سان فرانسيسكو وأفلامها.. ذكريات عن مدينة الهضاب والسيارات الطائرة
على نحو فعلي، كان عشقي لها قائم في الأساس على دعاية فيلم واحد بوليسي شاهدته صغيراً سنة 1968 بعنوان «بوليت» Bullitt، للمخرج البريطاني بيتر ياتس.
في ذلك الفيلم المثير في كل لحظة منه، نجد عين التحري بولِت على خدمة القانون، أولاً وأخيراً. أما عين المدعي العام (روبرت فون)، فعلى المكسب السياسي. لكن المنظمة تبعث برجلين من المحترفين (بول كنج، وبل هيكمان) لقتل التحري.
هناك ثلاث مطاردات في الفيلم، أفضلها الثانية فوق طرق وهضاب المدينة، والثالثة في أرض مطارها.
ولكون المدينة (في جزء كبير منها) قائمة على مرتفعات يجعل الشوارع في ذلك الجزء المنتصف من المدينة عبارة عن شوارع جبلية صاعدة، وهابطة.
الشارع يعلو لخمسين، أو مئة متر، ثم يهبط من جديد لمسافة أخرى موازية، ثم يرتفع مجدداً ليهبط مجدداً. وقمة كل مرتفع هي أعلى، أو أخفض من المرتفع السابق، يعتمد ذلك على ما إذا كنت تصعد الطريق، أو تهبط منه.
سان فرانسيسكو كانت دوماً «فيلم فرندلي»، فيها تم إنشاء أول صالة سينما في الولايات المتحدة (ولو أن هناك خلافاً أمريكياً-أمريكياً حول هذا الموضوع)، إذ قامت بعرض الأفلام منذ سنة 1906.
في كل الأحوال هي أكبر صالة سينما عمراً إذ ما زالت تعرض الأفلام إلى اليوم، جنباً إلى جنب صالتين أخريين هما «ذا ستانفورد»، و«كاسترو». البعض يقول إنها ثاني صالة ما زالت على قيد الحياة حول العالم.
تاريخ المدينة مع الأفلام التي صُورت فيها يعود إلى عام ذاته. ففي سنة 1906 دمّر زلزال كبير المدينة، وتسبب بإشعال نيران ضخمة. الأخوان مايلز صوّرا «زلزال سان فرانسيسكو»، وتبعاته، مستعرضين ما آلت إليه.
وهذا التصوير، الذي تحوّل إلى قسم آخر، ضاع منذ ذلك الحين إلى أن أكتشف وجوده شاب أمريكي يعيش في لندن، كما أشارت محطة CNN في نهاية إحدى نشراتها الإخبارية سنة 2017.
هوليوود عادت إلى حكاية الزلزال الكبير في فيلم بعنوان «سان فرانسيسكو». هذا كان من إنتاج مترو-غولدوين ماير سنة 1936 التي أسندت إلى وودي فان دايك مهمة تحقيقه. بطلته جانيت ماكدونالد، حملت المشروع إلى الشركة، واقترحت قيامها بإنتاجه من بطولتها، وهي التي اقترحت أيضاً أن يقوم كلارك غايبل ببطولته.
بطل فيلم «ذهب مع الريح» (1939) لم يهتم بالموضوع، ولم يرغب في تمثيله، لكن عقده مع مترو غولدوين ماير لم يخوّله الاختيار، فقبل بالمهمة غصباً عنه، وتجلّى ذلك في تعامله الخشن مع بطلة الفيلم.
وقد تبدّت معاملته هذه في مشهدين محدّدين، الأول عندما يشدّ عقداً تلبسه جانيت حول عنقها بقوّة، ما نتج عنه إحداث جرح في رقبتها، والثاني عندما مثل معها مشهد قبلة بعد تناوله وجبة سباغيتي مع الثوم، ما جعلها تتذمر من رائحة فمه.
لقطة من فيلم «بولت»
معالم سينمائية خاصة في سان فرانسيسكو
لكن سان فرانسيسكو ليست المدينة التي تم تصوير أفلام الكوارث فيها فقط. وفيلم «بولِت» ليس الفيلم المعاصر الوحيد الذي استغل إمكاناتها المعمارية، وطبيعتها الخاصة.
طبيعتها تناسبت وتحقيق أفلام تشويقية في الكثير من الأحيان، في مقابل بعض الأفلام العاطفية، من بينها فيلما وودي ألن «العبها ثانية، سام» (لهربرت روس، 1972)، و«بلو جاسمين» (إخراجه من دون تمثيله، 2013).
هي المدينة التي اختارها أيضاً هال أشبي لتحقيق أحد أفلامه الدرامية «هارولد ومود» (1971)، وفيها قام كريس كولمبوس بتحقيق فيلمه الكوميدي «مسز داوتفاير» (1993)، وحول حاكم المدينة هارفي ميلك أخرج غس فان سانت «ميلك» سنة 2003. وقبله قام الصيني الأصل واين وانغ، بتحقيق فيلمه الجيد «ديم صم: قليل من القلب»، سنة 1985.
الجانب المثير والمعالم الخاصة من المدينة استغلت جيداً في عدد من الأفلام البوليسية والتشويقية المتتابعة.
في الأربعينيات قام جون هيوستون بإخراج «الصقر المالطي» من بطولة همفري بوغارت، لاعباً شخصية التحرّي سام سبايد، كما وضعها الروائي داشل هاميت.
وعلى رغم أن هاميت عاش في سان فرانسيسكو، وقصّ حكاية تدور في أرجائها، إلا أن هيوستون آلى لعدم استخدام المدينة إلا في مشهد تأسيس المكان العام في مطلع الفيلم الذي تم تصويره سنة 1941.
مشهد من «فرتيغو»
عاد همفري بوغارت إلى سان فرانسيسكو بعد خمس سنوات، وقام بتمثيل «ممر مظلم» لكاتب بوليسي آخر، هو ديفيد غوديس.
الفيلم، من إخراج المتمكن دلمر ديفيز، حيث يوظف المدينة جيداً في الدقائق العشر الأولى من الفيلم، يحيط بها من وجهة نظر البطل وحده، قبل أن تدخل شريكته في الحياة والأفلام، لورين باكول، الفيلم.
بعد عام واحد، قام أورسن وَلز بتصوير فيلمه الجيد كذلك «سيدة من شنغهاي»، في أرجاء تشايناتاون في سان فرانسيسكو.
مثله وَلز، كما أخرجه ومعه في البطولة ريتا هايوورث التي لاحقاً وصفت الفيلم بـ«المذهل»، ولو أنها أضافت «لكني لم أفهم ما يدور الفيلم حوله جيداً»... شاركها في هذا الرأي عدد من النقاد، والكثير من المشاهدين.
خمسينيات القرن الماضي بدأت بفيلم رادولف ماتي D.O.A (الأحرف الأولى من Dead On Arrival أو «ميت عند الوصول»).
أيضاً هو فيلم بوليسي- تشويقي داكن (فيلم نوار)، مع إدموند أو برايان في دور فريد: في مطلع الفيلم يسير صوب مركز شرطة، ويعلن أنه سيموت خلال 24 ساعة بعدما شرب سماً مدسوساً في كأسه.
تعددت الأفلام قليلاً في الخمسينايت إلى أن توّجها (وتوّج سينما الغموض والتشويق بأسرها) فيلم «فرتيغو» (1958) للمبدع ألفرد هيتشكوك.
كيم نوفاك تلعب لعبتها على جيمس ستيوارت، وتدعي مقتلها، ثم تعاود الظهور أمام عينيه حيّة. يعتقد أنها شبيهة بالمرأة الأولى قبل أن يفهم أنه كان موضع حبكة دبّرت ضده.
من مطلع الفيلم نرى المدينة... أو جزءاً منها على أي حال. التحرّي، جيمس ستيوارت، معلّق بين الحياة والموت، وقد انزلق من على سطح بناية متمسكاً بالحافة بينما تمر السيارات من تحته. بداية مذهلة لفيلم لا يتوقف بعد ذلك عن الإذهال.
كلينت إيستوود في «Dirty Harry»
أجمل الأفلام المصورة في سان فرانسيسكو
بالانتقال إلى السينما المعاصرة، نجد المدينة بكامل زخرفتها الطبيعية هي المكان الذي لابد منه لأفلام عديدة، من بينها الفيلم الدرامي الجيد The Last Black Man ،in San Franciso وفيلم كلينت ايستوود المثير Dirty Harry.
ثم فيلم ديفيد فينشر Zodiak، وفيلم السجون The Rock، ثم الفيلم الكوميدي- البوليسي 48Hrs، وفيلم الكوارث The Towering Inferno، ثم Big Trouble in Little China، وسواها العديد.
وهناك العديد من المدن الأمريكية التي تم التصوير فيها، مثل نيويورك، وبوسطن، وشيكاغو، ولوس أنجلوس، لكن سان فرانسيسكو أجمل تلك المدن، وبعض أفضل ما تم تصويره من أفلام إلى اليوم.
اقرأ أيضاً: ستيف ماكوين في شوارع سان فرانسيسكو.. أسرار أشهر مطاردة سيارات في تاريخ السينما