصر التكنولوجيا الرقمية وتزايد عدد المتابعين لبعض المؤثرين الذين يبثون رسائل مسمومة، تجد الدكتورة فاطمة الصايغ، أكاديمية وأستاذة التاريخ في جامعة الإمارات، أن «عصرنا الحالي هو عصر التقنيات السريعة التي تصنع أبطالاً افتراضيين، بحيث يحاول العديد من الناس الاستفادة من هذه التقنيات إما إيجاباً أو سلباً».

وتوازن د. فاطمة الصايغ بين توجهين لدى المؤثرين، «فئة منهم تترك آثاراً إيجابية، وفئة أخرى تؤثر سلباً، وترسي توجهات مغايرة للعادات والتقاليد، والقيم المتوارثة، بخاصة أنّ هناك جيلاً شاباً متعلقاً بتلك التقنيات، حتى أن البعض مدمن عليها.

ولا يمكن إغفال أنّه في السنوات الأخيرة شهدت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الحالات التي دِينَ فيها المؤثرون قضائياً بسبب أفعال تعّد خرقاً للعادات والتقاليد المجتمعية».

وتراهن د. فاطمة الصايغ على الوعي المجتمعي بأهداف هؤلاء، وبالقيم التي يبثونها «بحكم تكوينها المحافظ، لا يمكن للمجتمعات الخليجية تقبّل ما تتقبله المجتمعات الأوروبية.

ولهذا، يستهجن الناس الكثير من التقليد الذي يقوم به بعض المؤثرين للعادات والأفعال الغريبة عن مجتمعاتنا، كما لا يخفى على أحد دافعهم نحو الشهرة، والمال، حيث لا يتوانون عن الإتيان بأي عمل في سبيل ذلك».